اختتم الرئيس السوري بشار الأسد (الاثنين) الماضي زيارة رسمية لطهران استغرقت يومين، أجرى خلالها مباحثات مهمّة مع كبار القادة هناك عن ثلاثة ملفات مهمّة، أولها: الوضع في العراق بعد تسليم السلطة لحكومة إياد علاّوي والضغوط الأميركية على سورية وإيران لإعادة ترتيبات الوضع الأمني في لبنان والموقف من عملية السلام وإيواء المنظمات الفلسطينية المسلحة، وكان السيدالخامنئي وصف الزعيم الراحل حافظ الأسد خلال اجتماعه مع الرئيس السوري بـ «السياسي الكبير»، ثم خاطبه قائلا: «إن وجودكم في قمة المسئولية في سورية بوصفكم شخصية مرموقة وشجاعة ملأ الفراغ الذي تركه المرحوم حافظ الأسد».
كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران مطلع العام 1979 هبة السماء إلى السوريين الذين كانوا يبحثون عمن يعيد إليهم توازنهم الاستراتيجي في المنطقة بعد خروج مصر من منظومة الصراع العربي الإسرائيلي، ثم رغبتها في الحصول على غطاء شرعي أو فقهي لإيجاد التوصيف الديني الملائم للطائفة العلوية التي ينتمي إليها معظم رجال الدولة والتي تُشكّل أقل من 8 في المئة من الشعب السوري (على رغم أن فتوى السيدموسى الصدر في سبتمبر/ أيلول 1973 والذي اعتبر فيها العلويين جزءا من المذهب الاثني عشري حسمت كثيرا من ذلك الجدل عن الطائفة العلوية على الأقل في منطقة الهلال الخصيب) وفي المقابل أدرك الإيرانيون أن دمشق هي الأخرى كانت هبة السماء لهم، وكان ذلك الإدراك تأكّد بعد الثاني والعشرين من سبتمبر من العام 1980، وهو تاريخ بدء الهجوم العراقي على حدودهم، عندما حيّدت دمشق بموقفها حدود العراق الشمالية وأقامت جسرا جويا حيويا لنقل السلاح إلى الجبهات الإيرانية، وهو السبب الذي جعل إيران تستعيد الموقف الحربي في الجبهات وتقوم بشن هجومها المضاد في العام 1982.
كان الموقف السوري من إيران (الجمهورية الإسلامية) يُعدّ نشازا بامتياز من بين جميع الدول العربية، وزادت فقاعة ذلك التباين بموقف دمشق من الحرب العراقية الإيرانية وهو الموقف الذي حال دون أن تتحول تلك الحرب إلى حرب عربية/فارسية أو مذهبية، كما كان يطمح صدام حسين وبعض الأنظمة الحليفة له في المنطقة، إلاّ أن القيادة السورية تمسكت بموقفها وسارت فيه بقوة، وكان المردود الإيراني معها سخيا نظير ذلك فكان النفط الإيراني يصل إلى دمشق بأسعار تفضيلية بالإضافة إلى أن 20000 برميل يوميا يتم شحنها إلى الموانئ السورية مجانا.
بسبب تعقيدات الوضع في الشرق الأوسط وخصوصا عملية التسوية وسياسة العصا التي مارستها وتمارسها الولايات المتحدة مع دول المنطقة وتسمية اثنتين منها بأنها دول مارقة ومن محور الشر؛ فإن العلاقة بين البلدين تُصبح أكثر من ضرورة أو مُلِحَّة ومسألة مصير بالنسبة إليهما، لأن ذلك سيأتي في سياق الرد على الحلف الأميركي الإسرائيلي، كما أن سورية هي مدخل إيران إلى العالم العربي وبالذات إلى لبنان والأراضي الفلسطينية، وإيران ومنطقة نفوذها وتأثيرها هي أيضا ورقة ضغط رئيسية في يد سورية تستقوي بها في صراعها مع «إسرائيل»، وهو ما أكدته الزيارات المتكررة والمتبادلة للمسئولين. لذلك فإن المتابع للشأن السوري الإيراني سيلحظ أن أي تهديد يصدر من واشنطن أو تل أبيب لسورية يقوم مسئول إيراني رفيع المستوى بزيارة دمشق ليس آخرها زيارة وزير الإسكان الإيراني والنائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا عارف، وكذلك الحال بالنسبة إلى إيران.
وبالتالي فإن هذا الحلف الاستراتيجي بين سورية وإيران يعيد بعض التوازن لهذه المنطقة المرجَفَة والواقعة تحت سطوة السياسة الأميركية التي تريد ترتيب مكعباتها وفق مصالحها القومية من دون مراعاة لأية اعتبارات جيوبولتيكية أو سوسيوجية.
كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 672 - الخميس 08 يوليو 2004م الموافق 20 جمادى الأولى 1425هـ