العدد 669 - الإثنين 05 يوليو 2004م الموافق 17 جمادى الأولى 1425هـ

«جميع الحكومات التي عاشت خارج إرادة شعوبها انتهت»

محمد الانصاري comments [at] alwasatnews.com

«جميع الحكومات التي عاشت خارج إرادات شعوبها انتهت»، قال هذه الجملة جلالة الملك في حديث طويل أثناء زيارة وزير خارجية المغرب وأمين عام منتدى أصيلة المغربي محمد عيسى ليشارك في ملتقى البحرين أصيلة للثقافة والفنون في ابريل/ نيسان الماضي وبحضور بعض الوزراء ومستشار جلالة الملك للثقافة والعلوم واللجنة المنظمة للملتقى وعدد من ضيوف الملتقى، وذلك في لقاء مع جلالته في قصرالصافرية. وأعتقد ان هذه الجملة كافية لتحدد سياسة البلد المستقبلية ولتضع النقاط على الحروف ولتوضح لأعضاء المطبخ السياسي في الحكومة والمعارضة على حد سواء أن القيادة حسمت أمرها على المضي قدما في المشروع الإصلاحي، وانه لن يقف شيء في وجه هذه الرغبة مهما غلظت أو صعبت.

كما توضح العبارة أن القرار اتخذ ولا عودة فيه، فلا يصرح بمثل هذا الأمر رأس الدولة وبحضور ضيوف مهمين بهذا القدر إلا وهو يعني ما يقول جملة وتفصيلا. بل انه اختار الوقت والمجلس المناسب للإدلاء بهذا التصريح، إذ ان الجمع كان يعد لندوة سياسية يشارك فيها عدد من المفكرين والساسة العرب بشأن الديمقراطية والتنمية، ليوصل هذه الرسالة إلى الداخل والخارج بالتصريح المباشر الذي لا يحتمل أي تأويل أو أية وجهة نظر قد يتطور إلى اختلاف وتباين في التفسير، وليستطيع الجميع التعاطي مع الخطاب من غير ضبابية.

وللمراقب أن يقرأ ما بين سطور هذا الخطاب ويتمعن بتطورات الحوادث في الشهرين الماضيين ليستطيع تفسير المستجدات وبالتالي يمكنه أن يفهم سر التغيرات في وزارة الداخلية والتي لم تقف عند التغيير الشكلي لتصل إلى الخطوط التي كانت محرمة في السابق، بل وتطمح للتغيير الجذري والذي قد تطال قوانين وأعرافا رسخت منذ سنوات بعيدة ورؤوس كبيرة كانت تقسم بها. هذا إلى جانب فتح باب الحوار الذي يُخطط له أن يتطرق إلى نقاط الخلاف وجذوره ومع جميع أطياف الساحة السياسية ليأتي ذلك عبر تداولات شيء منها علني وكثير منها بهدوء تام وبعيدا عن وسائل الإعلام وذلك عبر قنوات عدة منها وزارة العمل والشئون الاجتماعية، فضلا عن دخول بعض الجمعيات السياسية وبعض النشطاء المستقلين على الخط ومحاولتهم المساهمة في دفع تجربة الحياة البرلمانية إلى الأمام من خلال الدفع لمشاركة سياسية أوسع.

طبعا هذا لا يعني - في اعتقادي - ان المشروع سيقتصر على بعض التعديلات في الداخلية والحياة النيابية فقط بل لو اقتصر الأمر على هذين الملفين فقط لما كان التغير ذا معنى إذ إن المرحلة تتطلب الديناميكية في العمل السياسي وعدم الوقوف عند نقطة، ولكن إلى أين هذه الخطوة وما هي أجندة الحكومة والمعارضة؟ ما الذي تريده المعارضة؟ وما الأشياء التي على استعداد أن تقدمه الحكومة؟ هل هناك مساحة اتفقت فيه الرؤى؟ ماذا بعد هذا الحوار؟ وأسئلة كثيرة تطرح نفسها عند طرحنا موضوع الإصلاح والتطوير.

ولكن ومع ما أسلفناه عن التغيير وبشائر الإصلاح في بعض المؤسسات الرسمية التي لم يطلها التغيير المباشر إلا أخيرا، ومع علمنا واطمئناننا إلى الرغبة الجادة والحقيقية في الإصلاح من قبل الحكومة ممثلة في المشروع الاصلاحي، علاوة على قناعتنا بأن الأطياف السياسية في البلاد لديها الرغبة نفسها، غير أن البلدان لا تتطور بالرغبات ولا بالأماني ولا بالنوايا الحسنة لوحدها فقط، بل إن البناء والتطوير يحتاج إلى عمل جاد وممنهج ومدفوع بعزم العاملين فيه وخطواتهم الجريئة، نتحمل سويا مسئولية المبادرة أو على الأقل الرد على المبادرة، إذ إننا بتنا نحتاج إلى خطوات جريئة من قبل الأطراف جميعا ويكون واجبا عليّ أن اقترح بعضا منها ليتبادل الأطراف المبادرة بالجواب.

إنني أعتقد أن على الحكومة أن تسعى لتغيير جذري حقيقي سريع في وزارة الداخلية والتي بدأت فعلا على يد وزيرها الجديد لتتجاوز صغار الموظفين إلى بعض كبار الضباط وخصوصا تلك المجموعة التي لم تستطع الانخراط في مشروع عاهل البلاد وذلك بإحالتهم إلى التقاعد. كما انه من الضروري رفع المستوى العلمي والتخصصي للعاملين في وزارة الداخلية ووضع أسلوب منهجي لتعيين وترفيع الافراد والضباط في الوزارة. كما نعتقد انه بات ضروريا أن تبادر الحكومة بتوسيع وجود الأطياف والتلاوين البحرينية بتعددها واختلافها في الوظائف الرسمية العليا، علاوة على تخصيص مقاعد في مجلس الشورى وبقية المجالس المعينة للجمعيات السياسية ذات الثقل لإشراكهم في المشورة والرأي.

أما ما نعتقده ضروريا أن تسرع الجمعيات وخصوصا التي لم تدخل البرلمان منها أن تطرح مشروعاتها من داخل قبة المجلس التشريعي وتحاول الإصلاح من الداخل. ومن الضروري أن توقف هذه الجمعيات محاولاتها إقحام مؤسسات خارجية في التجاذبات الداخلية، وإذا أرادت الأطياف المعارضة أن تأتي بمشروع فإنه نقترح أن تعدل تاريخ يوم الشهيد إلى تاريخ اكثر تناسبا وانسجاما مع التقويم البحريني، مع الوضع في الاعتبار ضرورة المحافظة على استمرار يوم الشهيد تخليدا لذكرى الشهداء البحرينيين في مختلف الفترات.

أما فيما يتعلق بالملفات الخلافية الكبيرة كملف التجنيس والخلاف الدستوري وغيرها من الملفات التي شغلت الجميع عن التنمية الاقتصادية وتنمية مدخول الفرد وتنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات للبلاد، فإننا نعتقد بأنه لن تبقى هذه الملفات موضع خلاف أو تنازع بل إنها ستتحول إلى موضوعات للبحث وإيجاد الحلول على أرضية الثقة المتبادلة وافتراض حسن النية، هذا إذا تم تبادل المبادرات الحسنة والودية، كما وإنها ستقيم بعضها وسيقيمها المواطن عبر مقدرتها لدفع الملف الاقتصادي وفي التعامل مع البرامج الإنمائية التي تمس حياة المواطن.

هل ستأتي هذه المرحلة قريبا أم إن ما أقوله هي مجرد أحلام لا تمت للواقع بشيء؟ أرد على هذا السؤال بأن الميثاق الذي شارك في صنعة كل الشعب البحريني وصوت عليه بنعم نسبة 98,4 في المئة من الشعب ونقل البلاد من حال إلى حال هذا الشعب وبالطموح والرغبة والنية الحسنة جميعا، لايزال موجودا ويستطيع أن يطور وطنه ويطرح المبادرات والرؤى الواحدة تلو الأخرى وخصوصا أن الناس زادوا إدراكا ووعيا بوسائل الديمقراطية وآلياتها وأساليب تطويرها.

* رئيس لجنة التميز بجمعية الحريات العامة

العدد 669 - الإثنين 05 يوليو 2004م الموافق 17 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً