العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ

السلفيون والشيعة والتجديديون

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

استشعرت من رد الأخ بسام بوخوة على العمود الذي نشرته بعنوان «السلفية مناهج متعددة» في 4 يوليو/ تموز الحس المرهف للحوار وهو ما يميز ثقافتنا الاسلامية منذ الصدر الأول. فنحن أمة آمنت بالتعددية ومارستها قبل أية أمة أخرى، ودليل ذلك ان أئمة المذاهب كانوا يدرسون على ايدي بعضهم بعضا وانتشار أحاديث نبوية عدة مثل «اختلاف أمتي رحمة» يؤكد ذلك. ومواصلة للحوار أود الإشارة الى حقيقة قد تكون غائبة عن بعضنا، وهي ان ما لدى السنة والشيعة اليوم من أفكار تتحرك على الأرض ترجع أساسا إلى فترة ما بعد سقوط الدولة العباسية في العام 1258م، وهي فترة «النكبة» الكبرى الاولى التي انهزم فيها المسلمون، ونتج عن ذلك ردود افعال وافكار عدة مازالت هي المحرك لافكارنا حاليا. فشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الذي عاش بين 1263 و1328م مازال هو المصدر الملهم للحركات السلفية، وهو الذي اسس للاجتهاد داخل المذهب الحنبلي.

ولد وترعرع ابن تيمية في دمشق وجاء مولده بعد خمس سنوات من تدمير بغداد على يد المغول الذين لم يعترف بهم ابن تيمية حتى عندما اعتنقوا الاسلام في العام 1295م، اذ انه شكك في إسلامهم وأفتى بوجوب الجهاد ضدهم تحت راية المماليك آنذاك. وكان ابن تيمية ينظر الى شرعية الحاكم على أساس قوّته ومحاربته لمن يعادون عقيدة التوحيد.

في هذا الوقت بالذات كان لدى الشيعة العلامة الحلي (توفي في العام 1326م) وكان معاصرا لابن تيمية، وأثر الحلي على الفقه الشيعي (الجعفري) يوازي أثر ابن تيمية على الفقه السني. فبعد ان نجت الحلة من البطش المغولي قام احد علماء الشيعة الكبار وهو «المحقق الحلي» (خال العلامة الحلي، عاش بين 1206 و1277م) بتأسيس إحدى أهم المدارس العلمية الشيعية الكبرى التي وازت مدرسة النجف، ولكنها كانت في تلك الفترة أهم حتى من النجف. صنف المحقق الحلي الكتب الفقهية مثل كتاب «شرائع الاسلام»، وبعده جاء دور ابن اخته «العلامة الحلي» الذي اسس علم الاجتهاد على اساس استنباط الاحكام من الاصول المستمدة من القرآن والسنة، وطوّر أدوات الاجتهاد وهي ذاتها المستخدمة في أكثر المدارس الفقهية الشيعية لهذا اليوم.

«التجديديون» الذين يختلفون قليلا عن فقهاء السلفيين وعن فقهاء الشيعة أيضا نشأت جذورهم في هذه الفترة، وأهم فقيه هو أبواسحق الشاطبي الذي عاش في المغرب وتوفي في العام 1388. وارتبط اسم الشاطبي (وهو من المذهب المالكي) بفكرة «مقاصد الشريعة»، وهي أهم فكرة انطلق منها علماء التجديد، وهي التي اثرت اكثر في الامام محمد عبده ولذلك ما قاله الأخ بوخوة صحيح، لأن جذور السلفية وجذور التجديد اختلطت في عبده.

الشاطبي لم يحصل على النفوذ الذي حصل عليه ابن تيمية لدى السنة أو الحلي لدى الشيعة، ولكن نهجه يعتبر من أهم المناهج، وهو ما حدا بحوزة قم المقدسة (الشيعية) الى إعادة طرح فكرة الشاطبي والفقه المقاصدي خلال السنوات العشر الماضية، وهناك الان تنظير شيعي ينتهج ما قاله الشاطبي.

مقاصد الشريعة التي تحدث عنها الشاطبي تقول ان أحكام الشريعة الاسلامية لها أهداف، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وان الاجتهاد في فهم الاحكام يجب ان ينطلق من هذه المقاصد. هذه الأسس تحتوي على «حق الحياة» و«حق التملك» وهما حقان اساسيان مطروحان في اطروحة حقوق الانسان الحديثة. ولقد قدم الشاطبي «حق الله» (حفظ الدين) على «حق الناس»، لأن علماء المسلمين لايرون فرقا بين الاثنين. وقد حاول المجددون تطوير المقاصد ومن بينهم المفكر الإسلامي ظاهر بن عاشور (توفي في مطلع السبعينات من القرن الماضي) اذ طرح مقصد حماية الفطرة الانسانية وضمان حرية ارادتها وربطه بنهج الشاطبي.

ربما انه آن الأوان لكي نرجع إلى جذور الفقه والاجتهاد لنقارب بينها، فلعلنا نخرج من أزمتنا الفكرية والسياسية الحالية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً