العدد 676 - الإثنين 12 يوليو 2004م الموافق 24 جمادى الأولى 1425هـ

النور لأصحاب "السعادات" والتنور للفقراء

"لي الشرف في أن أقدم استقالتي"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل تتذكرون ما حدث في فرنسا قبل عام واحد؟ ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي، تعرضت فرنسا وقسم من أوروبا لموجة من الحر الشديد، أودى بحياة آلاف من المواطنين الغربيين، غالبيتهم من العجزة، فقامت حكوماتهم ولم تقعد، بعد أن تشكل رأي عام ضاغط يطالب باستجلاء وجه الحقيقة. في فرنسا التي سقط فيها خمسة عشر ألفا، قدم المدير العام للصحة لوسيان ابنهايم يوم 02 أغسطس/آب 3002 استقالته إلى وزير الصحة فوافق عليها. ووقف ابنهايم -بحسب صحيفة "لوفيجارو"- ليقول: "إن لي الشرف أن أقدم اليكم استقالتي من منصبي الذي بدأت العمل فيه منذ 62 أغسطس 9991". وواجه وزير الصحة جان فرانسوا ماتاي، انتقادات كثيرة وطولب بالاستقالة وإجراء تحقيق برلماني وتوجيه اللوم إلى الحكومة لعدم سيطرتها على هذا الوضع الاستثنائي. ولما فتح باب التحقيق تبين وجود خطأ "غير مقصود"، كان المسئولون في الوزارة غافلين عنه، وهو أن نسبة كبيرة من العاملين في قطاع التمريض خرجوا في اجازاتهم السنوية، ما أدى إلى نقص في الكادر التمريضي، فنقص الخدمات وتدهورها، وبالتالي التسبب في وفاة هذا العدد الكبير، حتى ان "الاندبندنت" البريطانية وصفت ما حصل بالهولوكوست الفرنسي! لم تكن برمجة إجازات الممرضات والأطباء من صلب اختصاصات الوزير، ولكن كل ما يحدث تحت إدارته هو محاسب عليه مادام هو الرجل الأول في الوزارة. ومادام يخرج على التلفاز بطلعته البهية ليتمتع الجمهور برؤيته فعليه أن يتحمل انتقادات أهالي "ضحاياه" من المواطنين! ومادام يقبض "راتب" الوزير فعليه أن يتحمل "مسئوليات" و"تبعات" الوزير. هذا ما يجري في العالم المتحضر، أما نحن في هذا الشرق التعيس فلا نتحمل رؤية ثلاثة رسومات كاريكاتورية رسمها صاحبها تحت ضوء الشموع بعد ان انقطعت الكهرباء عن منزله! فقط ثلاثة رسومات كاريكاتورية فنتوهم انها حملة منظمة ومقصودة تقف وراءها بعض الجهات المغرضة ونتغافل عن لب المشكلة! كل منا - قراء وصحافيين، ومواطنين ومقيمين - لديه قصص يمكن أن يرويها عن عذابات البشر الذين يسقطون ضحايا انقطاع الكهرباء، ممن أوقعهم سوء حظهم في حزام المناطق "المحظوظة" التي ينالها تدوير القطع الكهربائي المجيد! وإذا صدقكم الكاتب في نقل المعاناة التي لم تعرفوها قط في حياتكم اتهمتم عمله بالزبد الذي يذهب جفاء، في ضربة مقصودة لصميم العمل الصحافي الملتزم بقضايا الوطن والناس. هذا وصحافتنا المحلية تبحث عن دور فعال ايجابي يخدم المجتمع، في ظل عجز الوسائل الاخرى عن التعبير عن هموم الناس، بعد أن تحول المجلسيون إلى البحث عن مغانم صغيرة يأخذونها، وفي ظل حياة سياسية راكدة تمارس لعبة تضييع الوقت، وما يؤديه ذلك من إشاعة أجواء الاحباط والكفر بكل اللاعبين في الساحة. وليت السادة الضائقين بالكاريكاتيرات الثلاثة، يعلمون أن صحافتنا مازالت "تبالغ" في استخدام لغة التهذيب والتنميق وبروتوكولات المجاملات الفارغة، وإلا كان لها شأن آخر. فاحمدوا ربكم سبعين مرة، على أن أعطاكم صحافيين مهذبين، هادئين، "حبوبين"، ينتقون كلماتهم ويزنونها بالتولة والغرام. احمدوا ربكم أيها السادة سبعين مرة، فنحن لا ننتقدكم، انما نمزح معكم، نلاطفكم ونداعبكم عندما ينقطع التيار وتتحول شققنا إلى تنور أحمر. نحن ندغدغكم في بطونكم لكي تعرفوا معنى صراخ الأطفال ونوبات العجائز المقعدين في تلك الغرف التي يذوب فيها الحديد. وأمنيتي بصدق أقولها لكم، أتمنى لو ينقطع التيار عن منازلكم ساعة واحدة فقط من الليل أو النهار، ولأن لديكم "جنريترات" ألكترونية بالغة الدقة، أتمنى أيضا لو تتعطل هذه "الجنريترات" ساعة من نهار، فقط لتشعروا بما يعنيه صوت بكاء أطفالكم... حينئذ ربما تدركون أن صاحب الكاريكاتيرات الثلاثة لم يكن يقصدكم، وان ماتصورتموه "مؤامرة" لم يكن غير دغدغة في البطون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 676 - الإثنين 12 يوليو 2004م الموافق 24 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً