العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ

الدستور... والرئاسة اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

معركة الرئاسة في لبنان التي بدأت تستعد لها الأطراف المحلية في مطلع الشهر الجاري تتطلب قراءة باردة في بلد عُرف عنه كثرة رؤوسه الحامية. فالرئاسة في لبنان تمتلك خصوصية تشبه إلى حد بعيد واقع البلد الذي يتألف من مجموعات من الطوائف والمذاهب الممتدة في المنطقة العربية وخارجها. وأهمية هذه التجربة في خصوصيتها التي يصعب أن نجد شبيها لها وكذلك يصعب تعميمها كما تحاول بعض الاتجاهات السياسية أن تفعله في العراق.

التركيبة اللبنانية خاصة جدا، ولأنها خاصة من الخطأ التلاعب في قواعدها الدستورية والعرفية حتى لا تتعرض للانهيار. وأساس تلك التركيبة يقوم منذ ولادة «دولة لبنان الكبير» في سبتمبر/ أيلول 1920 على توازن زئبقي يتغير باستمرار من دون أن تتغير قواعد اللعبة. فالطوائف في لبنان تتبادل المواقع وتتبدل مواقفها السياسية، وتتغير كثافتها السكانية ويمتد جمهورها ويتقلص ويغترب اللبناني ويعود أو لا يعود... وتبقى الحصص موزعة كما كان عليه الحال يوم تأسيس الدولة في 1920.

هذا الثبات حمل في أحشائه سلبيات كثيرة عرضت التجربة دائما للاهتزاز ومنعتها من التطور وجعلتها مع الأيام مجرد خاصية لبنانية من الخطأ تصديرها أو تعديلها من الخارج. وبسبب هذه الخصوصية اكتسبت التجربة خبرة داخلية في التعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية وجعلت من لبنان دولة مانعة وممانعة وأحيانا من النماذج الجاذبة للكثير من دول المنطقة. ولكن الجاذبية التي تغري الناظر إليها من الخارج لها جوانب صلبة/ رخوة لا يعرفها إلا الناظر إليها من الداخل. فلبنان سهل (رخو) وممتنع (صعب) في الآن. وبسبب هذا الازدواج تورط الكثير في تجربته. فهناك من دخل ولم يعرف كيف يخرج وهناك من يحاول الدخول وهناك من تورط وخرج بسرعة بعد هزيمة قاسية. فالولايات المتحدة في أيام رونالد ريغان اعتبرت لبنان من الدول السهلة التي يمكن ابتلاعها من دون جهد، ولكن إدارة البيت الأبيض قررت الخروج بسرعة بعد تلقي ضربات عسكرية كلفت واشنطن مئات القتلى. كذلك «إسرائيل» دخلت لبنان في أوج اندلاع الحرب الأهلية وقبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية ظنا منها أن تلك الفترة تشكل فرصة ذهبية لن تتكرر وكانت النتيجة انهيار الاستراتيجية السياسية عقب انهيار مبنى الكتائب في الأشرفية على اجتماع يعقده الرئيس المنتخب آنذاك بشير الجميل.

هذه الأمثلة تشير إلى ضرورة حماية التجربة اللبنانية من الانهيار الدستوري لأن مثل هذه الحماية مهمة عربية قبل أن تكون لبنانية. فلبنان هو نقطة لقاء تجتمع فيها طوائف ومذاهب ممتدة وبالتالي فهو يشكل تلك المرآة التي تعكس التوازنات العربية وتعطي فكرة حقيقية عن المشاعر العربية من دون افتعال أو تدخل. فمن أراد معرفة المواقف العربية من موضوع احتلال العراق عليه مراقبة السياسة اللبنانية وتصريحات القوى المحلية ليتأكد بأن هذا البلد الصغير ضد الولايات المتحدة. كذلك المواقف من «إسرائيل» وحكومة ارييل شارون، كذلك قضية فلسطين وموضوع عودة الفلسطينيين إلى بلادهم. فلبنان مرآة العرب ومنه يمكن النظر إلى حقيقة المشاعر العربية.

وفي السياق يمكن قراءة معركة الرئاسة في لبنان، فهي في جانب منها جبهة سياسية وفي جانب آخر فهي تشير إلى موازين إقليمية ودولية تتنافس على إنتاج سلطة لا تميل إلى هذه الجهة أو تقاطع تلك الجهة. فالكل يريده ولكن ليس «الكل» يعرف كيف يتعامل مع خصوصياته التي تمتلك مداخل كثيرة وهي في معظمها متحركة وغير ثابتة.

إلا أن كل تلك المتغيرات قامت تقليديا على ثوابت مشتركة وهي احترام اللعبة الدستورية. وهذه اللعبة تحولت إلى قواعد عمل تنتج مجموعة من الحرف (المهن) السياسية التي تشبه في الشكل (لا المضمون) الكثير من الدول الأوروبية. فأوروبا تخالف القوانين الدولية وكذلك الولايات المتحدة... ولكن كل هذه الدول مضافا إليها ما يسمى بالدول الثمان وغيرها تحاول دائما احترام اللعبة الدستورية وإظهار أفعالها بأنها غير مخالفة للقانون.

احترام اللعبة الدستورية في معركة الرئاسة اللبنانية مسألة مهمة. فالاحترام يعطي صدقية للأفعال حتى لو خالفت القانون كما هو حال منظومة الدول في أوروبا وأميركا الشمالية. والرئاسة في لبنان تمتلك خصوصية تشبه واقع البلد وهي تقوم على لعبة بسيطة ولكنها خطيرة أساسها احترام توقيت الانتخاب والالتزام بمواعيد التسلم والتسليم من دون تأخر... وهذا ما حافظ عليه لبنان منذ تأسيسه حتى في لحظات الدمار والخراب. فالدستور في لبنان كان ولايزال أقوى من الرئاسة، فهو يحميها حتى تحميه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً