خرجت علينا غرفة تجارة وصناعة البحرين ممثلة في مجلس إدارتها بخبر غريب نشرته احدى الصحف المحلية يوم 28 يونيو/ حزيران الماضي بشأن مرئياتها في تشكيل تكتل (تنظيم) اقتصادي وسياسي يسعى إلى احراز أكبر عدد من المقاعد في تشكيلة البرلمان المقبل العام 2006 وسبب دهشتنا على رغم أننا كنا نتابع هذا التوجه من قبل النشطين في الشأن العام من فعاليات رأسماليتنا الوطنية أن لا علاقة لتوجهاتهم وسعيهم للمساهمة الفاعلة في مستقبل البحرين السياسي والاقتصادي وعملية تطوير المشروع الإصلاحي وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بالغرفة كمؤسسة عامة لنشاطها المتفرع والمتعدد شبه الرسمي علاقة بأطراف وقوى وطبقات اجتماعية أخرى. بل وكان يحدونا الأمل أن تقتنع هذه الفعاليات بأن الجهة أو المؤسسة المؤهلة لتمثيل التوجه والتيار الليبرالي في البحرين وتمتلك من الفعاليات والكفاءات ما يؤهلها لأن تلعب ذلك الدور هي تجمع المنتدى.
ولقد مر الكثيرون مرور الكرام على النشاط السياسي لغرفة تجارة وصناعة البحرين، بل وهلل البعض ودعم هذا التوجه على أمل أن تتحرك رأسماليتنا الوطنية وتنسلخ من جلدها الذي ظل يكتم أنفاسها لعقود طويلة بعد غياب الرعيل الأول من طلائعها الذي كان له دور سياسي ووطني بارز في مراحل سابقة من تاريخنا الوطني والذي استمر حتى ابتعاد بقايا فعاليات ذلك الجيل كالوجيه ابراهيم حسن فخرو وإبراهيم حسن كمال ورسول الجشي وغيرهم. لكن ما لم يدركه هذا الجيل الذي يتصدى اليوم لقيادة وإدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين إن ذلك الجيل وتلك الفعاليات لم تحاول يوما أن تجيّر الغرفة كمؤسسة أو تجيّر نشاطاتها لتوجهاتهم السياسية أو للدفاع عن مصالحهم الطبقية. فقد مارس ذلك الجيل نشاطه السياسي بعيدا عن المؤسسة وبعيدا عن محاولات تجييرها وتسخيرها للدفاع عن المصالح الطبقية وأحلام المشاركة السياسية.
والغريب أن يأتي التشجيع والدعم والوعود من الدولة التي تتغاضى عن خطورة ما يجري، على رغم أنها لم ولن تسمح بوجود تنظيمات سياسية طبقية تمثل الطبقات الأخرى وتدير الصراع من اجل الدفاع عن مصالح تلك الطبقات! ولا أن تسخر تلك التنظيمات القوانين والشروط المتعلقة باشتراكات المنتسبين وجباية الرسوم من أجل نشاطاتها السياسية. وجه الغرابة مرة ثانية بأن الدولة التي حاربت ضد حق الجمعيات السياسية في اطلاق وتنظيم عريضة شعبية للمطالبة (وأكرر المطالبة) بحقوقها ومكاسبها الدستورية، كما أنها الجهة التي رفضت وسترفض أن تمارس النقابات العمالية أو اتحادها نشاطا سياسيا شبيها بما يمارسه مجلس إدارة الغرفة، هي التي تدعم اليوم وتشجع هذا التوجه وتغض الطرف عن خروقاته للنظام الأساسي للغرفة، بل وتسخر الغرفة لدعم اجندتها الذي كان واضحا وجليا في البيان والتصريحات المضادة لمشروع اطلاق العريضة الشعبية والمؤتمر الدستوري!
لكن لنعد الى أصل المشكلة، فالغرفة مؤسسة تعني بالشئون التجارية والصناعية والاقتصادية وتدافع وتحمي منتسبيها، بل وينص نظامها الأساسي على عدم عملها او نشاطها في الشأن السياسي. بل وهناك شريحة واسعة من منتسبي غرفة صناعة وتجارة البحرين ممن يشاركون وبفعالية في جمعيات وتيارات سياسية أخرى، سواء على مستوى التيارات السياسية أبان فترة العمل السري أو من خلال الجمعيات السياسية الموجودة والنشطة على الساحة السياسية المحلية كما أن الغرفة تجبي رسوما من تصديق أوراق الشحن وغيرها ما يؤسس لسابقة خطيرة في حق التيارات السياسية أو الجهات الداعمة لها في جباية الرسوم والأموال لدعم تنظيم طبقي يسعى ليس فقط لحماية مصالح ومكاسب طبقة مميزة في هذا المجتمع بل ومحاولة تحقيق تلك المصالح على حساب الطبقات الأخرى.
وكان من الأولى أن يهمس كل الذين شجعوا ودعموا هذا التوجه وروجوا له من دون محاولة معرفة الفرق بين الغرفة كمؤسسة شبه نقابية واشكال وهياكل التنظيمات السياسية، في إذن إدارة الغرفة بأن من حقهم (بل ولا يملك أي طرف الحق في الاعتراض على ذلك الحق) كمواطنين ومساهمين في الشأن العام ويحملون رؤية خاصة لمستقبل نمو هذا الوطن وهذا المجتمع أن يتجمعوا ويعلنوا تشكيلهم لتيار سياسي ليبرالي يمارس نشاطه ضمن الساحة المحلية مع الآخرين ومن دون تمييز في الحقوق والواجبات لكن ان يتم تسييس مؤسسة عامة تعنى بنشاط متفرع ومتعدد ولها صفة شبه رسمية ويحتاج لخدماتها أطراف عدة فذلك منتهى التعدي على الحق العام وإطلاق سابقة خطيرة تؤسس لحق كل طبقات هذا المجتمع أن تحذو حذوها وتؤسس تنظيمات سياسية طبقية ملتزمة بأيدولوجية ومصالح الطبقة التي تمثلها وتدافع عن حقوقها ومكتسباتها وما دامت النشوة بانطلاقة جديدة لرأسماليتنا الوطنية في المساهمة في الشأن العام قد اسكرت الكثيرين عن ممارسة النصح فلا بد لنا أن نصرح بعلو صوتنا حذار مما تؤسسون له كسابقة، وأن ندعو الله أن تكون هذه الانطلاقة للتيار الوطني الليبرالي جاءت لكي تلعب دورا متحررا من سطوة الدولة وتعكس رؤية وطنية صادقة استمرارا لنهج تاريخي سابق يبتعد عن لعب دور مرسوم مسبقا ومبنيا على المصلحة الفردية والشخصية على حساب المصلحة العامة والرؤية الليبرالية المتحررة التي نأمل ولادتها ومشاركتها في الشأن العام.
كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ