العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ

تحديات فلسطينية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التحديات العربية لا تقتصر على العراق المحتل وإنما تطال فلسطين المحتلة أيضا. فالشعب هناك عاش في العقد الماضي سلسلة أحلام يقظة انتهت إلى مزيد من التأزم. فالوضع الفلسطيني الآن أسوأ اقتصاديا مما كان عليه قبل عشر سنوات. وما ساعدت أوروبا على إعادة إعماره بعد توقيع اتفاق أوسلو حطمه أرييل شارون ودمره الاحتلال طولا وعرضا وبموافقة أميركية. فالولايات المتحدة لم تتردد في ظل الإدارة الحالية عن إعلان تأييدها الثابت للاحتلال على رغم معرفتها واطلاعها على مخالفة «إسرائيل» لكل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن.

الآن تعاود واشنطن اتباع أسلوب المناورة بعد أن فشلت في كسر الإرادة الفلسطينية، وبعد أن أكدت الوقائع عدم نجاح شارون في احتلال الروح السياسية وتفريغها من مضامين العدالة والحق.

واشنطن الآن تريد تسويق استراتيجيتها المنحازة لشارون من خلال تليين مواقفها السياسية بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وحتى لا تتكرر واقعة أوسلو ثانية لابد من الإشارة إلى مجموعة تحديات فلسطينية أسهمت سابقا في تسويغ شروط الاتفاقات وتبين لاحقا أنها من المهمات الصعبة وهي لا تؤخذ بالمفاوضات وإنما من خلال تعديل موازين القوى وقراءة الواقع كما هو لا كما تتخيله بعض الفصائل.

هناك تحديات فلسطينية تشبه إلى حد كبير تلك التحديات العراقية التي نسجها الاحتلال وغنى على موّالها وانتهت في معظمها إلى خيبات. والواقع الفلسطيني في شروطه الإسرائيلية والإقليمية والدولية أصعب بكثير من الواقع العراقي. فأميركا قد تتساهل في استراتيجيتها العراقية وخصوصا في حال سقط جورج بوش في الانتخابات الرئاسية، ولكنها لن تتساهل في استراتيجية التزامها بضمان أمن «إسرائيل» ودعم تفوقها على مجموع الدول العربية. فالعراق ليس من ثوابت الولايات المتحدة بل هو مجرد موقع تريده واشنطن لزعزعة الاستقرار السياسي والمالي والنفطي والأمني في منطقة حيوية تشكل خطورة على الاقتصاد العالمي. بينما «إسرائيل» من ثوابت الولايات المتحدة وهي جزء من أيديولوجية أصولية متطرفة تقول بها هيئات كبيرة وصاحبة نفوذ على قرارات البيت الأبيض سواء كان الرئيس من الجناح الجمهوري أو من الجناح الديمقراطي.

هذه الوقائع إذا أغفلت في القراءة السياسية فستنتهي إلى إنتاج سلسلة لا تنتهي من الأوهام الفلسطينية من نوع: انسحاب «إسرائيل» إلى الأراضي المحتلة في العام 1967، التزام تل أبيب بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن. فهذا النوع من التفكير يبدو أنه ليس واردا في برامج الأحزاب الإسرائيلية حتى تلك التي تخالف شارون وتعارض سياسته التقويضية.

الأحزاب الإسرائيلية في مختلف أطيافها مجمعة برغبة أميركية وصمت دولي على رفض تفكيك المستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكذلك هي متفقة على عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم لأسباب شتى وذرائع مختلفة لها صلة بالمياه ومساحة الأرض. وهذه الذرائع هي مجرد غطاء لنزعة أيديولوجية «أصولية» و«متطرفة» ترى في فلسطين «أرض الميعاد» ومن حق كل اليهود في العالم العودة إليها، وتوافقهم على هذا الرأي مجموعات أصولية مسيحية متطرفة في الولايات المتحدة.

الأحزاب الإسرائيلية متفقة على الحدود الدنيا للمشروع الاستيطاني وهي بذلك متفاهمة على تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين حتى من دول مستقرة سياسيا واقتصاديا كالولايات المتحدة أو فرنسا أو الأرجنتين. وهذا النوع من التشجيع على تهجير ما تبقى من جاليات يهودية في العالم إلى فلسطين يقطع الأمل (الوهم) الفلسطيني بإمكانات الانسحاب وتفكيك المستوطنات بل ربما يطرح احتمالات سيئة من نوع توسيع رقع المستوطنات ومصادرة المزيد من الأراضي واستكمال السيطرة على مصادر المياه ومنابعها وآبارها لسد حاجات «المهاجرين الجدد».

الوقائع الميدانية التي نشاهدها يوميا تشرح بوضوح خلفية التصور الإسرائيلي لمصير فلسطين والفلسطينيين. وهذا لا يعني دعوة إلى الاستسلام وإنما محاولة قراءة الواقع الملموس حتى تنهض سياسة صلبة ترتب أمورها ضمن تصورات لا تقوم على الأوهام. فالولايات المتحدة حتى الآن ترى مثلا في القيادة الفلسطينية الحالية مجرد قيادة قاصرة تحتاج إلى تعليم وتدريب وربما تأديب؛ ولأنها كذلك وفق تصور واشنطن فهي ليست على سوية القرار السياسي ولا تستحق الثقة ولا تقوى على تحمّل المسئولية (الكلام نفسه تكرره عن العراق)، وبالتالي - بحسب رأي واشنطن - لابد من مراقبة السيادة الفلسطينية، والحد من استقلال القرار الفلسطيني... وأخيرا لا جدوى من قيام دولة فلسطينية قبل اكتمال شروطها الموضوعية. فهذا هو منطق السياسية الأميركية، وينمو هذا اللامنطق على زرع المزيد من الأوهام لتحصد الكثير من الثمار لمصلحة حليفها شارون. والتحدي الفلسطيني يبدأ من إعادة قراءة «اتفاق أوسلو» بروح نقدية حتى تأتي التصورات المقبلة أكثر دقة. والدقة في التفكير تسهم كثيرا في إزالة الأوهام التي تضخمت في السنوات العشر الأخيرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً