ترى، هل أخطأت الجمعيات التسع «المشاركة» حين اجتمعت مع وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي يوم الاثنين 28 يونيو/ حزيران الماضي؟ هل كان من الأفضل أن ترفض الجلوس مع وزير تنفيذي، لمناقشة أمر تشريعي من الطراز الأول، خصوصا أنها تؤمن بأن أي تعديل دستوري لابد وأن يمر عبر المؤسسة التشريعية القائمة؟ هل كان خطأ أن تقبل عقد اجتماع كل أسبوعين مع العلوي، من دون أجندة واضحة؟ وكأنه رد على اتفاق الحكومة و«المقاطعين» على عقد اجتماع أسبوعي؟ هل جلوسها، وقبولها تكرار الجلوس يعني الإقرار بأن البرلمان الذي أيدت الدعوة إلى انتخابه (وليس بالضرورة لها ممثلون فيه) «لا يملك مفتاح العريش»؟ أم هو قبول بأن «المقاطعين» يملكون من الأوراق ما لا يمكن تجاهله؟ أم تأكيد جديد على أنها لا تقول لكل دعوة حكومية «لا» بغض النظر عن توقيتها وفائدتها؟
يجدر بالملاحظة هنا أن دعوة هذه الجمعيات (المنبر التقدمي، الوسط العربي، المنبر الإسلامي، الأصالة، التجمع الوطني، المنتدى، الميثاق، الرابطة، الشورى) جاء بمبادرة رسمية، على عكس «المقاطعين» الذين طلبوا الدخول في «تفاوض»، وليس جلسات استماع، وأصروا على لقاء الحكومة منفردين، ونجحوا في ذلك، إلى درجة باتت الجمعيات «المشاركة» في حرج، بل وبعضها في حرج شديد، وكذا السلطات الرسمية، التي يبدو موقفها من قبول عقد جلسات خاصة مع «الرباعي» مثيرة للحيرة والدهشة.
غير بعيد عن الواقع، النظر إلى الجمعيات الأربع (الوفاق، العمل الديمقراطي، التجمع القومي، العمل الإسلامي) على أنها تحالف دستوري، حتى لو صح القول إن «الوفاق» هي عموده الرئيس، وأن هذا التحالف قد ينفك تماسكه في القضايا الأخرى، بما في ذلك قضية الحريات التي ينظر لها كل طرف نظرة مختلفة، تتسق ورؤيته «العلمانية» أو الدينية إلى ما يدور حوله... بيد أنه لا يصح مطلقا النظر إلى الجمعيات التسع على أنها كتلة واحدة، سواء في القضية الدستورية التي هي لب الإشكال السياسي القائم، أو المسائل الأخرى، مثل النظر إلى الدين ودوره في الحياة، والعلاقة مع السلطة.
الجمعيات التسع لم تعقد اجتماعا واحدا لتنسيق مواقفها، لا بشأن الدستور أو أية قضية أخرى. وإذا كانت الحكومة تأمل من دعوتها تشكيل تحالف مضاد لـ «التحالف الرباعي»، فإنها لم توفق، ويستبعد أن توفق، وإن وفق «الرباعي» في إيغار صدور بعض هذه الجمعيات ضده، حين أصر على استبعادها من الحوار.
ما الذي يجمع بين المنبر التقدمي (العلماني) والأصالة (السلفية)؟ أو بين المنبر التقدمي (المعارض) والميثاق (الموالي)؟ أو بين المنبر التقدمي (اليساري، المعارض) والمنتدى (الليبرالي، المحافظ)؟ أو بين المنبر التقدمي (المحارب لتشكيل أحزاب على أساس الطائفة) والتجمع الوطني (الذي يلعب لعبة الطائفة بامتياز)؟
وإذ أكرر اسم «المنبر التقدمي»، لأنه و«الوسط العربي»، يبدوان الأكثر حرجا، بعد اجتماعات «التحالف الرباعي» والحكومة التي تبدو ناجحة، والتي إذا سارت على نفس الوتيرة، فإنها قد تعطي وجاهة للخطاب «المقاطع» الذي رفض على طول الخط الجلوس على طاولة تجمع «من هب ودب»، على حد تعبيره، تضيع فيها الأولويات.
الجمعيات التسع دعيت لأنها فقط اشتركت في الانتخابات النيابية، لا لأنها صاحبة رأي أو موقف أو مطلب، ما يجعل التقاؤها مع العلوي، خصوصا من دون وجود الرأي الآخر، ليس ذا قيمة عملية.
بل ربما يكون الاجتماع عبئا على بعضها. سواء لـ «الأصالة» التي لا ترى حاجة للتعديلات الدستورية، أو «المنبر الإسلامي» الذي يدعي مطالبته بإجراء تغيير دستوري، أو «المنبر التقدمي» و«الوسط العربي» المطالبتين بإجراء تعديلات دستورية يقرها مجلسا الشورى والنواب.
مهما حاول بعض المشاركين القول إن اللقاء مع العلوي تناول مجمل المشروع الإصلاحي، فإن هذا لا يخفي بأن الاختلاف بشأن الدستور هو الذي أدى إلى إشكالية المقاطعة، وتأمل الدولة حلها، من خلال الحوارات الدائرة.
يبدو أن جلسة العلوي مع المشاركين تحصيل حاصل، وتطمين لبعض الجمعيات التي يساورها الشك في إقصائها، فضلا عن إطلاعها على آخر التطورات. وهذه أهداف لا تحتاج إلى اجتماع، أو اجتماع معلن وخاص. ويمكن أن تصل المعلومات عبر وسائل أخرى... إلا إذا كان الهدف من هذ اللقاءات جميعها بمثابة «مخزون استراتيجي» للحكومة، وهذا ليس من مصلحة الجمعيات على أي حال، فهي مصلحة رسمية، ورقة ضغط على الجمعيات الأربع. أي أن الجمعيات التسع قد تكون ورقة بيد الحكومة تلعب بها متى أرادت.
أكثر من ذلك. فإن حرج «المشاركين» سيزداد الآن مع تقديم «المقاطعين» ورقة عمل، تضرب مقولات الحكومة. وقبول مناقشتها (ورقة المقاطعين) في الأسبوع المقبل، بحسب ما صرح الطرفان، يعني أن طريق المفاوضات أخذ بعدا جديدا، يزيده أهمية الاتفاق على إطار زمني لانهاء المفاوضات.
ربما يكابر «المشاركون» وينفوا التحليل السابق. لكن يمكن أن يسألوا أنفسهم عن أجندة اللقاء الذي سيعقد بعد نحو عشرة أيام: هل سيتفقون على إطار زمني، كما فعل «المقاطعون» أمس الأول؟ وإذا قرروا ذلك، فما الأجندة التي سيتم مناقشتها في هذا الإطار الزمني؟
لذلك، ربما يكون من المناسب للجمعيات «المشاركة» أن تعيد النظر في لقائها مع العلوي وأهدافه، مع الإشارة إلى أن بعض المشاركين يتمنون فشل اجتماعات العلوي مع المقاطعين، كما سبق وتمنى بعض المقاطعين فشل البرلمان.
ومع ذلك، فإنه من المبكر القول إن المقاطعين في موقف قوة، قد يكونون كذلك ظاهرا، أو مؤقتا، فنجاح مفاوضات الإجراءات لا يعني نجاح مفاوضات المضمون التي ستبدأ في سبتمبر/ أيلول المقبل. خصوصا أن المقاطين أصبحوا وجها لوجه مع الحكومة، ربما من دون غطاء لوبي الدستوريين الذين لم يشاركوا في المفاوضات، ووجود عبدالوهاب هو الأساس لتوحيد الجبهة «الوفاقية»، بل ليس من المبالغة القول إن مشاركته، بصفته «وفاقيا»، أضعف موقف لوبي الدستوريين.
لا يصح أن تنتشي الجمعيات الأربع كثيرا وهي في بداية الطريق. يجدر بها أن تستفيد من مهلة الشهرين (يوليو، وأغسطس) لتقويم أدائها، وكذا على كل جمعية وفصيل أن يفعل. وقد يكون من واجب «الرباعي» توسيع دائرة الداعمين له، من لوبي الدستورين وغيرهم.
أعرف أنه يكون من الصعب دعوة «التحالف الرباعي» إلى إعادة الحياة لـ «لتحالف السداسي»، لكن محاولة درس ذلك خلال الشهرين المقبلين لن يكون خسارة أبدا، فربما يكون الاستعداد لحالة اللانجاح من الآن خطوة صحيحة
العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ