حمَّل نائب رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي للشئون التنظيمية إبراهيم شريف الحكومة مسئولية الأوضاع المالية «المتردية» لهيئتي التأمينات والتقاعد مؤكدا ضرورة أن تحوي التشريعات المعدلة بخصوص الهيئتين على تأكيد مسئولية الدولة في توفير الراتب التقاعدي وضمان تمويلها أي عجز «إذ إن الوضع القانوني الحالي غير واضح بحيث يهدد ذلك عدم وجود أي ضمان من الدولة لتأمين التقاعد للمواطنين في حال انهيار الهيئتين ماليا». جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمتها الجمعيات الأربع أمس (الخميس) في نادي العروبة.
وأكد شريف أن الحكومة «مسئولة عن أكثر الأخطاء كارثية وهو القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء العام 1986 بخفض الاشتراكات من 21 في المئة إلى 15 في المئة. وبيّن شريف أنه «ربما لا تكفي الحلول المقترحة لتأجيل الإفلاس لأكثر من عدد قليل من السنين، لذلك يتعين التفكير في قيام الحكومة بضخ مبالغ من المال خلال عشر السنوات المقبلة في نظام التأمينات الاجتماعي لمعادلة الجزء الأكبر من الخسائر الناجمة عن خفض الاشتراكات خلال الـ 17 عاما الماضية وتمويلها من خلال ترشيد موازنة الدولة».
(التفاصيل ص5 و12)
الجفير - علي القطان
أكد نائب رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي للشئون التنظيمية إبراهيم شريف ضرورة أن تحوي التشريعات المعدلة بخصوص هيئتي «التأمينات» و«التقاعد» على مسئولية الدولة في توفير الراتب التقاعدي بحسب نظام الصندوق والهيئة وضمانها تمويل أي عجز ناشئ إذ إن الوضع القانوني الحالي غير واضح بحيث يهدد ذلك عدم وجود أي ضمان من الدولة لتأمين التقاعد للمواطنين في حال انهيار الهيئتين ماليا.
واختتم شريف مقاله الذي قدمه في ورشة أقامتها الجمعيات المقاطعة أمس الخميس في نادي العروبة بقوله «هناك قضايا فساد محتملة لامستها لجنة التحقيق البرلمانية والمجلس النيابي لكن سرعان ما تركوا الخيط من دون متابعة، ربما خوفا من أن ينتهي الطرف الآخر للخيط بيد مصالح متنفذة لا يستطيعون مواجهتها. هل هناك فساد في قضية بناء مجمع التأمينات الاجتماعية التي قالت اللجنة إن كلفتها «مبالغ فيها جدا». فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تطالب اللجنة بمراجعة وثائق العطاءات وعقود البناء والتحقيق في قضية فساد محتملة بملايين الدنانير؟. والأمر ذاته ينطبق على مركز البحرين الدولي للمعارض إذ إن لجنة التحقيق بحثت في موضوع شطب القرض وفوائده ولكنها لم تبحث في المستفيدين من عقد بناء مركز المعارض وكيف ارتفعت قيمة المناقصة الخاصة به ولماذا رفض مستثمرون سعوديون الاستثمار في المشروع بعد أن أبدوا موافقة مبدئية على بنائه؟ لذلك فان قيام الحكومة بإرجاع المبلغ المشطوب لا يحل موضوع الفساد المحتمل في عقد البناء وما حدث هو تحويل الخسارة الناشئة عن فساد محتمل من خسارة على الهيئتين إلى خسارة على الحكومة. وسأل شريف «من هم المسئولون؟ الوزراء أم الحكومة بالكامل؟ المادة 16 (2) من قانون التأمين الاجتماعي تنص على أن زيادة المعاشات والتعويضات والمنح الخ تتم بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل والشئون الاجتماعية. وتسببت هذه الزيادات غير المدروسة بالإضافة إلى خفض الاشتراكات والفساد والأخطاء والتجاوزات في الإفلاس المتوقع للهيئتين. تحاول الحكومة تجنب دفع فاتورة التهور والتجاوزات والفساد وبيئته المستشرية في مؤسساتها من خلال تقديم ترقيعات وتنازلات هنا وهناك لا تكلف الحكومة الشيء الكثير، وأحيانا يقوم الحكم بالتضحية ببعض المسئولين من دون تغيير الفريق المسئول عن هذه الأفعال على رغم انه مسئول عن أكثر الأخطاء كارثية وهو القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء العام 1986 بخفض الاشتراكات من 21 في المئة إلى 15 في المئة. يقولون «من أمن العقوبة أساء الأدب» فهل لنا أن نتوقع شيئا آخر في المستقبل غير إساءة الأدب مرة أخرى ما دام المتسببون بإلحاق أكبر الأذى باقين في مواقعهم بينما يتم استبدال الطاقم الثاني أو الثالث كلما تطلب الأمر تضحية لإخراس الأصوات المطالبة باستحياء بأن يقدم أحد قربانا لإثبات أن المجلس النيابي له أسنان».
وبيّن شريف أنه «ربما لا تكفي الحلول المقترحة في تأجيل الإفلاس لأكثر من عدد قليل من السنين، لذلك يتعين التفكير في قيام الحكومة بضخ مبالغ من المال خلال عشر السنوات المقبلة في نظام التأمينات الاجتماعي لمعادلة الجزء الأكبر من الخسائر الناجمة عن خفض الاشتراكات خلال الـ 17 عاما الماضية وتمويلها من خلال خفض موازنات الدفاع والأمن وترشيد موازنة الدولة من خلال تشديد الرقابة على المال، وكذلك استعمال أية فوائض في الموازنة بسبب ارتفاع أسعار النفط من أجل إعادة تمويل نظام التقاعد، ومن المهم التفكير الجاد في تحويل نظام التقاعد إلى جزئين، يفي الأول بمتطلبات لا تزيد عن متوسط الأجور وتديره الدولة، بينما يكون الآخر من خلال صناديق استثمارية غير محددة المستحقات وتقوم على مبدأ التوازن بين الاشتراكات والمنافع، تديرها المؤسسات الخاصة بإشراف الدولة، ومن شأن مثل هذا النظام تخفيف العبء على الدولة في تمويل دخل مرتفع لبعض المشتركين فضلا عن ضرورة إلزام الحكومة ببرنامج تتعهد بموجبه بأنها ستعمل خلال السنوات الخمس المقبلة على رفع العمر الاكتواري للهيئتين عن 30 عاما، من خلال اقتراح التشريعات وتعديل الاشتراكات والمزايا من دون المساس بمزايا ذوي الدخل المحدود، والقيام بالإصلاحات الماكرو اقتصادية اللازمة لرفع الأجور وخصوصا في القطاع الخاص إذ لا يوجد حد أدنى للأجر. الإصلاح الاكتواري مطلوب ولكنه غير كاف من أجل إنقاذ الهيئتين من دون إصلاح اقتصادي شامل». وأكد شريف «أن العدالة والتضامن بين الأجيال لا يمكن تحقيقهما إذا استمر جيلنا باستنفاد كل الطاقة النفطية وأضاف عبئا ماليا على أبنائنا بسبب عجز التمويل الذاتي لنظامي التقاعد إذ مازال الطريق طويلا من أجل تحقيق نظام للضمان الاجتماعي يشمل التعطل وغيره من أنواع التأمين الاجتماعي الذي يضع المسئولية على الدولة والمجتمع لمساعدة أعضائه الأضعف والأكثر حاجة للمساعدة. ويمكن اعتماد نظام ضريبة على الدخول الفردية المرتفعة (التي تبلغ مثلا أكثر من ضعف متوسط الأجر) وعلى الشركات والمؤسسات بمعدل 2 في المئة من رواتب العمال الأجانب لتمويل نظام التأمين الاجتماعي ومنه التأمين ضد التعطل. إن الآثار الاقتصادية لإفلاس الهيئتين لا تمتد للمؤمَّن عليهم ولكنها تتجاوزهم.
فالعجز السنوي الذي سيبدأ في الهيئة في غضون 8 سنوات وفي صندوق التقاعد بعدها بقليل سيدفع الهيئتين الى تسييل محفظتيها من الأسهم والسندات المحلية وسحب جزء من ودائعها المصرفية الأمر الذي سيتسبب في انتكاسة لسوق الأسهم والسندات المحلية وخفض السيولة لدى المصارف المحلية، كما سيؤدي إلى فقد الثقة في الحكومة وفي الاقتصاد المحلي». وتنشر «الوسط» نص ورقة شريف في صفحة قضايا وآراء.
الجفير - علي القطان
قدم نائب رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي للشئون التنظيمية ابراهيم شريف ورقة بعنوان «إصلاح هيئتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية» تناولت موضوع الإفلاس المتوقع للهيئتين ونتائج التحقيق الذي أجرته لجنة التحقيق البرلمانية المشكلة اثر تصريح مدير الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، في جلسة مجلس النواب بتاريخ 15 أبريل/ نيسان 2003 عن وجود إفلاس اكتواري في الهيئة. كما تناولت الورقة طريقة معالجة الحكومة والنواب لهذه الأزمة «الخطيرة».
وننشر هنا أهم ما جاء في الورقة التي قدمت في ندوة نظمتها الجمعيات الأربع المقاطعة في نادي العروبة أمس (الخميس).
تقرير لجنة التحقيق البرلمانية
تعزى بعض جوانب القصور في التقرير، مثل عدم الكشف عن أية حالات فساد على رغم توافر بيئة مناسبة له، الى غياب جهاز رقابة مالي محترف تابع لمجلس النواب إذ تم استبدال المادة 97 من دستور 1973 الخاصة بإنشاء ديوان للرقابة المالية تابع للمجلس بالمادة 116 من الدستور الجديد الذي ألغى تبعية الديوان للمجلس وأدى إلى تجريد المجلس من أهم أسلحته الرقابية.
جهد غير مكتمل
يسجل لبعض النواب أعضاء لجنة التحقيق نشاطهم الواضح في محاولة الكشف عن قضايا الفساد في هذا الملف، ويمكن ذكر بعض جوانب القصور في التقرير مثل إطلاق الكثير من النواب لأحاديث صحافية تحدثت عن فساد في حين عجز التقرير عن إثبات أي من هذه الحالات. والتعريف الشائع عالميا للفساد هو «استغلال للثقة لتحقيق منافع شخصية» وهو الأمر الذي لم تتوصل إليه اللجنة بشكل قاطع. كذلك يلاحظ أن اللجنة التي قالت إن العائد على الاستثمار منخفض لم ترد على ادعاءات الوزراء المعنيين بأن عائد الهيئتين البالغ 6,5 في المئة سنويا يعتبر مرتفعا بالمقاييس العالمية. والحقيقة لا يمكن تحديد ما إذا كان العائد مناسبا في غياب تحليل المخاطر على محفظة الهيئة الاستثمارية. من ناحية أوصت اللجنة بعدم الاستثمار في المخاطر العالية، ومن ناحية أخرى طالبت باستثمار الأموال النقدية للهيئتين التي تدر عائدا سنويا يبلغ 1 في المئة في استثمارات ذات عائد أفضل مثل الأراضي، علما بأن مثل هذه الاستثمارات ستزيد المخاطر على الهيئتين (من الممكن في السوق الحالي استثمار الودائع في سندات ممتازة متوسطة الأجل تدر عائدا سنويا يزيد عن 4 في المئة)».
المشكلة قائمة والإفلاس قادم
على رغم التوصيات الكثيرة للجنة فان التحقيق لم يؤد إلى إصلاح متكامل ولم يستطع تأخير إفلاس الهيئتين خلال 20 عاما. فتوصيات الخبير الاكتواري (كما ستجيء لاحقا) ظلت من دون تنفيذ، وليست هناك أية تطمينات أو خطوات جدية تعهدت بها الحكومة لتجنب الإفلاس. المشكلة الأساسية ليست مسألة فساد، وان كان هذا محتملا بسبب الضعف الإداري والمحاسبي في الهيئتين اللذين يتيحان بيئة مواتية للفساد على رغم فشل اللجنة والمجلس في الكشف عنها، ولكن المشكلة في سوء إدارة الحكومة لهاتين المؤسستين وعدم التحوط من مسألة الإفلاس الذي كشف عنه الخبير الاكتواري منذ التسعينات باتخاذ الإجراءات المالية المناسبة. كما أن المجلس فرط بفرصة محاسبة الحكومة على فشلها الاقتصادي الكبير الذي ساهم في التسريع من أزمة الصندوقين (كما سيجيء لاحقا).
توصيات الخبير في أدراج الحكومة
مضت عدة أعوام على توصيات الخبير الاكتواري، الذي أشار في مراجعته الاكتوارية الثالثة المؤرخة في نهاية 2000 والتي أقرها مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 20 مايو 2002 ورفعها لمجلس الوزراء الذي لم يتخذ قرارا بشأنها، على ضرورة «زيادة نسبة الاشتراكات فورا إلى 21 في المئة ثم بالتدرج إلى 24 في المئة يشترك فيها العمال وأصحاب العمل، وضع قيود على التقاعد المبكر: يرفع فورا إلى 50 سنة للذكور و45 للإناث ثم يزداد تدريجيا ليبلغ 60 سنة للذكور و55 للإناث، وتعديل نسب خفض المعاش المبكر بحيث يخصم من 5 في المئة عن كل سنة سابقة لسن التقاعد الاعتيادي، وإلغاء الحد الأدنى للمعاش في حالة التقاعد المبكر، الأخذ بمتوسط أجور آخر 10 سنوات بدل سنتين لاحتساب معاش التقاعد، تخفيض معامل احتساب الدفعة الواحدة الى 10 في المئة، إلغاء الـ 5 سنوات المجانية عند التقاعد الاعتيادي، تعديل معامل شراء سنوات الخدمة السابقة بحيث لا تترتب على الهيئة أعباء إضافية».
لا مناص من رفع الاشتراكات
يعتبر قرار مجلس الوزراء بخفض الاشتراكات العام 1986 من 7 في المئة إلى 5 في المئة للعامل/المشترك، ومن 11 في المئة إلى 7 في المئة لرب العمل أهم الأسباب التي أدت إلى إضعاف الوضع المالي للهيئة والوصول إلى حافة الإفلاس. وتعتبر الاشتراكات الحالية في صندوق التأمينات الاجتماعية البالغة 12 في المئة الأقل بين دول مجلس التعاون بينما تعتبر الكويت الأعلى بـ 25 في المئة. ولا يمكن بالتالي الحديث عن إعادة التوازن المالي، جزئيا على الأقل، من دون العودة عن هذا القرار الخطير، حتى ولو تم بشكل تدريجي (قامت الحكومة في 2003 برفع اشتراكات صندوق التقاعد 1 في المئة على العاملين و2 في المئة على الحكومة في خطوة ترافقت مع زيادات في الحد الأدنى للأجر والعلاوات الاجتماعية الأمر الذي ساهم في عدم قيام احتجاجات)، وهو الأمر الذي تجنب النواب إقراره خوفا من ردود فعل سلبية للمواطنين ورجال الأعمال. غير أن هذا القرار بحد ذاته لن ينقذ نظام التأمين الاجتماعي على المدى الطويل بسبب تأخر تطبيقه من ناحية (الأمر الذي كلف موازنة كل من الصندوقين أكثر من 300 مليون دينار خسائر اشتراكات وعوائد استثمار طوال أكثر من 17 عاما) ودخول عوامل ديمغرافية واقتصادية لا تقل خطورة عن قرار مجلس الوزراء المشئوم.
أزمة عالمية
هناك أزمة على الصعيد العالمي فيما يتعلق بالمتانة المالية لأنظمة التقاعد في البلدان الصناعية المتقدمة وزيادة الكلفة على ميزانية الدولة، إلا أن طبيعة وأسباب الأزمة تختلف من بلد لآخر. فمثلا تعاني الدول الصناعية المتقدمة في أوروبا واليابان من أزمة شيخوخة بسبب انخفاض الخصوبة وزيادة المعمرين. بينما تعاني دول أخرى من عدم تناسب المستحقات التقاعدية مع الاشتراكات. وفي البحرين أزمة من نوع آخر بسبب انخفاض معدل الأجر طوال العقد الماضي بالإضافة إلى خفض الاشتراكات التقاعدية وزيادة الإمتيازات في الوقت ذاته.
مؤشرات على سلامة أنظمة التقاعد
أحد طرق قياس سلامة الوضع المالي لأنظمة التقاعد هو قياس نسبة الاحتياطي المتوافر في صناديق التقاعد مقابل حجم الاقتصاد ممثلا في إجمالي الدخل المحلي والذي يعادل بالنسبة إلى البحرين 53 في المئة. فحقوق المشتركين نحو 1600 مليون دينار في صندوقي التقاعد مقارنة بـ 3000 مليون دينار حجم الناتج المحلي.
وعلى رغم أن الأرقام تبين أن وضع البحرين أفضل من أغلب الدول بما فيها الدول الصناعية، فان هذا الوضع ناشئ بالدرجة الأساسية من حداثة نظام التقاعد لدينا إذ يقل عمره عن 30 عاما بينما تعود أنظمة التقاعد في الدول الصناعية إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وبعضها إلى نهاية القرن التاسع عشر. إلا أن التقارير الاكتوارية تؤكد أن الاحتياطي سينفذ تماما لدى لصندوقين خلال عقدين، ما يجعل المقارنة مع أرقام الدول الصناعية غير ذي معنى من دون أخذ ذلك في الاعتبار.
وارتفعت المصروفات السنوية لمستحقات التقاعد كنسبة من إجمالي الدخل المحلي بسبب ازدياد عدد المعمرين، فقد بلغت نحو 15 في المئة في النمسا و12 في المئة في فرنسا بينما مازالت منخفضة في البحرين بنسبة تفوق قليلا 4 في المئة. ويمكن إرجاع النسبة المنخفضة في البحرين لحداثة نظام التأمين الاجتماعي ولعدم تغطيته لعدد كبير من العاملين ولصغر نسبة المعمرين في المجتمع البحريني قياسا لمن هم من دون سن التقاعد. الا أن هذه النسبة المنخفضة ستتغير بشكل سريع مع دخول نظام التقاعد مرحلة النضج خلال السنوات القليلة القادمة.
التحدي الديموغرافي
لا يمكن الحديث عن حلول لمسألة إصلاح أنظمة التأمين الاجتماعي من دون معالجة التحدي الديمغرافي المتمثل في ازدياد معدل عمر الفرد أي ازدياد نسبة المتقاعدين لمجمل القوى العاملة الأمر الذي سيؤدي إلى عدم قدرة مؤسسات التقاعد على الوفاء بالتزاماتها من دون زيادة الاشتراكات أو الضرائب. ففي أوروبا بلغت نسبة من تزيد أعمارهم عن 60 عاما 21 في المئة مع نهاية التسعينات، ومن المتوقع زيادتها الى34 في المئة العام 2050، بينما بلغ من تزيد أعمارهم عن 80 عاما 4 في المئة ومن المتوقع زيادتهم الى 10 في المئة في نفس الفترة. ويبدو المجتمع البحريني شابا بالمقارنة إذ تبلغ نسبة من تزيد أعمارهم عن 60 عاما أقل من 6 في المئة بحسب إحصاء 2001 ولكن هذه النسبة مرشحة بالتصاعد مع بلوغ جيل الطفرة في الولادات التي حدثت في الستينات والسبعينات (Baby Boomers) التي بلغ معدل النمو السكاني 3,5 في المئة سنويا (مقارنة مع 2,6 في المئة في الإحصاء الأخير). وقد لا يكون تمويل فترة التقاعد الإضافية (بسبب التعمير) ممكنا فقط باللجوء إلى زيادة نسبة الاشتراكات إذ إن هناك عدة خيارات لمعالجة هذه الضغوط الديمغرافية أهمها زيادة الإنتاج كما سيجيء لاحقا.
ويبين الجدول الذي وضعه الخبير الاكتواري للتأمينات خطورة الوضع الديمغرافي على المدى البعيد إذ سيتشابه الوضع في البحرين مع الدول الصناعية من ناحية نسبة كبار السن (أكبر من 64) للعدد الإجمالي للقادرين على العمل (من 15 إلى 64 عاما) والذي هو الآن في البحرين يعادل 10 في المئة بينما سيكون 42 في المئة بعد 50 عاما. لذلك فان من المهم التفكير في مسألة رفع سن التقاعد بشكل تدريجي، مثلا عام واحد في كل فترة 5 أعوام ليتناسب مع ارتفاع معدل العمر، علما بأن أغلب الدول الصناعية تعتمد سنا تقاعديا من 63 إلى 66 عام.
مشكلة التقاعد المبكر
أشار الخبير الاكتواري إلى ضرورة مراجعة التقاعد المبكر الذي يفقد نظام التقاعد مصدرا للتمويل في الوقت الذي يضع عليه عبء دفع راتب المعاش لفترة أطول. وقدر بعض الخبراء أن كلفة التقاعد المبكر في اقتصادات بعض بلدان أوروبا فاقت الـ 10 في المئة من إجمالي الدخل المحلي. أن ما يحدث فعلا هو أن يقوم المشتركون وخصوصا الشباب منهم بتكفل تمويل التقاعد المبكر لزملائهم الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تسريع إفلاس أنظمة التقاعد أو رفع نسبة الاشتراكات أو الضرائب. كما أن إحلال العامل البحريني الشاب محل العامل الأكبر سنا غير مؤكد خارج القطاع العام بسبب توافر العمالة الأجنبية. وقامت دولة الكويت برفع سن التقاعد المبكر إلى 50 للمرأة و55 للرجل بحلول 2020.
المطلوب زيادة الإنتاج
من زاويتهم يرى الاقتصاديون أن زيادة الإنتاج هي أحد أهم الوسائل للحفاظ على مكتسبات المشتركين في أنظمة التقاعد إذ يؤدي ذلك إلى زيادة أجور العاملين وبالتالي إلى زيادة اشتراكاتهم. ويمكن تفسير أحد أهم أسباب العجز المتوقع في نظامي التقاعد في البحرين بعجز النظام الاقتصادي في توفير وظائف ذات دخل متوسط طوال عقد التسعينات. وتشير دراسة أعدتها شركة مكنزي الاستشارية (دراسة سوق العمل في مملكة البحرين) إلى انخفاض الأجر الشهري الحقيقي للفرد البحريني بمقدار 19 في المئة من 420 دينار إلى 352 دينار خلال عقد التسعينات، أن نسبة العاملين في وظائف منخفضة المهارة/الأجر ارتفعت من 27 في المئة في 1990 إلى 48 في المئة في 2002، وان من ضمن 27000 انضموا للقطاع الخاص منذ العام 1990 فان 68 في المئة منهم يعملون في وظائف منخفضة الأجر، وهو ما يعكس طبيعة القطاع الخاص البحريني القادر على توليد وظائف منخفضة المهارة تشكل 81 في المئة من مجمل وظائفه (باستثناء القطاع المالي الذي تشكل الوظائف المتوسطة والعالية المهارة 90 في المئة من قواه العاملة). وأضافت الدراسة أن القدرة التنافسية للاقتصاد البحريني تراجعت كثيرا قياسا بشركائها التجاريين فعلى سبيل المثال انخفضت إنتاجية العامل البحريني 25 في المئة مقارنة بالإنتاجية في الولايات المتحدة، وبنسبة 19 في المئة مقارنة بالهند. وتنبأت الدراسة بانخفاض يبلغ 15 في المئة في الأجر الحقيقي خلال عقد إذا استمر الوضع من دون علاج. وهذه الحقيقة التي كشفتها دراسة مكنزي هي عكس ما روجت به الحكومة طوال أكثر من عقد عن متانة الاقتصاد وقوة أدائه، كما تكشف حقيقة سقوط عدد كبير من المواطنين تحت حد الفقر الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والسياسية. وفي الوقت نفسه تلقي ظلالا من الشك على النظام التعليمي الذي لم يعد قادرا على تخريج عمالة ماهرة قادرة على مواكبة التغييرات التكنولوجية والمنافسة المتصاعدة في الاقتصاد العالمي. ولا يمكن تحقيق هذه الزيادة في الإنتاج في غياب السياسات الاقتصادية التي تساهم في زيادة إنتاجية العمال والموظفين وخلق وظائف إضافية وتشغيل قوة العمل المعطلة.
لا يمكن إصلاح الضرر البالغ بمجرد العودة لنسبة الاشتراكات قبل تعديلها العام 1986، فالخبير الاكتواري يرى أن العودة للنسبة السابقة ستؤخر الإفلاس 4 سنوات فقط. ويضيف الخبير انه حتى لو ارتفعت الاشتراكات لـ 27 في المئة، وهي نسبة تفوق حتى النسبة المطبقة في الكويت، فان الهيئة ستفلس العام 2031، لذلك فان الإصلاح الاقتصادي مطلوب لنجاح إعادة هيكلة نظامي التقاعد.
غياب المفهوم الاجتماعي للتأمين
الملاحظ انه ليست هناك سياسة اجتماعية للحكومة وللمجلس ولا فهم صحيح لمفهوم التأمين الاجتماعي. فجميع المشتركين، فقراء وأغنياء، أصحاب الرواتب المرتفعة وأصحاب الرواتب المنخفضة، يحصلون على نفس المزايا (ما عدا أصحاب الحد الأدنى للأجر) ويحتسب الراتب التقاعدي بنفس النسبة من معدل الراتب لآخر سنتين من العمل. وفي مجتمع يخلو من ضرائب الدخل نجد من الصواب المطالبة بتحقيق شيء من التكافل الاجتماعي من خلال أخذ اشتراكات تأمينية أكبر من ذوي الدخل فوق المتوسط والمرتفع أو تخفيض المزايا التأمينية لهؤلاء (مثل خصم متصاعد على المعاش) أو الجمع بين الاثنين، ويبرر هذه المطالبة الإفلاس القادم للهيئتين. إن معاملة الجميع بالتساوي، المحتاجين وغير المحتاجين، الفقراء والأغنياء، فيما يتعلق ببعض الخدمات التي تقدمها الدولة، ظاهرة خطيرة تمارسها الحكومة وتدعمها بعض سياسات المجلس كما حدث أخيرا في اقتراح المجلس تخفيض كلفة الوحدة الكهربائية على الجميع بدل توجيهها لذوي الدخل المحدود، واقتراح الراتب الإضافي للعيد (العيدية) لجميع موظفي الدولة حتى أصحاب الرواتب العليا من وزراء ووكلاء ومدراء. أن أحد أدوار الدولة هو توجيه الموارد المحدودة لها مثل نظام التأمين الاجتماعي لتحقيق بعض من العدالة الاجتماعية التي يعجز اقتصاد السوق عن تحقيقها.
- هناك قضايا فساد محتملة لامستها لجنة التحقيق البرلمانية والمجلس النيابي لكن سرعان ما تركوا الخيط من دون متابعة، ربما خوفا من أن ينتهي الطرف الآخر للخيط بيد مصالح متنفذة لا يستطيعون مواجهتها. هل هناك فساد في قضية بناء مجمع التأمينات الاجتماعية التي قالت اللجنة إن كلفتها «مبالغ فيها جدا». فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تطالب اللجنة بمراجعة وثائق العطاءات وعقود البناء والتحقيق في قضية فساد محتملة بملايين الدنانير؟. والأمر ذاته ينطبق على مركز البحرين الدولي للمعارض إذ إن لجنة التحقيق بحثت في موضوع شطب القرض وفوائده ولكنها لم تبحث في المستفيدين من عقد بناء مركز المعارض وكيف ارتفعت قيمة المناقصة الخاصة به ولماذا رفض مستثمرون سعوديون الاستثمار في المشروع بعد أن أبدوا موافقة مبدئية على بنائه. لذلك فان قيام الحكومة بإرجاع المبلغ المشطوب لا يحل موضوع الفساد المحتمل في عقد البناء وما حدث هو تحويل الخسارة الناشئة عن فساد محتمل من خسارة على الهيئتين إلى خسارة على الحكومة.
- ربما لا تكفي الحلول المقترحة في تأجيل الإفلاس لأكثر من عدد قليل من السنين، لذلك يتعين التفكير في قيام الحكومة بضخ مبالغ من المال خلال السنوات العشر القادمة في نظام التأمينات الاجتماعي لمعادلة الجزء الأكبر من الخسائر الناجمة عن خفض الاشتراكات خلال الـ 17 عاما الماضية وتمويلها من خلال خفض موازنات الدفاع والأمن وترشيد موازنة الدولة من خلال تشديد الرقابة على المال، وكذلك استعمال أية فوائض في الموازنة بسبب ارتفاع أسعار النفط من أجل إعادة تمويل نظام التقاعد.
- مازال الطريق طويلا من أجل تحقيق نظام للضمان الاجتماعي يشمل التعطل وغيره من أنواع التأمين الاجتماعي الذي يضع المسئولية على الدولة والمجتمع لمساعدة أعضائه الأضعف والأكثر حاجة للمساعدة. ويمكن اعتماد نظام ضريبة على الدخول الفردية المرتفعة (التي تبلغ مثلا أكثر من ضعف متوسط الأجر) وعلى الشركات والمؤسسات بمعدل 2 في المئة من رواتب العمال الأجانب لتمويل نظام التأمين الاجتماعي ومنه التأمين ضد التعطل.
- من المهم أن تحوي التشريعات المعدلة على مواد تؤكد مسئولية الدولة في توفير الراتب التقاعدي بحسب نظام الصندوق والهيئة وضمانها تمويل أي عجز ناشئ إذ إن الوضع القانوني الحالي غير واضح
العدد 672 - الخميس 08 يوليو 2004م الموافق 20 جمادى الأولى 1425هـ