تندرج زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران في إطار التحرك السوري في المجالين العربي والدولي الهادف إلى شرح موقف سورية من التطورات الإقليمية والدولية، ومحاولة كسب التأييد لموقفها وخصوصا في مواجهة العقوبات الأميركية. وجاءت في إطار التحرك السوري زيارات الأسد لكل من تونس، ثم إسبانيا، وبعدها للكويت والصين، قبل أن يقوم بزيارته لإيران.
غير أن لزيارة الرئيس الأسد لطهران هدفا آخر، يتصل في أساسه بالعلاقات التي تربط كلا من دمشق وطهران من عقدين، منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، والتي أرّخت إلى قيام علاقات سياسية مميزة بين البلدين، كان بين تعبيراتها دعم إيراني غير محدود لسورية، لم يقتصر على مساندة مواقفها داخليا وخارجيا، بل امتد إلى تقديم مساعدات اقتصادية، كان الأهم فيها شحنات النفط الإيراني لسورية، وكانت تواجه مشكلات سياسية - اقتصادية مزدوجة طوال عقد الثمانينات حتى منتصف عقد التسعينات.
ومقابل التقدمات الإيرانية لسورية، وقفت الأخيرة بقوة إلى جانب إيران في مرحلة الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات، ثم تشاركت معها في دعم الموقف اللبناني ضد «إسرائيل» وتأييد نضال حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي لتحرير جنوب لبنان. وتشارك البلدان في دعم نضال الفلسطينيين في مواجهة سياسة «إسرائيل»، كما تشاركا مع تركيا في موقف موحد إزاء مستقبل العراق ولاسيما وحدة أراضيه ومنع قيام كيان كردي في المنطقة انطلاقا من كردستان العراق.
ولأن العلاقات السورية - الإيرانية على هذا المستوى من التميز فقد بدا من الطبيعي، أن تكون طهران في قائمة الدول التي يزورها الرئيس الأسد في هذه المرحلة، وهي الزيارة الثالثة التي يقوم بها لإيران منذ توليه السلطة قبل أربع سنوات، وضاعفت التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط ولاسيما الحرب الاميركية على العراق في العام الماضي وما ترتب عليها من تداعيات، والتطورات التي تشهدها الاراضي الفلسطينية المحتلة من دواعي زيارة الأسد لطهران وخصوصا أن اختلافات في المواقف بين إيران وسورية ظهرت في الفترة الأخيرة، كان من أبرزها اختلاف سوري - إيراني بشأن الموقف من نظام صدام حسين قبيل الحرب على العراق، وكانت العلاقات السورية - العراقية على أعلى مستوى لها، وهو أمر لم يكن يوافق طهران، ثم جاء الاختلاف السوري - الإيراني بشأن الموقف من مجلس الحكم في العراق وسلطته المنصبين من سلطات الاحتلال، إذ اعترفت طهران بهما بخلاف الموقف السوري.
والاختلافات في المواقف السورية - الإيرانية، لم تؤدِ إلى ترديات في العلاقات السورية - الإيرانية، بل إن المسئولين السوريين والإيرانيين، كانوا ينفون باستمرار وجود خلافات بين البلدين في حرص شديد على استمرار العلاقات الاستراتيجية القائمة بينهما. وتعزز النفي السوري - الإيراني لتردي العلاقات في لقاءات سورية - إيرانية مستمرة في دمشق وطهران وفي كل مناسبة تجمع مسئولين من البلدين في بلد ثالث.
وتكثف المعطيات المحيطة طبيعة المهمات المترتبة على زيارة الأسد لطهران، والتي في خلاصاتها تأكيد عمق العلاقات السورية - الإيرانية، والتخفيف - أو نفي - أثر اختلاف بعض المواقف السياسية على تلك العلاقات، والأمر الثالث والأهم، تأكيد التقاربات السياسية في الموقف من القضايا الساخنة في المنطقة، وأكدت مجريات ونتائج الزيارة تحقيق تقدم في إطار المهمات. فاجتمع الرئيس الأسد مع كبار المسئولين الإيرانيين وفي مقدمتهم الرئيس محمد خاتمي ووزير خارجيته، كما اجتمع مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، والرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني وأحد كبار المرشحين لرئاسة الجمهورية الإسلامية، وبحث في لقاءاته معهم جوانب مختلفة من علاقات سورية وإيران، إضافة إلى قضايا اقليمية ودولية تهم البلدين وخصوصا الوضع في العراق.
وركزت مباحثات الرئيس الأسد مع الرئيس خاتمي على الموضوعات الإقليمية التي تهم البلدين وفي المقدمة الموضوع العراقي وما يحيط به من تفاصيل، إضافة إلى الموضوع الفلسطيني والتسوية في المنطقة. وأكدت خلاصة مباحثات الأسد مع الرئيس خاتمي اتفاق الجانبين على «وحدة واستقرار العراق وسلامة أراضيه وعودة السيادة الكاملة إليه» ومطالبتهما «إنهاء الاحتلال» و«تولي حكومة تمثيلية شئونه»، و«تعاون المجتمع الدولي وبشكل خاص الدول المجاورة للعراق» من أجل تحقيق الاستقرار فيه، واعتبر الجانبان أن انعدام الأمن والاستقرار في العراق «يضر بالمنطقة بأكملها». وأضافت المباحثات السورية - الإيرانية إلى أعمالها موضوع الوجود الإسرائيلي في شمالي العراق الذي ظهرت مؤشرات خطيرة فيه خلال الأيام القليلة الماضية، ورأى الجانبان أنه «يشكل تهديدا خطيرا لأمن إيران وسورية»، كما بحثت عملية السلام في المنطقة في ضوء الوقائع الجارية في فلسطين، كان من نتيجتها تأكيد الجانبين «وقوفهما إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد الممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية».
خلاصة القول في زيارة الأسد لإيران، إنها أعادت مجددا تأكيد قوة العلاقات السياسية بين البلدين، ورغبتهما في التشاور بشأن الأوضاع القائمة واحتمالاتها، وكلاهما بدا ضروريا في ضوء استمرار الاتهامات والضغوطات الأميركية على البلدين، والتي توّجت حديثا بتهديدات أطلقها وزير خارجية العراق هوشيار زيباري - خلال وقت الزيارة - ضد الدول المجاورة التي اتهمها بدعم الأعمال الإرهابية في العراق، والتي قالت مصادر عراقية إنها موجهة خصوصا إلى سورية وإيران، وكلتاهما أعلنتا مرارا أنهما لا تدعمان «الأعمال الإرهابية» في العراق
العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ