قبل أيام وقف صدام حسين المجيد رئيس جمهورية العراق! (هكذا عرّف نفسه لقاضي التحقيق) شاحب الوجه وبحاجبين أزَجّين ولحية كثّة غير مُهذّبة. كان منظره لا ينمّ عن ذئب أرقم أو أسد مجروح أو حتى عزيز قوم ذل لكي يُرحَم، بل كان أقرب ما يكون إلى من حلّت عليه دوائر السنين والأقدار لتذيقه مرارة الكأس الذي جرّعه الملايين من البؤساء والمساكين.

لم يكن عهد صدام ولا تاريخه ينضح بالشرف أو الوطنية؛ بل كان عهدا وتاريخا مزكوما بالدم والحِراب والإرهاب، فشارك في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، والتخطيط لانقلاب البعثيين ضد عبدالرحمن عارف، وبعد تقلده مناصب أمامية في القيادة القِطرية والدولة في منتصف السبعينات، تنبّه إلى التيار الإسلامي الشيعي فأباد كل منتسب إلى حزب الدعوة الإسلامية (حتى الأعضاء السابقين) وقتل مُنظّره آية الله الشهيد السيدمحمدباقر الصدر وأكثر من خمسة وثلاثين من عائلة الحكيم، ستة عشر فردا منهم في وجبة واحدة ومن بينهم فقهاء وعلماء وأكاديميون.

ثم شن الحرب على إيران في سبتمبر/ أيلول 1980 وغزا الكويت في أغسطس/ آب 1990 مُدمرا فيها أكثر من 1160 من آبار النفط، وبعد ذلك مباشرة أشعل حرب الخليج الثانية في يناير/ كانون الثاني 1991 مُسميا معركتها بأم المعارك. وعندما دخل «حامي البوابة الشرقية» الحرب مع إيران دمّر كل شيء وصل إليه حقده، ففاقت الخسائر البشرية مليون قتيل، وقاربت الخسائر المادية ألف مليار دولار، كما دمّر خمس محافظات إيرانية متاخمة للعراق تدميرا كاملا وهي محافظة خوزستان، إيلام، باختران، كردستان وآذربيجان الغربية. وعندما دخل الكويت في العام 1990 لم يخرج منها إلاّ بالنار، وكانت الفاتورة باهظة الثمن إذ خسر العالم العربي أكثر من 676 مليار دولار، (بلغت خسائر العراق 240 مليار دولار بينما بلغت خسائر الكويت أكثر من 237 مليار دولار وفقا لإحصاءات صندوق النقد العربي). واضطرت الكويت لتغطية نفقات الحرب وإعادة الإعمار إلى تصفية نحو ثلثي صندوق الأجيال القادمة، والذي قُدِّرَ بمئة مليار دولار استمر استثمارها في الخارج على مدى 25 عاما.

أما العراق فإن خسائره عادلت أربعة أمثال إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ 64 مليار دولار في العام السابق لغزوه الكويت، وزاد الإنفاق العربي على السلاح إلى 56 مليار دولار وهربت رؤوس الأموال البالغة 51 مليار دولار من المصارف العربية، وانخفض نمو الاقتصاد العربي من 5 إلى 1,3 في المئة، وارتفع التضخم إلى 20 في المئة.

وبعد هزيمته في حرب الخليج الثانية تفرّغ لإبادة أجزاء كبيرة من شعبه في الجنوب والوسط والشمال فهاجم النجف وكربلاء والكاظمية وغيرها من المناطق المنتفِضة فقتَل أكثر من 500 ألف إنسان، ثم جفّف مياه الأهوار وهجّر سكانها إلى الحدود الإيرانية وقصف المدن المحيطة بها، ثم أدار آلته البوليسية نحو الأكراد فقتل وسجن الآلاف حتى فرَّ ما يزيد على مليون كردي إلى الجبال، كما قام بإعدام عدد كبير من الضباط من عائلة الجبور بزعم أن عددا منهم غير موالين له.

وتشير التقارير المنتظمة للمنظمات الحقوقية وشهود العيان المُفرج عنهم في عقد التسعينات إلى أن نظام صدام مارَسَ انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان فأعدم 4000 سجين في سجن أبوغريب العام 1994 و3000 سجين في سجن المحجر بين عامي 1993 و1998 و2500 سجين بين عامي 1997 و1999 وهي الحملة التي أطلق عليها اسم «حملة تطهير السجون»، كما أعدم 122 سجينا في أبوغريب بين فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2000 وبعدهم 23 سجينا سياسيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2001، وفي العام 2000 قام بتقطيع رؤوس عشرات النساء بتهمة ممارسة الدعارة من دون محاكمة ثم تبيّن أنهن زوجات أو أخوات أو بنات معارضين سياسيين. وكان الحراس في سجن المحجر يهتكون أعراضهن قبل قتلهن بشكل دوري ويشوّهون الأيدي باستخدام المِثْقاب الكهربائي وينزعون الأظافر. وكان المعتقلون يُوضعون في سجون ضيقة على هيئة أقفاص حديد وتُقطّع أطرافهم وآذانهم وألسنتهم وتُجدع أنوفهم ويُوشمون بالنار.

كان عهدا من دون رحمة أو إنسانية، ولعلي أستحضر قولا جميلا للكواكبي يصف فيه الظلم الإنساني: «الاستبداد المشئوم لم يرضَ أن يقتل الإنسانُ الإنسانَ ذبحا ليأكل لحمه أكلا كما كان يفعل الهمج الأولون، بل تفنن في الظلم، فالمستبدون يأسرون جماعتهم ويذبحونهم فصدا بمبضع الظلم ويمتصون دماء حياتهم بغصب أموالهم ويقصّرون أعمارهم باستنزاف سخرة أعمالهم أو بغصب ثمرات أتعابهم، وهكذا لا فرق بين الأولين والآخرين في نهب الأعمار وإزهاق الأرواح سوى في الشكل».

كاتب بحريني