العدد 669 - الإثنين 05 يوليو 2004م الموافق 17 جمادى الأولى 1425هـ

تحدياتعربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تتغذى التحديات الفلسطينية والعراقية من سياسة عربية قامت منذ قرابة 60 عاما على استراتيجية نشر الأوهام. فالفكر العربي حالم في جوهره. وهذا ليس عيبا، فمن يحلم يفكر في المستقبل، ولكن تضخم الأحلام على حساب الواقع (الحاضر) أنتج سلسلة أخطاء أثمرت في النهاية خيبات أمل من المحيط الى الخليج.

عاشت الجماهير العربية نصف قرن تنتظر الفرج وتراهن على مستقبل أفضل وكانت النتيجة ان الحال لم يتحسن سوى في بعض التفصيلات والجزئيات بينما تقهقر في الكليات.

المشكلات العربية تتمظهر الآن في تلك الشعارات الكبرى التي نهضت عليها مدارس ايديولوجية وأنظمة وانقلابات وحركات شعبية وصلت في مسارها العام الى حائط مسدود. الآن بدأ الارتطام بالحائط وأخذت المفاهيم تنقلب عكسيا وظهرت في أكثر من مكان حالات ارتداد ضد الشعارات (الأهداف الكبرى) نفسها.

هذا الارتداد خطير لأنه لا يميز بين صحة الشعارات (الأحلام) وبين الأخطاء التي ارتكبت ضدها في المسيرات السياسية. فالأهداف من نوع الوحدة العربية والسيادة والاستقلال ووحدة المصير وتحرير فلسطين وبناء مجتمع حر وعادل هي صحيحة ولا غبار عليها. إلا ان المشكلة كانت في تلك المدارس والأنظمة التي حملت تلك الشعارات المهمة وأقدمت عمليا على تفريغها من مضمونها الإنساني - التاريخي وحولتها الى وسائل للتخويف والتسلط والدفاع عن مصالح صغيرة وعصبيات ضيقة. وهذه السياسة السلبية ارتدت في النهاية على أصحابها ودفعت الكثير من الناس الطيبين والمخلصين والشرفاء الى التخلي عن ماضيهم وركوب موجة الاجتياح الغربي (الأميركي) للمنطقة والسكوت حتى عن أفعال شارون وجرائم الاحتلال الصهيوني.

كيف يمكن أن تنتج الأفكار الطيبة سياسة خاطئة؟ وكيف يمكن إعادة الاعتبار لتلك الأفكار في ظروف بالغة الصعوبة؟

أسئلة بحاجة الى أجوبة نقدية تبدأ بقراءة أوهام التجربة والمنطلقات التي اعتمدتها كسياسة عامة. فالخطأ بدأ حين قرأت تلك المدارس الأهداف وكأنها وسيلة للحكم وليس الحكم هو وسيلة لتحقيق الأهداف. وبسبب تغيّر الغاية الى واسطة والواسطة الى غاية اختلطت المفاهيم وتبعثرت وانقلبت في الأخير الى الضد. وأسهم هذا التداخل في نهاية المطاف الى انتاج دويلات لا تحترم شعوبها وتهاب طموحاتها وتتخوف من المكاشفة. والمكاشفة في أساسها تبدأ من المصارحة وهي مصارحة الناس بأن تلك الأهداف صعبة المنال إذا لم تترافق مع تأسيس تحولات في علاقات الدولة بالمجتمع تنتج قوة قادرة على تحمل الضغوط الدولية والإقليمية الرافضة للبرنامج العربي، وما يتضمنه من دعوات لها صلة بالوحدة والتحرير والعدالة.

لاشك في أن الأنظمة تتحمل مسئولية كبيرة في تدهور الوضع وتقهقر الأهداف، إلا أن مسئوليتها تقتصر على الداخل وليس الخارج. فالخارج (العوامل الدولية والإقليمية) لعب دوره في كسر الإرادة العربية مرارا حين أصر على وضع سلسلة ممنوعات أمام العرب لقطع الطريق أمام الأحلام. ومع الأيام تحولت تلك الأحلام الى أوهام عربية ومهمات مستحيلة.

هذا الواقع الذي وصلت إليه المنطقة العربية يتطلب إعادة النظر في السياسة. وحتى تكون السياسة صحيحة لابد أن تكون واقعية. والواقعية لا تعني التخلي عن الأهداف الكبرى بل اتباع منهاج عمل يعتمد الصراحة والوضوح في كشف العقبات التي تعطل إمكانات التقارب العربي - العربي مثلا، ومنع المنطقة من دخول فترة هدوء واستقرار، وتشجيع «إسرائيل» بالمال والسلاح والإعلام لدفعها نحو تقويض كل اتفاقات السلام التي تتوصل إليها مع أطراف عربية.

الممنوعات الدولية كثيرة. فالسلام الدائم والنهائي غير مسموح به وأميركا تميل نحو عقد ترتيبات أمنية - سلمية مؤقتة. والإصلاح الاقتصادي الشامل والحقيقي من الممنوعات الأميركية وواشنطن تفضل اتخاذ إجراءات اقتصادية ترقع المشكلات ولا تحلها. والوحدة العربية ممنوعة والإدارة الأميركية تميل الى علاقات عربية مراقبة دوليا حتى لا تتطور الى نوع من التنسيق والاتحاد. والاستقرار الدائم بين الدول العربية غير مسموح به حتى لا تفتح الحدود ويسمح بانتقال السكان بحرية بين بلد عربي وآخر. وعلى المنوال نفسه يمكن قياس ما تبقى من أهداف عربية كبرى لها صلة بفلسطين والوحدة والدولة العربية الواحدة. فالممنوعات كثيرة وعلى رأسها ثلاثة: علاقات عربية - عربية متطورة، عودة فلسطين والسلام والاستقرار، وأخيرا قيام نهضة عربية حرة ومستقلة.

هذه الممنوعات الدولية يجب قولها صراحة ويجب على الدول العربية الاعتراف بوجودها وعجزها عن مقاومتها. فالمكاشفة ليست عيبا فهي على الأقل تحاصر الكثير من الأوهام العربية وتحد أيضا من تغذية الأوهام الفلسطينية والعراقية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 669 - الإثنين 05 يوليو 2004م الموافق 17 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً