بالغت واشنطن كثيرا في تحذير مواطنيها القاطنين في الخليج من أي خطر قادم واعتقد أنها اساءت الهدف عندما راحت تنصح مواطنيها بمغادرة البحرين. هذا الاسلوب المبالغ فيه من التحذير لا يخدم الأميركان كما أنه لا يخدم البلد المضيف. فالولايات المتحدة بهكذا اسلوب تعمل على ارهاب رعاياها من حيث لا تشعر وتجعلهم يعيشون عقدة الفوبيا من كل ما هو عربي وتصور لهم من حيث لا تشعر ان عفريت الذبح يلاحقهم من مكان إلى مكان في الوقت الذي هي فيه تريد استقرارهم. ولا يخدم البحرين لأنه يحولها في نظر الأجنبي وكأنها تعيش بين أسنان التنين، الرعب والخوف والفوضى والتربص.
البحرين ساحة أمن وبلد مستقر وفي احلك الظروف التي عصفت بالبلاد في فترة التسعينات عندما هبت رياح الأزمة السياسية كان وضع الاجانب في أفضل ما يكون ولم يدخلوا كطرف في المعادلة، وذلك لأمر بسيط يرجع إلى طبيعة الثقافة التي يحملها الشعب البحريني بأن هؤلاء الاجانب جاءوا إلى البلد من بوابة القانون وفقهيا يجب احترام دمهم وعرضهم ومالهم لأنهم يعتبرون من أهل الذمة ويجب على الدولة ان تحافظ على سلامتهم وتوفر لهم الاستقرار الأمني... هذه الثقافة الفقهية جعلت البحرين والشعب البحريني محل تقدير لكل الأديان ولكل الطوائف وهذا ما نركز عليه من ثقافة التسامح. لست مبالغا إذا ما قلت ان الأجنبي في البحرين يتعجب كثيرا من تلك التحذيرات التي تطلقها بعض السفارات بين لحظة وأخرى... صحيح أن الحذر واجب ولكن هذا مطلوب في شكله الطبيعي فيجب عدم النفخ فيه. الاستقرار السياسي في البحرين لاشك في أنه دفع الأجواء الأمنية إلى الامام وكلما تمسكنا بالديمقراطية كخيار لإدارة العمل اقتربنا أكثر للاستقرار.
إذا التحذيرات الأميركية كانت مبالغا فيها وتسيء إلى سمعة بلد عرف شعبه بالتسامح بين الأديان فالمسافة ما بين بعض الكنائس والمساجد قريبة جدا لا يفصل بينها احيانا إلا شارع واحد. وهي مؤشر على طبيعة تفكير هذا المواطن. مملكة البحرين ستبقى دائما موقعا للأمن والاستقرار والطمأنينة. بدورنا يجب علينا كنخب ومثقفين وكمؤسسات مجتمعية ان نعمل على ترسيخ هذه الثقافة في عقول أبنائنا، ثقافة التسامح، ثقافة السلم، ثقافة الاحتجاج السلمي الذي لا يعطي لنفسه حق الغاء حياة الآخر. يجب ان نعلم أبناءنا أدب الاختلاف وأدب الحوار، وكيف يكون التعايش؟ وما هي حدود الاختلاف؟ كيف يناقشون قضاياهم من دون ان يلجأوا إلى الغاء الآخر ومصادرته بالعنف، فالاقناع يجب ان يكون بالحوار فالحوار هو ظاهرة قرآنية فهناك حوار جرى بين الله وابليس، بين الله وملائكته... يجب ان نتعلم كيف نتحاور في قضايانا المصيرية وها هو القرآن يصور لنا تلك الحكمة البالغة وصورة الحوار الجميل عندما خاطب الله نبيه موسى وأوصاه ان يخاطب فرعون الخطاب اللين الهادئ في بداية الأمر كاسلوب للاقناع فلعل ذلك انفع خصوصا مع عدم اغلاق الأبواب «اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا ليِّنا لعله يتذكر أو يخشى» (طه:43و44). اللين في الخطاب مسألة ضرورية يجب ان نضع تحتها ألف خط، يجب ان نتأملها لنعرف كيف نتعاطى مع بعضنا بعضا كمسلمين فلربما نعرف ان نتعاطى مع الآخرين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ