العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ

هل تفلح الحرب على «الإرهاب» في القضاء على «القاعدة»؟

حميدة القيسي comments [at] alwasatnews.com

عندما نذكر الإرهاب تنصرف أذهاننا فورا إلى حوادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الشهيرة، حين تعرضت الولايات المتحدة لهجمات لم تواجه مثيلا لها، لكن الحقيقة أن الإرهاب كان موجودا قبل ذلك بكثير تحت تلك التسمية وتسميات أخرى. بيد أن الفارق في ضربة سبتمبر أنها جعلت من مطلب القضاء على الإرهاب حربا دولية، بقيادة واشنطن والرئيس جورج بوش الذي يقود حربه على الإرهاب مع الراغبين.

ولم تكن الحرب إلا طريقا يعبر فيه الرئيس بوش تحقيقا لغاياته وأهدافه العليا بإسقاط أنظمة وتصفية الحسابات مع الآخرين، بدءا بطالبان في أفغانستان ثم الحرب ضد العراق. وبتلك الحربين أصبحت إيران بين فكي كماشة كما يقولون، كما أن أنظمة أخرى بدأت تذعن للمطالب الأميركية وتتخلى عن أسلحتها وبرامجها النووية، كما فعلت ليبيا التي دفعت المليارات لتحسين علاقاتها بالبيت الأبيض كي تخرج من قائمة المغضوب عليهم السوداء.

وليس القاسم المشترك بين كل ذرائع الحرب على الإرهاب إلا تنظيم «القاعدة» والعلاقة به. فتنظيم «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن الطليق إلى يومنا هو المسئول كما يقال عن هجمات سبتمبر. وكل التفجيرات التي حدثت في العالم تنسب إلى «القاعدة»، سواء في «الشرق الأوسط» أو جنوب وشرق آسيا أو إفريقيا أو أميركا وأوروبا. أما العراق فقيل إنه كان على علاقة بتنظيم «القاعدة»، وهي إحدى الذرائع التي ساقها بوش لحربه ضد بلاد الرافدين. وعلى رغم أن تقارير الكونغرس واللجان الأميركية المخصصة لذلك نفت تلك العلاقة وفندتها فإن الرئيس الأميركي ونائبه مازالا يصران على مثل تلك العلاقة. ويرجح أنها غير موجودة، ولاسيما أن الخلاف عقائدي بين الطرفين. صحيح... وجود أفكار مشتركة في بعض النواحي كمحاربة بعض الأطراف الاسلامية في الساحة على سبيل المثال لا الحصر، إلا أن «القاعدة» تكفر الجميع بمن فيهم النظام العراقي السابق، وليس من المتوقع أن التنظيم قَبِل بالعلاقة لتحقيق الغايات المشتركة، فكلنا يدرك أن «القاعدة» ترفض العيش مع الجميع على الأغلب.

ومن جانب آخر لا يمكن أن نتوقع وقوف «القاعدة» خلف كل الهجمات التي تحدث في طول المعمورة وعرضها، حتى لو بارك التنظيم نفسه تلك العمليات وتبناها، لأننا ينبغي أن نركز هنا في الكلمات. فالتنظيم يبارك ويتبنى لاتفاق ذلك مع أغراضه السياسية، لكن هل هو من خطط ونفذ؟ والتسليم بمسئولية «القاعدة» يعني عدم وجود تفجيرات من أطراف مسلحة أخرى أكثر قوة وقدرة من «القاعدة» وسابقة على وجوده. زيادة على ذلك، فإن بعض الدول غير مستقرة داخليا، وأخرى لها مشكلات مع دول الجوار، وقد نُفذت بتلك الدول الكثير من الهجمات قبل وجود «القاعدة» كتنظيم له قيادة.

والأكثر من كل هذا أن العمليات في دولة كالعراق تنسب كلها لأبي مصعب الزرقاوي بحسب التفسير الأميركي، وإن حدثت في آنٍ واحد ومناطق متفرقة! وهذا غير معقول البتة، فالزرقاوي ليس «سوبرمان»، كما قال المحلل السياسي العراقي سمير عبيد. وهل تتفق قدرات «القاعدة» والزرقاوي مع كل ذلك فيفجر في العراق ثم يتجه إلى إسبانيا وبعدها إلى الأردن وتُحبط محاولاته هناك ثم يعود للعراق؟

إن الزرقاوي لا يملك هو ولا «القاعدة» قدرات خارقة للعادة ولا قوة جبارة تمكنهم من الدوران حول الأرض وتفجير ما يشاءون منها، على رغم التعزيزات الأمنية وتحذيرات المخابرات المركزية الاميركية. ولم تتوانَ الكثير من الدول في إشهار السلاح بوجه «القاعدة» ورجالها، كما هو الحال في السعودية وغيرها من الدول الحليفة لواشنطن. بيد أن كل ذلك لم يفلح في القضاء على «القاعدة». ويرجح أن العلة في ذلك تعود إلى طبيعة تلك الحرب أولا، فهي ليست حربا بين دول أو دولة ومنظمة منشقة فحسب بل هي بين دول وأفكار ومعتقدات يتبناها تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات، ومن الصعوبة بمكان القضاء على الأفكار أو تغييرها حتى بقوة السلاح فهذا يجعل من هؤلاء أكثر تمسكا بمعتقداتهم ومطالبهم. والحل الأمثل للمرض هو النظر إلى سببه، وعليه يجب النظر إلى أسباب ظاهرة «القاعدة» وتفشي أفكارها بين الكثير من الناس، وخصوصا إذا قدّمت «القاعدة» مطالبها في صورة إخراج المشركين من جزيرة العرب، فهل ستوقف هجماتها إن خرجوا؟ ربما لا، ففلسطين لاتزال محتلة وهي ذريعة أكثر قوة وانسجاما مع رغبات الشارع العربي، وكذلك العراق والأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة.

* كاتبة بحرينية

العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً