كل مرة أزور فيها دبي أصاب بنوع من الاحباط عندما أقارن كيف تسير الأمور هناك وكيف تسير الأمور لدينا. قبل يومين كنت في زيارة أخرى وأحببت أن أقارن بين «بلدية المنطقة الوسطى» وفرع من «بلدية دبي» لانني قضيت الآن سنة واحدة لتخليص معاملة واحدة، ومازلت اعاني من مجلس البلدية.
ولأنني أيضا كنت قد زرت مدينة «زيوريخ» السويسرية عندما كنت مديرا هندسيا لاحدى الشركات البريطانية ومررت على مصانعها ومنشآتها وما لديها من خيرات كثيرة، فقررت ان أجري مقارنة بين بلدية «المنطقة الوسطى» و«زيوريخ» و«دبي».
في بلدية دبي لديهم الدائرة الاقتصادية لتخليص المعاملات من صغيرها إلى كبيرها، وما على الشخص إلا ان يذهب إلى الدائرة أو يتصل بها عبر الانترنت ويقدم طلبه لاقامة مشروع معين او لدفع فاتورة او لاي شيء آخر. بعد ان تقدم ما لديك لبلدية دبي فان عليك الانتظار ساعة واحدة اذا كانت المعاملة اعتيادية او الانتظار يومين او ثلاثة على الاكثر لتحصل على جواب حاسم في الموضوع. وفيما لو كان لك تظلم فان الابواب تفتح امامك ويحسم الامر خلال أسبوع او أسبوعين من دون لف او دوران ومن دون تغليب للصالح الخاص على العام.
عاودت سؤالي إلى محدثي في دبي: الانتظار ساعة او ساعتين، يوما او يومين، اسبوعا أو اسبوعين، وليس سنة او سنتين؟! كان رده: سنة واحدة... انت مجنون، خلال سنة واحدة تبنى مدينة كاملة في احدى اطراف دبي!
أصابتني الصدمة لانني أمضيت سنة واحدة مع بلدية المنطقة الوسطى لتخليص معاملة واحدة ولحد الآن لم تنته. وخلال هذه السنة زرت دبي عدة مرات وكل مرة تتغير المدينة وتكبر وتتطور، بينما انا مازلت أجاهد واناضل من اجل تخليص معاملة واحدة!!
عدت إلى نفسي وقلت: ربما ان هدفنا في البحرين هو تحويل المنطقة الوسطى إلى مدينة سويسرية مثل «زيوريخ»، وراجعت نفسي وتذكرت كيف انني زرت مصانع تلك المدينة ومؤسساتها ومن بينها أمور مشابهة جدا لما أحاول تخليصه من خلال مجلس بلدية المنطقة الوسطى... ولكن عدت إلى كامل عقلي وأكدت لنفسي اننا لو عملنا مئتي سنة من التنظيف والترتيب في المنطقة الوسطى فلربما نصل إلى واحد في المئة مما لدى زيوريخ. مع ذلك فان شروط اقامة مطبعة لصحيفة في زيوريخ أسهل من شروط البعض الذين يعترضون على اقامة مطبعة لصحيفة «الوسط» على شارع الاستقلال.
تنازلت عن فكرة دبي في تخليص المعاملات خلال ساعة او يوم او اسبوع، فنحن بحاجة إلى عشر سنوات على الاقل (ومع الجد والاجتهاد) من التطوير الاداري لكي نصل إلى هذا المستوى... وقررت ان اقارن وضعنا بزيوريخ، ووجدت ان متطلبات البعض في بلدية المنطقة الوسطى اصعب من زيوريخ لاسباب غير منطقية ومازلت أجهل حقيقتها، على رغم انني قرأت كل الاعتراضات «الظاهرية» التي لم تفصح ولو بكلمة واحدة عن السبب «الحقيقي».
لقد أوكلنا شركة هندسية لمتابعة المعاملة لسنة واحدة حتى الان (بدلا من تخليصها بانفسنا كما هو الحال في دبي)... وبعد ذلك مررّنا المعاملة على جميع المحطات القانونية، وحصلنا على رخصة من «حماية البيئة» بعد ان طبقوا على مشروع مطبعة «الوسط» الشروط التي يطبقونها على مصنع كيماوي. ثم كان تخليص المعاملة من «التخطيط الطبيعي» فالامر كان طبيعيا، وبعد ذلك «المعاينة الهندسية»، والأمر كان اعتياديا، وبعد ذلك «في اعادة تصنيف المنطقة» كما طلب مجلس البلدية ذاته، الذي ارجأ القرار الى حين اعادة التصنيف، واعيد التصنيف وسمح للمطبعة...
مع كل ذلك، فإن مجلس بلدية المنطقة الوسطى مازال في حال غير حال دبي او زيوريخ، ولا ندري اذا كان سيقوم باغلاق المطابع الاخرى على شارع الاستقلال، أو أن القرار يطال «الوسط» فقط لاسباب مازلنا نجهلها وننتظر شرحها بصدق وشفافية، فنحن في عصر يتلطب العدل والانصاف، فاما السماح للجميع او منع الجميع، لان الجميع يجب ان يكونوا سواسية امام القانون العادل والمنطقي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ