الحديث عن «حماية المستهلك» مكرر والبعض لا يعيره اهتماما لعدم علمه بالقوة التي يمتلكها المستهلك ويستطيع أن يحولها إلى «سلطة» يفرض من خلالها القيم والجودة ويمنع التلاعب بسلامة الناس. مجتمعاتنا - بصورة عامة - استهلاكية، ولكن وعي المستهلك فيها أقل من أي مكان آخر، على رغم أن كثرة الاستهلاك من المفترض أن تدفع أصحابها إلى فتح عيونهم وآذانهم لتلمس الواقع أكثر مما هو الحال الآن.
المستهلك يأكل ويلبس ويشرب ويتنقل ويشتري الأساسيات والكماليات من الأسواق الرئيسية والفرعية والشعبية والمجمعات التجارية ومن الشارع والمدرسة والجامعة ويرتاد المقاهي والمطاعم... إلخ. ولكن من يعلم بما يتم استهلاكه؟ وفي فترة الصيف تزداد أخبار الناس عن أكل تسمم مستهلكه بسبب رداءته وهناك ألعاب الأطفال التي بالإمكان أن تضر بالطفل بدلا من تسليته.
المستهلك يحتاج إلى حماية رسمية وأهلية ويحتاج إلى وعي متواصل يمكِّنه من تفحص الأمور والإقبال على الشراء أو التوقف عن ذلك أو رفع الشكوى ضد المصدر. وعلى رغم أن لدينا إدارة حماية المستهلك التابعة لوزارة التجارة، ولدينا جمعية حماية المستهلك فإن البحرين تعتبر من أقل البلدان نشاطا في مجال حماية المستهلك.
في أوروبا، مثلا، المنتجات يجب أن تحمل إشارة () ومعناها أن السلعة تم إنتاجها بحسب مواصفات وضوابط السلامة المطلوبة من الجهات المعنية. وهناك مواصفات لمختلف السلع من لعب الأطفال إلى المعدات المنزلية والمكنات الصناعية بأنواعها. وإذا لم تحمل هذه السلع الإشارة المطلوبة فإن عرضها يمنع في السوق ويمنع تداولها ويعاقب من يطرحها على أي طرف آخر بالغرامة أو السجن إذا تسبب ذلك في قتل نفس أو تخريب ممتلكات. وفي كل بلد أوروبي توجد مؤسسات بعضها رسمي وأكثرها تمت خصخصته، وهي تقوم بالتفتيش على مختلف المنتجات.
كما أنه في كل بلد توجد هيئة عليا للصحة والسلامة، والويل إذا قررت هذه الهيئة اتخاذ إجراء ضد أحد بتهمة الإخلال بالضوابط المطلوبة لحماية الناس والممتلكات. وهناك مقاولون يتم سحب رخص عملهم لأن العمال لديهم يتم تعريضهم لظروف غير صحية وهناك من يغلق مصنعه أو يمنع من ممارسة العمل التجاري لأنه يستورد ما يضر المستهلك أو المصلحة العامة.
المستهلكون أنواع كثيرة، وهناك كثير من المنتجات سليمة، ولكنها من دون قيم. مثلا، هناك حلويات الكاكاو التي يستخدم أطفال في إنتاجها، وهناك مواد تجميل يتم تجريبها على دول فقيرة، وهناك منتجات مصنوعة من مواد نباتية أو بحرية أو حيوانية مهددة بالانقراض، ولذلك فإن الجلوس على كرسي مصنوع من شجرة ثمينة - مثلا - يعتبره الناشطون في هذا المجال جريمة ضد الطبيعة التي من دونها لا نستطيع أن نعيش حياة كريمة. المستهلكون في كثير من البلدان يقاطعون بعض المنتجات وبعض المواد وبعض الشركات، وهم من خلال ذلك يثبتون أن المستهلك يمتلك قوة يخافها الطماعون والغشاشون وعديمو القيم. ما نحتاجه هو حركة وعي للمستهلك تحوله إلى قوة يعتد بها، وما نحتاجه هو نظام رسمي مماثل لما هو موجود في أوروبا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ