العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ

دور «العراق الجديد»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة الوضع العراقي بعد نحو أسبوعين من خديعة «الانسحاب» أو إعادة انتشار قوات الاحتلال؟ حتى الآن يمكن القول إن العراق لايزال تحت الوصاية الأميركية. فالقرار شكليا انتقل إلى حكومة معينة تأتمر باوامر السفير الأميركي المعروف بتجاربه الكريهة في دول أميركا الوسطى في ثمانينات القرن الماضي.

الاحتلال لم يسحب قواته بل أعاد تنظيم صفوفه مستفيدا من الفوضى الأمنية التي أسهم في اطلاقها طوال 18 شهرا على الحرب لتبرير تدخله السياسي في شئون بلد تعرض لغزو أجنبي حطم دولته وبعثرها. فواشنطن خدعت العالم والرأي العام الأميركي قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية بكذبة «الانسحاب» أو إعادة الانتشار لتحكم العراق من وراء الستار وعبر استخدام وكلاء لسياستها الكبرى التي لاتزال تهدد بها دول المنطقة وتحديدا تلك المجاورة لحدود بلاد الرافدين.

قراءة سريعة لتصريحات رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي لشبكة «اي. بي. سي» الأميركية الأسبوع الماضي تكشف جوانب كثيرة من خطورة الوضع الجديد في بغداد. وإذا عطفنا تصريحات وزير الخارجية هوشيار زيباري إلى صحيفة «الصنداي تلغراف» البريطانية في الأسبوع نفسه على تصريحات رئيس حكومته تتضح صورة الموقف الخطير الذي بات يمثله العراق في ظل الوصاية الأميركية.

رئيس الوزراء المعين ذهب في تصريحاته إلى تحميل دول الجوار وتحديدا سورية وإيران مسئولية عدم استقرار العراق، واتهمهما بعدم قيامهما بدور كاف لحماية الحدود العراقية. فاياد علاوي قلب بكل بساطة النتيجة إلى سبب. ورأيه ان الاحتلال لا يتحمل مسئولية زعزعة استقرار العراق وزرع الفوضى في كيانه لتبرير وجوده واستمراره إلى اطول فترة ممكنة. ورأيه أيضا ان دول الجوار بما فيها السعودية وتركيا والأردن تتحمل مسئولية ما فعله الاحتلال في وقت تكشف الصحف الأميركية والبريطانية يوميا عن المزيد من الفضائح والدوافع الحقيقية للاحتلال. رئيس الحكومة المعين يريد من خلال قلب الحقائق تبرير الوجود الأميركي الذي بات في موقع عسكري يهدد أمن المنطقة ويبتزها سياسيا لكسب المزيد من النقاط لمصلحة استراتيجية ارييل شارون الخاصة في دائرة ما يسمى «الشرق الأوسط».

وإذا عطفنا تصريحات وزير الخارجية على ما قاله علاوي توضح تلك التصريحات ما نسي رئيس الحكومة قوله. فزيباري قال بوضوح ما حاول علاوي الاشارة اليه. فهو مثلا أشار إلى دور خفي لسورية وإيران و«دول مجاورة» في دعم المقاومة العراقية في وقت أكدت دمشق مرارا انها لا تسمع سوى الاتهامات ولم تقدم إليها وثيقة واحدة تدين دورها في تغذية المقاومة أو تسهيل تسلل أفرادها من حدودها.

خطورة كلمات زيباري ليست في الاتهام، بل في تهديده سورية وإيران بعمليات عسكرية ضدها حين أشار إلى احتمال استخدام الحكومة المعينة القوات الأميركية الموجودة في العراق لشن هجمات ضدها.

هذه الكلمات فعلا مخيفة إذا نفذت على الأرض وترجمت عسكريا، لأن هذا هو بالضبط ما أرادت واشنطن تحقيقه حين أعلنت حربها على العراق معتبرة انها مجرد حلقه في سلسلة طويلة من الحروب.

وزير الخارجية المعين يقوم ببساطة بتسهيل مهمة الرئيس الأميركي جورج بوش الذي يعاني من مشكلات اقتصادية ويرى ان مستقبله السياسي بات على شفير هاوية السقوط في حال احسن خصمه استخدام تلك الثغرات التي تولدت من استراتيجية «الحروب الدائمة» وتكتيكات «الضربات الاستباقية».

بوش وجد نفسه محاصرا من الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وأخيرا من الناخب الأميركي فاحجم عن تنفيذ مخططه التدميري بعد صعود مقاومة غير محسوبة في بلاد الرافدين. بوش الآن يريد الاستمرار في سياسة كسر ما يسميه عقبات موضوعية عطلت هجومه ولكن من طريق الطلب أو بناء على رغبة عراقية.

كلام علاوي - زيباري جاء في وقت سيئ وهو يحاول إثارة زوابع عن وجود 10 آلاف جاسوس أجنبي تسللوا إلى البلاد منذ نشوب الحرب واتهام دول الجوار بزعزعة استقرار العراق لتبرير استخدام القوات الأميركية لزعزعة أمن المنطقة وتهديد دول الجوار بذريعة مكافحة شبكات الإرهاب (القاعدة) اما من طريق القوة العسكرية أو الابتزاز السياسي. فهل هذا هو دور «العراق الجديد» في المنطقة؟

المسألة مقلوبة. فدول الجوار لا تهدد أمن العراق، بل إن القوات الأميركية من خلال التوكيل السياسي هي التي تهدد أمن المنطقة وتثير المخاوف في المستقبل. وهذا هو «الشر المطلق» الذي زرعه الاحتلال في بلاد الرافدين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً