العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ

إلى بريطانيا ذهب سائحا فأصبح معتقلا وبات ممنوعا!

أخذٌ وردٌ بين «الخارجية البحرينية» وسلطات الهجرة

قصة انتهاك لحقوق إنسان أقربُ إلى الخيال. ذهب إلى بريطانيا بقدميه سائحا، فاعْتُقل «تعسفيا»، وأُبْعد «قسريا» عنها - كما اخبرنا - وتم التحقيق معه، وأُخذت بصماته بالإكراه، وحُبس لمدة ثلاثة أيام في «زنزانة انفرادية» في مركز شرطة جنوب ويلز، مع غموض الأسباب، وبعد عودته، ارسل نحو خمس رسائل إلى مكتب السفارة البريطانية في البحرين، وتبنت وزارة الخارجية ملفه، لتقوم بدورها بالاتصال بالسلطات في بريطانيا لمعرفة أسباب «الاعتقال والابعاد» المُبهمة، إلا انها لم تتوصل إلى شيء بعد! كما رفع ملفه إلى منظمة العفو الدولية، واتصل هاتفيا بعضو مجلس اللوردات البريطاني والمدافع عن حقوق الانسان اللورد ايفبري، إلا انه لم يصل إلى «نتيجة»، على حد تعبيره.

إنه المواطن وليد عبدالرحمن الذكير. حكى لـ «الوسط» ما لاقاه في الحبس الانفرادي، وأسلوب التحقيق، والاكراه على أخذ البصمات، ومقابلته للمحامي لمدة دقائق معدودة فقط.

تجاوبت «الخارجية» مع الذكير إثر نشر تفاصيل قضيته، فراسلت بدورها السلطات في بريطانيا، إلا ان الرد «لم يكن مقنعا» على حد تعبير الذكير، ولايزال يُطالبهم باعتذار، وبتعويض معنوي ومادي، ليس حفاظا على حقه «الخاص»، بل حفاظا على «الحق العام» كونها «قضية عامة وليست خاصة».

بدأت قصة الذكير في 22 فبراير/ شباط العام الماضي، عندما قصد بريطانيا بغرض السياحة في مقاطعة ويلز لمدة اسبوعين، وما ان وصل المطار في كاردف حتى تم اخذه من قبل ضابطة الهجرة، إلى غرفة التحقيق، وتم تفتيش حقائبه والتحقيق معه، في مدة قاربت الثلاث ساعات، ورُحِّل بعد ذلك إلى زنزانة انفرادية في جنوب ويلز، قبع فيها لمدة ثلاثة ايام.

وفي 24 من الشهر ذاته، أُخذ إلى المطار مباشرة، ومنعوه من دخول بريطانيا مُجددا... (هكذا أخبرنا).

قال الذكير لـ «الوسط» إن أسلوب التحقيق «مهين»، إذ سألوه أسئلة «تافهة»، ومن ضمن الأسئلة، «هل أنت متزوج؟ هل لك صديقة؟ كم مرة تخرج معها في الأسبوع؟». ولم تُوضح للذكير «أسباب الاعتقال»، الأمر الذي زاد من حيرته، وتوتره، وقد نفى تورطه في «الأنشطة الاسلامية»، إذ إنه بعيد عن هذا التيار، ما يعني صعوبة اتهامه بالانتماء إلى «القاعدة» أو ما شابه ذلك.

عدم ابلاغ الذكير بأسباب اعتقاله يعد تعديا على «المعايير الدولية للمحاكمة العادلة»، إذ تنص المادة (9)، من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه «يجب إبلاغ كل شخص يقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه، ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجَّه إليه».

الغريب انه لم يُسمح للذكير بالاتصال بالسفارة البحرينية في بريطانيا، وهذا من أبسط حقوقه، ولم تتح له الفرصة لتعيين محامٍ له، بل فرض عليه محامٍ «مُتطوع» تابع لجمعية تتطوع بتوفير محامين للمعتقلين، وفي هذا مخالفة للمادة (14) من العهد الدولي المذكور، والتي تنص على أن «كل محتجز من حقه» أن يُحاكَم حضوريا، وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محامٍ من اختياره، وأن يُخطر بحقه في وجود من يدافع عنه»، كما أن من حق كل محتجز أن يتشاور مع محاميه من دون أن يكون ذلك على مسمع من أحد.

بعد عودة الذكير إلى البحرين، أرسل رسالتين إلى السفارة البريطانية مستوضحا فيهما أسباب اعتقاله ومنعه من دخول بريطانيا مجددا، ولم يرد عليه أحد، فأرسل رسالة ثالثة يستفسر فيها عن عدم الرد عليه، وتجاهله، فردت عليه السفارة برسالة لا تحمل توقيعا أو حتى تاريخا، وجاء فيها «اطلعت على التقرير الخاص بالمقابلة معكم والذي يتضح من خلاله ان هناك نوعا من التناقض وعدم الانسجام من جانبكم في إعطاء الأسباب وراء زيارتكم للملكة المتحدة، ذلك كله أدى الى ضرورة اجراء التحقيق معكم من قبل السلطات البريطانية المسئولة، ويشير التقرير كذلك الى انكم وقعتم استمارة المغادرة بشكل طوعي ما ينفي المزاعم بأنكم طردتم من الأراضي البريطانية، ونؤكد أنه لا يوجد منع بحقكم من السفر الى المملكة المتحدة».

وردا على ذلك قال لـ «الوسط»: «وهل أنا من الشخصيات المهمة لكي لا يُختم جوازي عند الدخول والخروج؟».

ورد على ذلك في رسالة بتاريخ 8 ديسمبر/ كانون الأول العام 2003، وأهم ماجاء فيها «ذكرتم بأني وقعت على الاستمارة بشكل طوعي، وهذا صحيح، ولكن ما هو غير معروف انني عندما أُخذت بصماتي، جاء لي المحامي وقال بالحرف الواحد: سيتركونك ليوم أو اثنين داخل المعتقل، ومن ثم ستأخذ بصماتك بالقوة والإكراه والحال نفسه سينطبق على ابعادك عن الاراضي البريطانية! إذا بعد كل هذا ألا يكون الابعاد تعسفيا». وذكر أيضا «مالم يرد في التقرير الخاص، ولكن ثابت في التسجيلات الصوتية أثناء جولات التحقيق المستمرة، كيف أن أحد المحققين، اراد مني بيع ضميري وأخلاقياتي لكي يجندني للعمل وسط الجماعات الاسلامية في البحرين! من دون أدنى ذرة من الخجل، ويمكنك العودة الى التسجيلات الصوتية».

ولم تذهب القضية إلى منحى آخر بعد أن تسلمت وزارة الخارجية الملف، إذ إن دائرة الهجرة في بريطانيا ردت على «الخارجية» بأنه كان بحوزة الذكير مواد مُشتبه فيها، وبأن السلطات هناك سمحت له بالاتصال بسفارته، ولكنه رفض ذلك.

أثار هذا الرد الذكير فرد على السفارة برسالة شديدة اللهجة جاء فيها «ماهي الحاجيات التي تثير الشبهة التي كانت بحوزتي، كما ورد في رد دائرة الهجرة البريطانية، ولماذا لم تذكر في الرد ولماذا لم تُصادر مني، بل عدتُ إلى بلدي بكامل الحاجيات، التي وصلت بها إلى مطار كاردف!». وأضاف: «هذا كذب... ثم لماذا لم يبلغوا السفارة البحرينية في بريطانيا عني، وإن رفضت أنا ذلك».

وناشد الذكير في لقائنا معه «الملك وجمعيات حقوق الانسان، ولجنة الدفاع والأمن والشئون الخارجية في مجلس النواب، للتدخل بإعادة حقه، والاعتبار إليه».

تفاصيل القصة، ومجريات التحقيق والقبض تدلل على انتهاك صريح لحقوق الانسان، إذ لم يُصان حق «عدم التعرض للقبض أو الاعتقال التعسفي»، لاسيما ان المادة (9) من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية تنص على انه «لا يجوز القبض على أحد أو اعتقاله تعسفا»، وأنه «لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه». ويُذكر ان «التعسف» يتضمن «عدم اللياقة، والظلم وعنصر المفاجأة».

تفاصيل هذه القصة تتكرر يوميا في البلدان العربية، بل وبات مشهدها مألوفا، ولكن أن تحدث حكاية كهذه في بريطانيا، فإنه لأمر أكثر من غريب

العدد 673 - الجمعة 09 يوليو 2004م الموافق 21 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً