العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ

إعلانات البرادعي «الشرق أوسطية» ورسائل علاوي الأطلسية

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تماما كما هو ساذج ذلك النفر من الإيرانيين الذي يعتقد ان بإمكانه الحصول على «تفهم» أميركي أو حتى أوروبي لحقه في امتلاك التقنية الذرية لمجرد ابدائه بعض «النوايا الحسنة» بخصوص برنامجه السلمي لإنتاج الطاقة، فإنه ساذج أكثر ذلك النفر من العرب والعراقيين الذي يعتقد بأن العدوان الانجلو أميركي على العراق إنما كان يهدف إلى «تخليص» شعب العراق من طاغيته وتحريره من عهد الاستبداد وادخاله عصر الديمقراطية بلا حدود!

على الإيرانيين كما العرب أن يدركوا الآن وقبل فوات الاوان خطورة ما يجري من حولهم، وكيف صار العراق وأفغانستان «مختبران» متحركان لإعادة صوغ تربة المنطقة وهويتها الجيوبوليتيكية.

حتى الاتراك لم يعد يتحملهم منظرو «الشرق الأوسط الكبير» كأتراك، بقدر ما يريدونهم حجرا اضافيا ملحقا في مشروع «الأطلسي الموسع» الذي يحاول «رسول الرب» في «محور الخير» الأميركي أن يفرضه كحقيقة سياسية دامغة على الاتحاد الأوروبي القديم!

لذلك، فإنه من السذاجة بمكان أن ينظر إلى حكومة قرضاي أفغانستان على أنها حكومة وطنية أفغانية كخطوة أولى على طريق استغلال أفغانستان الناجز من الأطلسي والأميركيين، تماما كما هو من السذاجة بمكان النظر إلى حكومة علاوي (قرضاي العراق) بالنظرة نفسها، وتسلية النفس مرة بكون قرضاي «يمثل» البشتون وهم أكثرية الأفغان ومرة بكون علاوي «يمثل» الشيعة وهم أكثرية العراقيين.

فما فائدة ان يكون الحاكم منتميا من حيث الظاهر إلى هذه الملة أو تلك من ملل الأكثرية وهو لا يستطيع توفير الأمن والامان والرزق اليومي لتلك الملة ولا حتى توفير الأمن لبيته الذي يريد أن يخلد للراحة فيه ولو لبضع ساعات الا مصفحا بالأطلسي والأميركيين.

عنصران فقط هما المهمان وهما المحوران اللذان تدور حولهما استراتيجيتا «الأوسط الكبير» و«الأطلسي الموسع» وهما الطاقة المجانية للغرب وأمن «إسرائيل» التي يجب أن تمحى كل الهويات المحلية من أجل عيونها «الشرق أوسطية»!

ألم تسمعوا محمد البرادعي وهو يعلن من تل أبيب بعد أن علق ومن على علو شاهق فوق أكثر من 200 قنبلة نووية وهيدروجينية «تفهمه للقلق الإسرائيلي» تجاه برنامج إيران النووي وأن «إسرائيل» لا يمكن أن تخفض من مستوى توقعاتها الأمنية «إلا بعد أن تصبح دولة شرق أوسطية معترفا بها».

إنها وقاحة ما بعدها وقاحة، أليس كذلك؟ تماما كما هي وقاحة قرضاي العراق وهو «يطالب» إيران وسورية بإعادة النظر في مواقفهما تجاه وجود القوات المتعددة الجنسية في العراق وضرورة دعمهما لبرنامج الطوارئ الذي أعلنه، أليس كذلك؟

مع كل احترامنا وتقديرنا واشادتنا بكفاحات الكرد التاريخية، وكذلك كفاحات كل الاقوام والملل والنحل التي نالت حظها من الاضطهاد أو القمع على يد الحكام المستبدين في المنطقة، فإننا نقولها لهم وبصراحة تامة: إنكم تخطئون تماما، بل تكادون ترتكبون شكلا من اشكال الخيانة العظمى بحق اقوامكم ومللكم ونحلكم اذا كنتم تتصورون أن «مصالحكم» الفئوية الآن تتقاطع ايجابا مع مصالح الأميركي أو الأطلسي، وبالتالي فإن الفرصة سانحة اليوم وليس غدا لنيل بعض حقوقكم المصادرة من جانب حكام الدول المركزية.

والسبب بسيط جدا، ذلك لأن الأميركي أو الأطلسي القادم بكل زخمه إلى المنطقة وهو يسفك من دم شعبه، كما من دم شعوب المنطقة من دون حساب أو كتاب، إنما يعمل ذلك لأنه لم يعد يطمئن لأحد في بلادنا الكبيرة حتى حلفائه السابقين واقرب المقربين له. وقد قالها بوش بعظمة لسانه أكثر من مرة، انهم يقتلون ويذبحون ويتقدمون بالمشروعات تلو المشروعات دفاعا عن نيويورك وواشنطن حتى لا تتكرر 11 سبتمبر/ أيلول ثانية، ودفاعا عن «إسرائيل» الكيان والمعسكر المنظم للإرهاب وحماية لطرق امدادات الطاقة شبه المجانية لعواصم المترويول فقط لا غير.

لا سعوديين، ولا خليجيين ولا مصريين ولا سوريين ولا عربا، ولا إيرانيين، ولا حتى اتراك يمكن احتمالهم بعد الآن في مقولات العلاقات الدولية في إطار مشروعات الشرق الأوسط الكبير والأطلسي الموسع.

لذلك تراهم يعودون أحيانا إلى الماضي السحيق لنبش مقولات ما قبل الحضارة الإسلامية المشتركة مرة، أو يغوضون عميقا في تشكيلات وانسجة مجتمعاتنا المتنوعة والمتعددة الاعراق والمذاهب والملل مرة أخرى ليقسموا أو يفتتوا ما هو متآلف أ متصالح تحت راية الحضارة الإسلامية قرونا، فقط وفقط من أجل إعادة رسم خريطة المنطقة بما يتناسب وتأمين الطاقة الرخيصة وأمن «إسرائيل» وصناعة هوية مصطنعة للمنطقة اسمها الشرق أوسطية، حتى «يشرعون» فيها وعبرها لمئة عام من العدوان واغتصاب الأرض والحقوق، وأخيرا الإنسان.

نعم، على حكامنا أن ينهضوا من سباتهم الطويل وقبل فوات الاوان ويمنحوا كل ذي حق حقه من أفراد الشعب، بل يعيدوا حقوق المواطن إلى اصحابها في الواقع وبالتعبير الدقيق، تماما كما يجب على كل مواطن شريف أن يكافح اليوم من أجل الدفاع عن حقوق المشاركة الشعبية المنسية أو المهمشة هنا وهناك، لكن ذلك يجب ألا ينسينا ولا للحظة واحدة أن القادمين الينا من وراء البحار غزوا واحتلالا وشركات متعددة الجنسية والأهداف، إنما يبحثون عن مصالحهم المباشرة التي تصطدم في غالبيتها مع مصالحنا المباشرة بالبرهان والدليل اليومي الملموس. والمهم هنا البرهان والدليل وليس الكلام المعسول. وإن هؤلاء القادمين من وراء البحار ليسوا جمعيات خيرية توزع الصدقات والمعونات الخاصة بحقوق الإنسان الكردي أو الشيعي أو السني أو التركي أو الإيراني أو العربي أو الهندي أو الصيني. إنهم يريدون قهر هذا الآسيوي الشرقي «المتخلف» ليجعلوه اكثر تخلفا وتبعية لهم. لذلك ينبغي علينا ألا نخدع بهم، وألا نمارس حماقة «المجابهة» الدائمة لهم من دون حساب أو كتاب، بل نبحث عن بدائل تضامنية ووحدوية.

رئيس منتدى الحوار العربي - الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً