صباح أمس السبت كنا على موعدٍ لأول مرةٍ في تاريخ البحرين، مع مشروع وزارة الكهرباء البديع والراقي والمتقدم جدا، بتطبيق «البرمجة الالكترونية» لقطع التيار الكهربائي عن الناس! وفي التلفزيون «صبّحنا» الإعلان الذي يبشّر الجماهير بقطع الكهرباء عن 13 منطقة، من الرفاع الشرقي إلى سار. وما عليك عندما ينقطع التيار إلا أن تتذكر بيت عمرو بن كلثوم التغلبي على ضوء الشموع:
«الا هبي بصحنك فاصبحينا... ولا تبقي خمور الاندرينا».
أزمة لا تدري هل هي مستطيلة أم مربعة أم مدوّرة!
وعندما تقرأ لائحة الدفاع عن أوجه القصور أو التقصير في هذه الوزارة، تجد نفسك في مواجهة آية قرآنية، وكأننا في جلسة وعظ ديني موجّه للصحافيين المشاغبين عسى الله أن يهديهم من الضلال!
وأمام عملية الاستشهاد بالآيات الكريمة، عليكم التدبّر فيها إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، خصوصا إذا خرجت من فم وزير! والآية «المنتقاة» تتحدث عمّا ينفع الناس، أما الزبد فيتبخر في الهواء! ولكن وزارة الكهرباء هذه الأيام، وخصوصا هذا العام، مع احترامنا للكفاءات الوطينة العاملة وبالذات المصابين في انفجار المحطات، لم يسجّل لها غير نجاحها في البرمجة «الالكترونية» لقطع التيار عن الناس! فإذا كان هذا هو ما ينفع الناس فلاندري ما الذي يضرّهم إذن!
والداهية أن «بلية يوم السبت» كانت كالوباء الذي لم يسلم منه أحد! ولا تدري من هي الفئة الأكثر تضرّرا من هذه «البرمجة الالكترونية»!
لنبدأ بأول الفئات المستفيدة من هذه «البرمجة» الكريمة: الأطفال الرضّع، فما كادت تمضي دقيقة واحدة على انقطاع التيار الكهربائي حتى ارتفعت أصوات العويل، فلا تسمع إلا نائحة أو نائحا في كل بيت يضم أحد الأطفال! وكان أكثر هؤلاء انتفاعا «المقمّطون»، الذين كانوا ساعتها بحاجة إلى تبديل حفاظات، والأمهات لم يكنّ يبصرن طريقهن إلى الحمّامات، وسط الظلام الدامس في تلك العلب الصغيرة التي يسمونها شققا ويعيش فيها غالبية المواطنين.
الموظفون كانوا على موعدٍ مع ما ينفعهم أيضا! فعندما استيقظوا عند الخامسة وخمس دقائق كانت أبدانهم تقرصهم، وأرادوا أن يستحموا ولكن... الحمد لله لم يكن الفصل شتاء، وإلاّ كانوا سيتجمدون من الماء البارد، ولكن الحمد لله أن الفصل فصل صيف ولا يحتاج إلى سخّان!.
على أن من أكثر موظفي الدولة عناء يوم أمس موظفو السلك العسكري: الشرطة والمرور والضباط والأمن العام وحتى قوة الدفاع، الذين اعتادوا على حلاقة أذقانهم بالموس أو الآلة الكهربائية صباحا قبل ذهابهم إلى العمل. بعضهم اضطر للحلاقة في الظلام فلم تخرج «لحيته» بحسب المعايير المطلوبة، وبعضهم شوهدت عدة خطوط على ذقنه مازالت ندية حمراء.
ويكاد لا يقترب من معاناة هؤلاء غير عمال الشركات الكبرى الذين يعملون بنظام النوبات، فالعائدون من نوبة «آخر الليل» لم يكادوا يضعون رؤوسهم على الوسادة ويحلمون بنومة هنيئة مليئة بالأحلام الوردية، إذا بالبرمجة الالكترونية تحوّل أحلامهم الى كوابيس سوداء وحمراء!
طلاّب المدارس هم الآخرون ممن تنعّموا بمنافع «برمجة القطع الالكترونية»، وبالذات الذين اعتادوا على السهر حتى وقت متأخر من الليل لمشاهدة ما يبثه «تلفزيون العائلة العربية» من أفلام مشوقة جدا. هؤلاء لم يمض على نومهم غير ساعة أو ساعتين، حتى انقطع التيار فقطع عليهم حلم النوم اللذيذ، كأن لسان الدين ابن الخطيب يقصدهم حين قال: «لم يكن وصلك إلا حلما... في الكرى أو خلسة المختلس! وعلى طلاب وطالبات المدارس بعد اليوم ان يعيدوا حساباتهم ويبرمجوا ساعاتهم البيولوجية مرة أخرى، لتتوافق مع خطة وزارة الكهرباء الالكترونية الجديدة: سهرٌ في الليل ونومٍ في النهار بعد عودة التيار عند الضحى، ليحصلوا على أقصى «منافع» هذه البرمجة الالكترونية، وإلا ستستمر عطلتهم الصيفية على طريقة «خلسة المختلس»!!
من بين المنتفعين الكثر أصحاب البرادات الصغيرة في الأحياء والأسواق الشعبية، من فرقان المحرق إلى برادات شارع البديع، فهم أيضا حصلوا على نصيبهم، ليس أقله التخلص من بعض المواد الغذائية «الناعمة» التي لا تتحمل انقطاع الكهرباء لفترات بسيطة من الزمن!
يجب أن أذكر في الختام الأمهات والآباء المقعدين في البيت، ومرضى الربو والشعب الهوائية ومرضى الحساسية... و... المنتفعين من القطع المبرمج للكهرباء. أيها الصحافيون الملعونون، هذه كلها من منافع برمجة القطع الالكتروني للتيار الكهربائي... وأنتم عنها غافلون؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ