حسنا، لنرى ماذا أثمر جدل طويل بشأن «البطالة» وإيجاد وظائف لآلاف الداخلين سنويا إلى سوق العمل. لم نكد نتخلص من الرقم السحري القديم للبطالة، إذ كان يقال لنا على مدى سنوات إن نسبتها لا تزيد على 2 في المئة من مجموع القوى العاملة، حتى أصبحنا وسط الصدمة: 14 إلى 15 في المئة.
وعند طرح المكرمة الملكية للعاطلين، قيل إن الأرقام تضخمت لأن ثمة من أراد الحصول على المساعدات، ربات بيوت، موظفين وطلاب. لكن هذا كله لا يهم لأنه طالما تعلق الأمر بالناس، فإنهم لا يرون من مشكلة البطالة سوى «الأجانب». هذا التبسيط يمكن فهمه لأن الناس ليسوا هم من يمتلك الحلول المعقدة والمركبة أو تلك التي تحتاج إلى تخطيط ورؤية بعيدة.
أما المسئولون فقد برهنوا غير مرة على نوع استجابتهم السريعة: يشكو الناس من انتشار ظاهرة بيع التأشيرات (الفري فيزا) فيبادرون إلى حملات بوليسية يعتقلون فيها العمال والخادمات ويتركون صاحب الفيزا البحريني الذي استصدرها خلافا للقانون ولا نعرف تاليا إلى أين وصل الخيط: كيف بيعت التأشيرة ومن باعها؟
في بداية الثمانينات، طرحوا مشروع العشرة آلاف متدرب وتم نعي المشروع بعد حين. فالأموال كانت وفيرة وكان الناس لا يشكون كثيرا بل شاع لدينا جدل يطلب من النساء أن يجلسن في بيوتهن. لكن عندما توالى انخفاض أسعار النفط، أظهر الاقتصاد تأثيره فابتلع هؤلاء ألسنتهم لأن راتبا واحدا لا يكفي لإعالة أسرة.
ما الجديد اليوم؟ المقاربة نفسها، الأجانب هم السبب، تسمعها من الناس والنقابيين والناشطين وتعليقات الصحافيين والكتّاب، الكل مأخوذ بالأجانب والحكومة تظهر الاستجابة نفسها. تزايد الاهتمام بالتدريب وثمة مسعى نحو الكفاءة، هذا شيء جيد. أطلق البرنامج الوطني للتدريب وزادت مؤسسات التدريب، المسئولون المعنيون يتحدثون دوما عن قطاعات بعينها يمكن أن يحل فيها البحرينيون مكان الأجانب. لكن هذا كله لا يعطينا أي مؤشر أو انطباع أو احساس بأن مكافحة البطالة تملك برنامجا على المستوى الوطني. فالبرامج والاحلال في قطاعات معينة مازالت كلها لا ترقى إلى مستوى خطة وطنية بل أقرب إلى «التدابير». السبب واضح، فهي تقوم على تشخيص وحيد: «الأجانب» و«الإحلال».
هذا الإلحاح في أوساط الجمهور على ربط البطالة بالأجانب، أثمر تصاعدا في نزعات الكراهية على نحو بات يذكرنا بأطروحات النازيين الجدد في أوروبا وبأطروحات جان ماري لوبن في فرنسا، فبحسب هؤلاء الجواب بسيط: الأجانب هم المسئولون عن أزمات أوروبا الاقتصادية. يتزايد الإلحاح في المقابل على القطاع الخاص لكي يلعب دورا، لكن القطاع الخاص لايزال يؤكد أن آراءه غير مسموعة وأن مشاركته لاتزال تعترضها عوائق.
الغائب في كل هذا هو آلية السوق التي لم تنطلق. فالوظائف يخلقها نمو اقتصادي متواتر متعدد الآفاق قائم على تخطيط بعيد المدى والأهم مشاركة فعالة للقطاع الخاص. السوق التي تملك دينامياتها الخاصة مازالت غائبة والمقاربات كلها لا تقترب من هذه النقطة. وإذا كانت الحكومة لا تفعل سوى أن تبادل الجمهور سخطه بشأن الأجانب بسياسات الإحلال ولعب دور وكالة التوظيف، فكيف يمكن تصور سوق العمل لدينا بعد سنوات قليلة. هل ستظل وزارة العمل ترسل المرشحين إلى الشركات فيما السوق لاتزال تفتقد آليات النمو؟
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ