قبل أن أمسك القلم لأكتب هذه السطور كنت قد ذهبت إلى مقبرة مقابة الساعة 03,21 من ظهر أمس الأول "الاثنين" بعد تلقي أخبار عن تواصل أعمال دفن وردم المقبرة واجتياح قبور وعظام الموتى. ذهبت وفي مخيلتي صورة المقبرة قبل ثلاثة أسابيع، ولكن ما رأيته أمس الاول كان أشبه بما تشاهدونه على شاشات التلفاز في قطاع غزة، ولكن هذه المرة لم تكن الاجتياحات للمنازل وانما لقبور الموتى. وتعمدت أن أذهب لرؤية القبور التي زعمت الأوقاف أنها وهمية، وغاص حذائي في الرمل الناعم حتى وصلت إلى الجهة الشمالية من المقبرة لأتأكد من "نظرية" وهمية القبور التي تفتقت عنها عقلية الأوقاف. وما رأيته بعيني أن بعض هذه القبور "الوهمية" قد نبتت عليها أشجار عتيقة تكاد تتفحم من كثرة ما سفعتها أشعة الشمس، لو كنت أعرف أحدا من دارسي النبات أو حماية البيئة لطلبت منه تحديد اسمها وعمرها ليعطينا ما يثبت أو ينفي النظرية المذكورة. وبعضها الآخر "شاهدت قبرين على الأقل" انفتحت فيهما فجوات كبيرة بفعل تسرب مياه المطر حتى تكاد ترى جوف القبر، ما ذكرني بقبور عالي التاريخية التي تعود إلى آلاف السنين، والمستباحة هي الأخرى. المنطقة التي قالت الأوقاف إن قبورها "وهمية" شاهدت عليها آثار إطارات البلدوزر والشاحنات التي نقلت مخلفات الردم وانقاض البناء، بل ان بعض هذه الآثار كانت بين بعض القبور التي يبدو عليها سيماء القدم، وأنا أنقل للقاريء ما رأيته بنفسي من آثار هذه العجلات. مطالب الأهالي محددة ومنطقية، عقد اجتماع تشاوري لحل الإشكالات، على ان يتم وقف العمل إذا تبين المساس بالقبور حتى يتم عمل شهادة مسح جديدة، بعيدا عن نفوذ صاحب الحديقة، المتمصلح الأول من وراء مشروع الشارع، وإذا لم يتم إيقاف المهزلة فقد تعمد الصحيفة إلى نشر الوثيقة التي تتضمن عدة إشكالات، لتكشف للرأي العام من يقف وراءه هذه العملية، وما يعنيه من كشف اسم عائلته الذي ارتبط بمواكب العزاء في المنامة. المسألة التي تطرحها مقبرة مقابة أكبر من قضية رفات أجداد وحرمة موتى على رغم أهميتهما في الوجدان العام. العملية أكبر من ذلك، لأنها تكشف أحد جوانب الفساد والتلاعب، وتقدم لنا جانبا آخر من التلاعب بالأراضي الوقفية وغير الوقفية في البلد، وما سيتركه ذلك من انعكاسات خطيرة على الوضع الاجتماعي في المستقبل القريب، عندما تشح الأراضي ويتحكم في حركة العقار "مافيا" مجهولة الهوية مدمرة الأثر. بل إن البعض تنبأ بما يمكن أن يؤدي إليه هذا الاحتكار من نتائج مقلقة على الوضع السياسي، حين يعجز المواطن حتى عن امتلاك أرض، فضلا عن امتلاك منزل يؤويه وعائلته. إن السكوت اليوم على مقبرة مقابة، وقبلها مقبرة عالي الأثرية، وبعدها مقبرة توبلي وأبوعنبرة بالبلاد القديم، إنما يمهد الطريق لاستباحة أراض وقفية خصصت تاريخيا لاحتضان رفات الموتى، أما إذا تواصلت هذه الانتهاكات والتلاعبات، فسيسمع العالم عن نوع جديد من المشكلات في البحرين: أزمة قبور الموتى، كل ذلك لصالح المتنفذين الذين لا يشبعون، وماداموا لم يكتفوا بالسيطرة على البر والبحر، تراهم يبدأون في سلسلة الغارات على مقابر الأموات. ولأننا لسنا من طلاب العلم الشرعي، ولسنا من علماء الدين وأصحاب الفتوى، فإننا نوجه كلامنا إلى من يهمه الامر، لإيقاف الأوقاف عند حدودها، فالمسئولية اليوم تقع على عاتق العلماء الكبار. المطلوب تشكيل لجنة محايدة لكيلا نتهم في الصحافة بالانحياز إلى الأهالي، والاسماء المدعوة على رأسها السيد جواد الوداعي "باربار" والشيخ عيسى أحمد قاسم "الدراز" ولا تنتهي بالشيخ نجاتي "المحرق"، مرورا بالشيخ المحفوظ "بني جمرة" والشيخ احمد العصفور "المنامة" والسيدالغريفي "النعيم"، والشيخ حميد المبارك "عالي" وغيرهم من أصحاب المسئولية الإجتماعية، لتقوم بزيارة الموقع لمعاينة القبور التي انتهكت، ومشاهدة آثار الشاحنات، موافاتنا بالرأي الشرعي: هل يجوز شق شارع في المقبرة من أجل حديقة أحد المتنفذين؟ هل يحل ردم قبور الموتى وإزالتها وجلب مخلفات البناء لوضعها في المقبرة؟ نحن كمراقبين نطرح هذا الحل للخروج من الإشكال، وحفظ حقوق القرية واحترام حدود الوقف الشرعي لما خصص له، وبقاء المقبرة أمام هذا الزحف "البرجوازي" الفاسد الذي يشارك فيه بعض المسئولين في الاوقاف، الذين وضعوا ايديهم في أيدي المتنفذين، لكيلا يأتي زمان يصبح فيه القبر بالايجار
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 670 - الثلثاء 06 يوليو 2004م الموافق 18 جمادى الأولى 1425هـ