تثير ورقة غرفة التجارة والصناعة المنظِّرة لتشكيل «تكتل نيابي» للتجار، التي أعدها النائب الثاني لرئيس الغرفة عصام فخرو، أسئلة كثيرة تستحق التأمل. تنطلق الورقة من فرضية خاطئة، إذ تشير إلى «عدم وجود أي تكتل يُذكر داخل المجلس (المنتخب) لتمثيل القطاع الاقتصادي الحيوي»، وتعتبر الورقة ذلك «خللا في تركيبة مجلس النواب، لعدم احتوائه أبرز قطاع من تجار وصناعيين واقتصاديين على رغم من كونه القطاع الأهم». إن الواقع هو عكس ذلك تماما. ويبدو لي أن التجار هم أكبر كتلة في مجلسي الشورى والنواب.
قبل إثبات ذلك، أسأل: لم تجاهلت ورقة التجار مجلس الشورى، ولم تشر إليه أبدا، على رغم كونه الغرفة الثانية في المؤسسة التشريعية، وتحظى بصلاحيات تشريعية مساوية للغرفة المنتخبة؟ بالتأكيد فإن ذلك لا يرتبط بموقف سلبي من طرف التجار تجاه الغرفة المعينة، أو مطالبتهم بأن تقلص صلاحياتها، أو أن يقتصر التشريع على المنتخَبين.
إذا نُظر إلى الغرفة المعينة، فإن قرابة نصف أعضائها من التجار، أو عائلات تجارية معروفة، أو المستثمرين والصناعيين والمصرفيين المحترفين. فمن الأعضاء يوسف صالح الصالح، شقيق وزير التجارة والنائب الأول لرئيس غرفة التجارة والصناعة، ويمثل الغرفة في الكثير من المؤسسات الرسمية. وإبراهيم داود ابراهيم نونو صاحب شركات استثمارية مالية كبرى، وجلال أحمد العالي ابن الوجيه أحمد منصور العالي صاحب سلسلة شركات المقاولات الكبرى، وجمال محمد فخرو شريك في شركة تدقيق محاسبية شهيرة، وهو من عائلة فخرو المعروفة بنشاطها التجاري والسياسي البارز. وجميل علي المتروك الذي له نشاط واضح في قطاع المقاولات والعقار وهو شريك في مشروع أمواج. وخالد حسين المسقطي، مستثمر والمدير التنفيذي لمصانع المسقطي للمحارم الورقية. وخالد عبدالرسول الشريف شريك في مشروع أمواج، وله نشاطات عقارية أخرى. وسعود عبدالعزيز كانو شريك في مشروع أمواج، وله نشاطات عقارية أخرى، وهو ينتمي إلى عائلة كانو الغنية عن التعريف. وعبدالرحمن محمد جمشير العضو المنتدب لشركة استيراد، وهو مساهم وعضو في مجلس إدارة في عدة شركات مساهمة عامة ومقفلة، ويتقلد منصب النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، وكان يرأس جمعية سياسية قريبة من التوجه الرسمي. وعصام يوسف جناحي، وهو مستثمر ومصرفي محترف والرئيس التنفيذي لبيت التمويل الخليجي. ومحمد إبراهيم الشروقي مصرفي محترف ورئيس سيتي بنك الإقليمي. وفؤاد أحمد الحاجي صاحب مقاولات. ومحمد حسن رضي شريك في أحد مصانع الملابس الجاهزة. ومنصور حسن بن رجب الذي يملك دارا للصحافة والنشر.
إضافة إلى منصور محمد العريض وهو من عائلة لها نشاط تجاري وعقاري، وعبدالمجيد يوسف الحواج الذي تملك عائلته محلات الحواج الشهيرة.
فضلا عن مصطفى علي السيد، وعبدالرحمن عبدالحسين جواهري، وإن صح إنهما ليسا تاجرين، لكنهما صناعيان محترفان، ويعرفان أهمية الاستثمار واحتياجاته، وكذلك نعيمة فيصل الدوسري التي تشتغل في مركز مهم في أحد المصارف. كما يوجد أسماء أخرى قريبة من نفس التجار.
أما وجود التجار في مجلس النواب، فكبير أيضا.إذ إن ثمانية من أعضائه ينتمون إلى القطاع التجاري. أولهم رئيس المجلس خليفة الظهراني الذي يعد من كبار المقاولين. وأحمد بهزاد صاحب شركة مقاولات كهربائية وصحية. وعبدالعزير المير صاحب سلسلة سوبر ماركت كبرى. وعبدالعزيز الموسى الذي ينشط في قطاع المقاولات. وسمير الشويخ الناشط في قطاع بيع الذهب. وحسن بوخماس صاحب سلسلة محلات لبيع أدوات منزلية وغير منزلية. وعثمان شريف صاحب محلات خياطة للملابس الجاهزة، وجهاد بوكمال الذي يدير شركة للتجارة العامة. والشخصان الأخيران عضوان في مجلس إدارة الغرفة المنتخب. إضافة إلى عيسى بوالفتح وهو مصرفي متقاعد، وجاسم عبدالعال الذي كان شريكا في مكتب محاسبة.
إن عدد التجار والاقتصاديين والصناعيين (أو من في حكهم) في مجلسي الشورى والنواب يناهز ثلاثين عضوا، وهي نسبة كبيرة لا يتمتع بها أي قطاع آخر.
وبالتالي، فإن القول بأن التجار غير ممثلين في البرلمان غير صحيح البتة. وعلى الغرفة أن تبحث عن أسباب أخرى لضعف تأثيرها في القرار السياسي والاقتصادي.
وأشير هنا إلى تأثير كتلة النواب الديمقراطين (ثلاثة نواب)، أكبر بكثير من تأثير كتلة المستقلين (ثمانية نواب)، أو الكتلة الإسلامية (7 نواب)... فالتأثير لا يكون بالعدد فقط.
إن ورقة التجار لا تتحدث عن البرلمان باعتباره واحدا من الآليات للتأثير في القرار. وهي تركز تركيزا مخلا على المجلس المنتخب، دون رصد للحياة السياسية والقوى المؤثرة فيها... وحين يكون التشخيص غير مدرك لتعقيدات الحالة السياسية، فإن العلاج لن يكون موفقا بالضرورة.
تبحث غرفة التجارة عن موطئ قدم في مكان واحد فقط. ونسيت أن مجلس النواب ليس إلا واحدا من مواقع التأثير. وإن هناك مواقع أخرى مؤثرة، وتكون أكثر تأثيرا من البرلمان.
ويمكن للتجار الاستفادة من مؤسستهم العريقة لتحقيق ذلك، وهي المؤسسة التي ظلت خارج إطار اللعبة طوال سنوات خلت.
لا أعرف إلى أي مدى تدرك الغرفة أنها أصبحت تابعة، (وفي أحيان كثيرة تبعية عمياء) إلى الحكومة، ما يقلل من صدقيتها كطرف غير رسمي يفترض أن يكون مستقلا، ويتخذ قراره بناء على ما تمليه «المصلحة»، بيد أن «المصلحة» قد تملي أن يتفادى التجار وقوع مشادات بينها وبين السلطة التنفيذية.
إن العودة إلى مجمل البيانات التي أصدرتها الغرفة طوال السنوات الماضية، بما في ذلك البيانات السياسية التي يفترض أن لا تخوض فيها الغرفة بحكم قانونها الأساسي الذي يمنع انشغالها بالسياسية، فإن هذه البيانات تراها تتبنى كل مقولات الحكومة، دون أدنى تبصر أو ومحاولة لوضع مسافة بينها وبين الموقف الرسمي... الأمر الذي يخل في صدقية واستقلالية القرار.
والأكثر إثارة للدهشة إن مواقف التبعية استمرت حتى بعد ولوج البلد مشروعا إصلاحيا أعطى للجميع الحق في قول رأيه.
لا أظن أن موقف التبعية يرتبط فقط بكون الحكومة تمنح الغرفة سنويا نحو نصف مليون دينار (أي نحو أربعين في المئة من المصروفات السنوية للغرفة)، فضلا عن منح الحكومة الغرفة أرضا كبيرة بالقرب من مركز أرض المعارض في منطقة السنابس، وستقوم الحكومة بتمويل إنشاء مبني جديد للغرفة فيها بمبلغ يقارب ستة ملايين دينار، يمكن أن تمول بناء نحو ثلاثمائة وحدة سكنية...
إن تلك التبعية نتاج أسباب أخرى، لعل أهمها أن الحكومة هي التي تدير الاقتصاد وتمنح عطاياها (المناقصات وغيرها) إلى من لا يعصي قولها.
لم تمانع الحكومة مرة تدخل الغرفة، ولا غير الغرفة في العمل السياسي، مادام ذلك داعما لتوجهاتها. بل إن الحكومة هي التي تؤيد (وأحيانا تدفع) توجه التجار للعمل السياسي، ربما لأنها تعلم أنهم (كما أثبتوا مرارا) جزء من «مخزونها الاستراتيجي»، إن في وجه الجناح السلفي من الإسلاميين (شيعة وسنة)، أو في وجه معارضيها التقليديين.
إلى ذلك، فإن ورقة التجار تتجاهل تجاهلا كليا المواطنين ومصالحهم. وتتحدث عن مصالح التجار فقط.
أفهم أن على التجار الدفاع عن مصالحهم، لكن ربما على التجار أن يدكوا أن المواطنين هم الذين سيقومون بعملية الانتخاب، وبالتأكيد فإنهم سيعطون صوتهم إلى من يعبر عن آمالهم وطموحهم ويطرح مشكلاتهم ويسعى في حلها. وإذا كانت ورقة التجار لا تحاول ملامسة مشكلات الناس، وتركز على التجار، فإن الناس سيتجاهلون التجار أيضا ولن يمنحوهم الثقة، مهما بُذل من جهد إعلامي وغير إعلامي.
في جانب آخر، يلاحظ أن كلمة «الليبرالية» وردت مرات عدة في ورقة التجار، دون أن يتضح ما مفهومها. فهل الحديث هنا عن مفهوم «الحكم الصالح»، بما يتضمنه من شراكة في القرار بين الحاكم والمحكوم، وتداول السلطة، وانتخابات دورية، وسلطة تشريعة مستقلة، ومراعاة للشفافية وحقوق الإنسان... أم أن الليبرالية هي فقط الحرية الشخصية (وشيء) من الحرية الاقتصادية. ثم إن الورقة تركز على دعم «مرشحين ليبراليين»، وليس دعم شخصيات تجارية أو غير تجارية فاعلة. ألا يوجد تجار إسلاميون، أو ذوو طبائع محافظة، لكنهم أهل للثقة، ويستحقون دعما؟
أخيرا، لعل أفضل ما في الموضوع، هو الآلية «الديمقراطية» التي طرح بها. إذ نوقشت الورقة في مجلس الإدارة، تلاها مؤتمر صحافي، ثم لقاء موسع مع المهتمين، وهي مازالت قيد الدرس... ولعل في ذلك علامة إيجابية، يأمل كثيرون أن تقتدي بها مؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك جمعية «الوفاق» التي شكلت بين ليلة وضحاها هيئة للشورى، لم يتسن للمهتمين والناس درسها والتعليق عليها
العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ