مثل أي مكان آخر في العالم، لقي فيلم المخرج الأميركي مايكل مور الوثائقي السياسي «فهرنهايت 9/11» تغطية إعلامية مكثفة في روسيا. ولا يشكل الفيلم حدثا سينمائيا وإعلاميا فقط، إذ إن الكرملين وانطلاقا من اهتمام خاص يروج له لتوظيفه في خدمة عدد من السياسات المحلية والخارجية.
وينتظر الروس بفارغ الصبر توزيع الفيلم في روسيا وبدء عرضه لمشاهدته، لكن من غير المرجح أن يحضر فلاديمير بوتين عرضه. ويروي فيلم مور الحوادث المفاجئة بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول في العام 2001. ويتضمن انتقادات حادة موجهة ضد الرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته التي عجزت عن منع الهجوم الإرهابي وردود الفعل التي تلت هذه الهجمات.
وفي روسيا، يعرض موضوع الفيلم على خلفية الصراع في العراق، والى حد ما على خلفية العمليات العسكرية المستمرة لمكافحة الإرهاب في شمال القوقاز. واستخدم الكرملين فيلم مور ليربط هذين الصراعين في الداخل والخارج. وفي الشهر الماضي، سبقت الإعلانات بشأن فيلم مور أو تبعتها التغطية الإعلامية المكثفة والتعليقات بشأن الأزمة الأمنية والمعاناة الإنسانية في العراق.
ولدى ذكر فيلم «فهرنهايت» تتبادر إلى ذهن المشاهد صورة بوش، قبل حوادث سبتمبر/ أيلول، وهو يمارس لعبة الغولف أو في رحلة صيد، كما تظهر الصور الأخيرة الضحايا من الجنود الأميركيين بعد الحرب على العراق والآليات المشتعلة ومعاناة المدنيين العراقيين.
ولا يقدم «فهرنهايت» كفيلم وثائقي يتناول هجوما مأسويا حدث في الولايات المتحدة قبل 3 سنوات، بل معايشة لتجربة أميركا اليومية المأسوية في العراق مع التركيز على صعوبة مكافحة الإرهاب.
وتعد تغطية فيلم فهرنهايت المتقنة أكثر من مجرد تأكيد على الآراء بشأن الحرب في العراق، إذ إن روسيا لاتزال تعاني تأثيرات الهجوم الإرهابي على انغوشيا في الأسبوع الماضي واغتيال القائد المعين من قبلها في الشيشان أحمد قديروف.
وعلى رغم كون مشاهد الهجوم الشيشاني الأخير ليست مكثفة كصراع العراق، فإنها بنظر الروس كافية لاجراء مقارنة بينهما.
وبعث الكرملين بتوجيهاته إلى التلفزيون الرسمي الروسي لمزج صور الفيلم الوثائقي لمور مع مشاهد من الحرب في الشيشان والإرهاب المحلي، في محاولة لايصال رسالة للمشاهدين مضمونها «أهلا بكم في عالمنا». وفي رسالة أخرى، يوحي الكرملين ان مكافحة الإرهاب والصراع المعقد لا يقتصران فقط على استهلاك القوة العسكرية بل على الوقت والبشر أيضا. ويبرر الكرملين الفشل المتكرر لروسيا في شمال القوقاز بفشل أميركا في العراق.
وعلى رغم رفض روسيا المتكرر للتورط في حرب العراق، فإن فيلم مور ساعدها في تبرير فشلها، ونسبه إلى دموية وتطرف الإرهابيين. ومرر الكرملين رسالة أخرى إلى الروس بالقول «قد نكون ارتكبنا أخطاء، لكن الولايات المتحدة ليست أفضل منا»
العدد 667 - السبت 03 يوليو 2004م الموافق 15 جمادى الأولى 1425هـ