المتطلع بالابتسامة والأمل إلى بحرين المستقبل من حقه أن يتساءل ويطلق عنان خياله كثيرا إلى الأمام، ومن حقه أن يفترض بحرينه التي يريد. من حقه أن يمد بطرفه ليرى بحرينا خالية من المشاحنات، بحرينا المساواة والعدالة وإنصاف الفقير، بحرين تخلق عيشا كريما يليق بكرامة أبنائها وتضحياتهم الجسيمة من أجل وطن أكثر نقاء وصفاء وعدالة!
لا يمكن للحس المرهف إلا أن تحاومه ثرثرات من حلم طويل عاشه أجدادي من قبلي، حلم امتزج بقسوة الحياة وقبضة اللاعدل التي أخرتنا للوراء عقودا من الزمن، كان يمكن ان نكون قد بنينا ازدهارا اقتصاديا ومنظومة تشريعية متكاملة وسلما اجتماعيا بين جميع أبناء هذا الوطن - ولا يجب استثناء احد منهم - لنرفع راية وطننا عالية أمام العالم.
قبضة الحديد تلك لم تفضى إلى حلحلة توافقية لقضايانا، قدرنا كان منذ البداية أن نحمل ثمة هموما ومطالب، وغالبيتنا صبروا أمام كل التحديات التي تواجه شعبنا وفي مراحل تاريخية مختلفة على رغم وجود التباين الأيدلوجي والفكري، لكن مساحة التباين تلك لم تكن لتشكّل يوما ما مانعا أمام وحدتنا في المطالبة والإصرار عليها.
حلم لم يكن ليجد «ألف باء» التحقق إلا عبر نضالات شعبية وإرادة صادقة من القيادة في التغيير والتطوير ودفع دفتي البحرين قدما إلى الأمام بخطى ثابتة وإيمان مطلق لا يزلزله أدنى شك حتى لو صدق المنجمون.
فعلا سارت القافلة على رغم وجود تحفظ هنا أو هناك، غالبية الجسم المعارض فضّل العمل من الداخل للسير نحو الإصلاح المستمر، لم يكن بخلد أي منا أن يرى بحرين المدينة الفاضلة بين عشية وضحاها، ولم نكن نتوقع ولو لبرهة زمنية قصيرة أن تراكمات وإرهاصات العقود والسنين الطويلة يمكنها أن تزول وتضمحل، غير أن القاسم المشترك بيننا أننا اخترنا خيار البناء من الداخل لتطوير التجربة الطويلة القصيرة - أن جاز لنا التعبير -؟
لا يمكن لموال أو معارض أن يساوره شك في أن البحرين اليوم هي البحرين ذاتها ما قبل عهد الانفراج السياسي، كما لا يمكننا في الوقت ذاته أن ننفي وجود من يشك في جدوى هذا المشروع الإصلاحي الجديد، تباينت الآراء كما هو متوقع، الكثيرون يرون أن لا ضير من ذلك فها هي أبجدية الديمقراطية التي طالما تحدثنا عنها!
والحديث عن مراحل الإصلاح لابد وأن يمر عبر بوابة الحوار، ولكن أي حوار يا ترى؟ أهو حوار الطرشان أن أسمع ما تقول وأفعل ما أريد، أم أن المراد من الحوار حال ايجابية يراد بها تهيئة السبل لدراسة التحديات التي تواجهنا كوطن وشعب بصراحة وجدية كافية.
من حق قائلٍ أن يقول: لماذا فشل الحوار طيلة سنوات طويلة وبمراحل زمنية ومقاطع تاريخية مختلفة؟ ألا يعني ذلك أن الحوار الحالي الذي يجمع الحكومة والمعارضة قد يفضي إلى النتيجة ذاتها؟ والجواب على هذا الإشكال يتمثل في مشاهدة واستقراء الواقع السياسي الذي نعيشه، وهل أننا قرأنا ما بين السطور جيدا، وهل أن الظروف التاريخية التي أجهضت تلك الحوارات يمكنها أن تفعل الشيء ذاته مع الحوار الجاد القائم حاليا؟!
لا أظن أن أي عاقل يمكن أن يلغي هذه الفرضية، غير أن الرهان الأكبر الذي يمكننا أن نعول عليه آمالنا وطموحاتنا وهو الثقة في القيادة السياسية ونيتها الصادقة في الخروج من هذا النفق عبر الجلوس إلى مائدة حوار وطني مع المعارضة أو مختلف أطياف العمل السياسي في البحرين.
هنا دعوني أن اختلف قليلا مع وزير العمل في توصيفه للحوار الجاري حاليا بأنه «حوار غير وطني»، لنتجاوز تصريح الوزير بما قاله جلالة الملك عندما دعا إلى الحوار في الشأن العام مع «القوى الوطنية» الفاعلة على الساحة، وبلا ريب أن تصريح جلالة الملك باعتباره قمة الهرم السياسي يلغي ما قاله وزير العمل، ولكن في المحصلة نقول مهما كانت تسمية الحوار وعلى رغم وجود المعوقات التي قد يخلقها بعض الخاسرين الذين يحاولون إفساد هذا الحوار؛ لأنهم يدركون تماما أن حوارا من شأنه أن يحل القضايا العالقة يعني ببساطة خراب ما صنعوه بأيديهم خلال ردح طويل من الزمن.
أمنيات كثيرة معلقة على هذا الحوار، بل أن عددا لا بأس به من القواعد الشعبية ترى أن مجرد جلوس الطرفين على مائدة الحوار من شأنه أن يكتب نهاية لحال السجال واللغط الذي صاحب وتلى قضية العريضة الشعبية وما أفرزته من تربص كل طرف بالآخر.
وهل لنا كحكومة أو معارضة أن ندرس حيثيات الحوارات غير المنتجة التي شغلت حيزا كبيرا من تاريخ البحرين السياسي، دعونا نقم برحلة سياحية جماعية إلى التاريخ السياسي منذ بدايات القرن الماضي لندرس الأسباب التي جعلت كل تلك الحوارات تواجه طريقا مسدودا. وخلال هذه الرحلة لابد لنا - إن كنا نحسن فن الاستقراء - أن نقرأ طيات هذا الملف جيدا، لنفتح صفحة جديدة من آفاق الحوار الوطني الجاد والمثمر. لا نريد حوارا من أجل الحوار، ولا حوارا بغية التسويف.
هنا يجب علينا أن نثمن المبادرة المشتركة بين الحكومة وجمعيات التحالف الرباعي في وضع جدول زمني أقصاه ستة اشهر لإحداث نقلة في الملفات العالقة، وهذه نقطة تحسب في صالح الحكومة، وتدل أن الأخيرة أدركت أن حوارا من دون سقف زمني يعني أن هذا الحوار يدور في حلقة مفرغة.
ختاما، دعونا نترك الفصل في هذه القضية إلى الزمن وتحديدا إلى الأشهر الستة المقبلة التي يناط بها كشف ما إن كان هذا الحوار سيفضي إلى توافقٍ ما يبشر ببداية عهد جديد لبحرين الغد الأفضل التي لا نزال ننتظرها جميعا بفارغ الصبر
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ