فيما كان الأكراد ينتظرون ما وعدت به السلطات السورية من إعادة الجنسية وإزالة الثغرات بين الأكراد والوطن، فوجئ الأكراد بالنبأ غير السار إذ بدلا من أن يخبرهم (النبأ) بإعادة المواطنة، أخبرتهم الجهات الأمنية بأن القيادة أصدرت قرارا تمنع من خلاله النشاط السياسي الكردي.
القرار الذي صدر من قبل القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري بشأن حظر نشاط الأحزاب الكردية أثار موجة من الغضب في الأوساط الشعبية والحزبية الكردية لأنها تضع الأكراد مرة أخرى في خانة التمييز وربما لهذا السبب قابلت الأحزاب الكردية القرار الذي تم تبليغه بواسطة الفروع الأمنية بالرفض، هذا كان واضحا في البيان الذي صدر من قبل مجموع الأحزاب الكردية وعددها (12) والذي جاء فيه: «إن الأحزاب الكردية تستمد مشروعيتها الفعلية من تمثيلها للشعب الكردي... الذي يفوق تعداده المليونين ونصف المليون ويعاني من سياسات استثنائية تخالف المواثيق والأعراف الدولية كافة، بما فيها شرعة حقوق الإنسان، وتسعى جاهدة إلى وضع حلول عادلة لقضيته عن طريق النضال السياسي السلمي، وخصوصا الحوار الديمقراطي مع السلطة والقوى السياسية، الأمر الذي ينفي عنها أية صفة مخلة بأمن الوطن».
من دون شك إن القرار الذي لقي الامتعاض الشديد من الأوساط السياسية الواسعة وضع الأكراد في خانة التمييز لأنه وحسبما صرح بعض المسئولين للأحزاب (العربية) خارج الجبهة بأن القرار الذي بُلّغ الأكراد به لا يشمل أحزابهم، وبالتالي يفهم من حديثهم أن القرار كان حصرا موجها ضد الأكراد وليس غيرهم، الأمر الذي دفع بالأكراد بتوصيف هذا التدبير غير المعروفة عواقبه بأنه يساهم في «إلحاق أفدح الأضرار بالوحدة الوطنية والجبهة الداخلية، لأنه يؤدي إلى عزل جزء كبير من الشعب السوري ممثلا بهذه القوى السياسية في الوطن في وقت هو بحاجة ماسّة إلى مثل هذه اللحمة الطوعية بين أبناء الشعب». (بيان مجموع الأحزاب الكردية)
ربما لا يختلف أحد على الأسباب التي دفعت الأحزاب الكردية إلى رفض القرار، الكل يجمع على رأي واحد هو أن القرار خاطئ من حيث الشكل والمضمون والتوقيت، من حيث الشكل: يرى المراقبون أنه ما كان مقبولا لدى الأوساط السياسية أن يتم تبليغ قرار سياسي لجهة سياسية من خلال الجهات الأمنية، إذ أثبتت الوقائع خصوصا في سورية بأن إقحام الأمن في المسائل السياسية يعوق الحل ولا يخدم الهدف المرجو وتجربة الأمن في حوادث القامشلي مازالت أمام الأعين، فكيف إذا يكون الأمر مع الأوساط الكردية؟ لأنها (الأوساط الكردية) لم تأخذ وقتا كافيا لنسيان ما جرى معهم من حوادث مؤسفة، ولأن الأكراد يحمّلون الأمن مسئولية كل ما جرى من حوادث في مناطقهم، ولا نستغرب من أن الأكراد الذين يواجهون الضغوط، يرون أن تفاقم الأمور في المناطق الكردية كانت أسبابها تعود إلى المعالجة الأمنية للحال الكردية.
أما من ناحية المضمون يرى المراقبون أنه ما كان على السلطات السورية التفكير بهذا الشكل، كان المطلوب منها التفكير في كيفية اتخاذ التدابير اللازمة بشأن العمل لأجل نقل ما صرح به الرئيس بشار الأسد بشأن حقوق الأكراد إلى واقع عملي فما صرّح به الرئيس والذي وصفته الأحزاب الكردية المجتمعة بأنها تصريحات إيجابية كان شيئا مهما واتى في وقته، إذ قال الرئيس في حواره مع قناة الجزيرة: «... والقومية الكردية جزء أساسي من النسيج السوري ومن التاريخ السوري، ومندمجة بشكل كامل».
ومثلما لقي مضمون وشكل القرار انتقادات من قبل الأوساط السياسية، فإن التوقيت أيضا يعاني من عدم القبول، إذ يُتهم من قبل بعض الأوساط بأن السلطات السورية أخطأت في هذا الأمر أيضا، ويعزو بعض المراقبين الأمر إلى الوضع السوري الدولي والإقليمي إذ تمر سورية في هذه المرحلة في طريق حرج وصعب حيث هناك عقوبات أميركية وهناك ضغوط عليها، بمعنى آخر فان الوضع في سورية لا يتحمل توتير البيت الداخلي الذي أساسا يعاني من هشاشة في كثير من الأحيان. فبدلا من أن تفكر السلطات السورية في ترتيب البيت الداخلي وتقويته لمواجهة المخاطر والتحديات لجأت إلى الطعن في المشهد السياسي ويجمع الكل بأن ما يمارس على الأرض يخالف الممكن، إذ ليس من مصلحة سورية (الدولة - النخبة) المتابعة في تنفيذ هذا التعميم الذي لقي معارضة قوية من اتجاهات سياسية متعددة في سورية حتى في داخل السلطة (أطراف الجبهة الوطنية التقدمية).
في الحقيقة بررت السلطات بأن الدولة هي في طريقها لإصدار قانون الجمعيات. لكن ثمة من يرى بأنه كان يمكن إصدار قانون الجمعيات والنوادي قبل هذا التعميم ويسقط هذا القانون على الأحزاب الكردية، عندها كان بالامكان أن تطلب السلطات من الأكراد أن يقيسوا أنفسهم بحسب القانون الجديد.
والحال إن القرار الجديد يعاني من صعوبة في التنفيذ لأن الأحزاب الكردية لن تقبل حلّ نفسها من دون إصدار قانون الأحزاب الأمر الذي سيجعل السلطات تجد صعوبة في قصم ظهر الحركة الكردية إذ إن هذه الحركة وجدت نفسها في أحلك الأيام بدءا من أيام الوحدة السورية المصرية (كان في ذلك الوقت قد حلّت جميع الأحزاب نفسها عدا الحركة الكردية والحزب الشيوعي) إذ إن أنصار أول تنظيم كردي (الحزب الديمقراطي الكردي في سورية الذي تأسس في صيف 1957) واجهوا سياسات القمع في تلك المرحلة بدءا من الملاحقات وانتهاء بزجهم في السجون.
من الصعب إنهاء الحركات الكردية بهكذا طريقة وليس من السهولة بمكان طعن الحركة التي هي في طريقها إلى سدّ الثغرات بينها وبين الشارع الكردي، يمكن القول إن نهار اليوم لا يشبه البارحة، فالحركة الكردية اليوم لها علاقات مع المعارضة الداخلية السورية وهي متكيفة مع المعارضة من جهة ومن جهة أخرى لها ثقل في الأوساط الأوروبية إذ هناك أكثر من (500) ألف كردي سوري مهاجر.
اعتقد أن الدولة والجهات الأمنية أخطأت في قرارها هذا ولعل الخطأ الأول يكمن في آلية تفكير الدولة بهذه الطريقة وكان يُفترض منها (أي الدولة) أن تخلق ظروفا تؤسس لترتيب البيت الداخلي بعيدا عن خلق التمايز في النشاط السياسي. من هم الأكراد؟ أليسوا سوريين؟! ولأنهم سوريون فيجب أن تقاس أمورهم مع أمور كل السوريين.
ومن المستغرب أنه بمجرد ظهور النبأ سارعت كل الاتجاهات السياسية السورية إلى الخروج باستنتاج مفاده أن الأكراد هم المقصودون بهذا القرار، فالقرار موجه بالدرجة الأولى إلى الأكراد وهذا ما يدفع المرء إلى التفكير جليا في أن هناك خطة موجهة ضد الأكراد فبعض الجهات المتطرفة القومية في الدولة فشلت في قمعها للأكراد ولم تنجح في قصم ظهرهم فسرعان ما بحثت ترتيب خطة أخرى وهي الخطة التي تدفع الأكراد إلى أخذ الاتجاه المتطرف في تعاطيها مع المسألة السياسية السورية والذي الدولة في غنى عنه. الأكراد وربما غيرهم يستغربون من القرار وذلك لأن مصدر القرار يقال عنه انه من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي قام بتبليغ القوى السياسية الكردية بواسطة جهات أمنية متعددة، ومصدر الغرابة ليس هنا بل في القرار أساسا، يصدر القرار من حزب سياسي (حزب البعث العربي الاشتراكي) وهو حزب غير مرخص لأن سورية تفتقر إلى قانون ينظّم الحياة السياسية وكما أن هذا الحزب يصدر القرار من دون مراجعة الأحزاب المتحالفة أو الشريكة معه في الجبهة الوطنية التقدمية. في الحقيقة إن القرار يشتت موقف الأكراد في هذا الصدد، فهناك من الأكراد من يلوم الأطراف الكردية التي ذهبت إلى الأمن وتبلغت القرار منها من دون الخوض في المناقشة. وهناك من يبرر ذهابها (الأحزاب) إلى الأمن بأن هذه القوى هي قوى سورية وهي تنشط وتطالب وتناضل في الدولة السورية، وهي بذلك ستقبل الذهاب إلى الجهة الأمنية أو أية مؤسسة لها وجود في سورية الغاية منه التواصل وليس البقاء في دائرة العزلة. أما الجهة التي تتقد الأحزاب الكردية فهي الجهة التي في الأساس ليس لها وجود في سورية بل نشأت وأعلنت عن الأحزاب في الخارج، المهم في هذه الأحوال هو أن الأحزاب الكردية السورية قابلت القرار بالرفض.
بقي أن نقول إن القرار ستكون له تبعات وتأثيرات ستنعكس سلبا على المجتمع السوري، وبدا واضحا أن الأكراد سيمارسون نشاطهم المعتاد وإن لم يكن هذا فإن الأمر سيدفع الساحة الكردية إلى تشكيل صراع سياسي ربما هذا الصراع سيخلق أحزابا وتنظيمات جديدة متطرفة وعندها سنكون عاجزين عن السيطرة عليها بسهولة. الأمر الذي سيزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي والقومي وسيكون لهذا الاحتقان دفع ثمن ربما يكون أعلى من الثمن الحالي.
* كاتب كردي عراقي
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ