الحديث كبير وذو شجون في مسألة البطالة، فما أصعب أن يكون الانسان عاطلا لا يوجد لديه مصدر رزق، وخصوصا ما إذا كان العاطل رب أسرة. بالتأكيد ان البطالة قنبلة موقوتة، آثارها تتعدى الفرد والأسرة إلى المجتمع بأسره وإلى الوطن بأكمله، وهي مشكلة وطنية تتعدد أسبابها وتتعدد أطرافها. ولحل أية مشكلة لابد من تحديد أسبابها وحجمها، لأنه في ازالة الأسباب يمكن تقليص حجم المشكلة، وخصوصا ما إذا كانت تلك الأسباب بعضها من صنعنا ونتيجة لفعلنا، وبالتالي بإزالة تلك الأسباب يمكن تفادي الأخطار كافة التي تنتج عن وجودها.
اعتقد وبعيدا عن المفاهيم النظرية لتعريف البطالة، أن العاطل عن العمل ليس فقط ذلك المواطن الذي ليس لديه عمل، بل يندرج معه ذلك المواطن الذي يقل دخله عن الحد الأدنى للمستوى المعقول والمقبول للمعيشة، ويعيش ضمن حزام الفقر، وإذا كان هناك تفاوت نسبي بين العاطل كليا عن العمل وبين ذلك الذي يعمل ولكن بأجر زهيد لا يوفر له الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للمعيشة، فإن الاثنين متشابهان مع فرق بسيط.
سؤال بسيط أوجهه إلى القائمين على مؤسسات مجتمعنا المدني وفي مقدمتها الجمعيات المهتمة بالشأن السياسي، التي وضعت مشكلة البطالة نظريا ضمن أولوياتها: هل عملت تلك الجمعيات على جمع بيانات تقارب الحقيقة بشأن مشكلة البطالة وخصوصا أن تلك الحقيقة مفقودة، فوزير العمل والشئون الاجتماعية يتحدث عن أرقام يقول بشأنها إنها المتوافرة لدى وزارته، وآخرون يوردون أرقاما مضاعفة، والحقيقة غائبة، والبعض يتحدث عن بطالة طائفية، وبطالة مناطقية. لذلك فإنه جمع بيانات ميدانية من كل بيت، من كل شارع ومن كل منطقة، مع تفاصيل البيانات الشخصية عن كل عاطل، سنعرف أين تتركز البطالة وما نوعها، وبالتالي معرفة جانب من أسبابها، من خلال هذه البيانات يمكن الرد على بيانات وزير العمل والشئون الاجتماعية، ومن خلال تلك البيانات يمكن طرح الحلول الممكنة وبشكل علمي بعيدا عن العواطف.
ولكن مع غياب تلك البيانات فإنه من واقع ما نلمسه ونشاهده، يمكن بيان بعض المعالجات التي يمكن أن تسهم جزئيا في توفير بعض فرص العمل لكثير من العاطلين.
- إن من عايش فترة ما قبل السبعينات يتذكر أنه لم يكن هناك في شوارعنا وأحيائنا السكنية بقالة يملكها ويشغلها غير بحريني، أما الآن فدلوني كم هي نسبة البقالات التي يملكها ويشغلها مواطنون بحرينيون؟!
- إن من عايش فترة ما قبل السبعينات يتذكر أنه لم يكن هناك في أسواق بيع السمك واللحم والخضراوات غير البحرينيين، بل كان أجدادنا وأباؤنا يبيعون الخضر وهم يجوبون الأحياء على الحمير، واستطاعوا من هذا العمل أن يجدوا لأنفسهم مصدر رزق شريف.
- لم اتذكر أنه كان هناك في شارع الشيخ عبدالله والشوارع المتفرعة عنه من سوق المنامة أن المحلات التجارية كانت مملوكة للأجانب، بل كانت مملوكة لمواطنين بحرينيين يعملون هم فيها، ولكن الآن تحولت أسواق البحرين بمتاجرها البسيطة إلى ملكية غير البحرينيين، وعلى مسمع ومرأى من الجهات المسئولة، ولا تعدو علاقة البحرينيين بهذه المحلات عن كونهم أصحاب الترخيص، ولهم حق التوقيع على الأوراق اللازمة أمام الجهات الرسمية، مقابل المبلغ المتفق عليه مع مستأجر السجل التجاري.
- هل قامت الجهات المسئولة بحصر الوظائف التي يشغلها غير البحرينيين في القطاع الحكومي ودرست أسباب عدم بحرنتها تمهيدا لبحرنتها، كم هو مؤلم إذا ما علمنا أن هناك وظائف سكرتاريا في وزارات حكومية تشغلها سكرتيرات أجنبيات، كم هو مؤلم أن تكون شرطة مطار البحرين الذي هو واجهة البحرين من غير البحرينيين!
- سؤال إلى الجهات المعنية ما سبب وجود العمالة الآسيوية في مطار البحرين يقومون بتحميل العفش مقابل رواتب بالاضافة الى الاكراميات التي يحصلون عليها من المسافرين، ربما يكون الجواب الحقيقي أنهم تابعون لأحد «الهوامير» الذي ربما لا يدفع لهم رواتب، بل هم يقومون بدفع نسبة معينة له من الاكراميات، وهذا ليس ببعيد!
- هل قامت الجهات المسئولة بحصر الوظائف التي يشغلها الأجانب في القطاع الخاص ودرست أسباب عدم بحرنتها، وبالتالي معالجة تلك الأسباب؟
- وعلى صلة بظاهرة تفشي البطالة يأتي التجنيس غير المدروس ليضيف إلى هذه المشكلة المزيد من التعقيد، وخصوصا إذا ما علمنا أن الآلاف ممن تم تجنيسهم ليسوا من الفئات التي أدت خدمات جليلة لهذا البلد، أو من الفئات التي تحمل مؤهلات ومهارات يحتاجها الوطن، وقام المجنسون باستخراج سجلات تجارية بأسمائهم وأسماء زوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم، عدا منافستهم وأبنائهم والأجيال القادمة منهم للمواطن في الوظيفة وفي كل شيء، والمستقبل ينبئ بالكثير... اللهم فاحفظ هذا الوطن.
كاتب بحريني
العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ