أول ما يمكن أن يقال عن فيلم «خريف آدم» للمصري أحمد كامل القليوبي (مشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما العربية في باريس)، إنه فيلم جدي، وهذا الأمر بات - كما نعرف - شيئا نادرا في السينما المصرية التي بات معظمها يعتمد التهريج و«الأساليب الشبابية» خطا له لا يحيد عنه. «خريف آدم» هو مثل سينما الراحل رضوان الكاشف ومثل سينما يسري نصرالله وأسامة فوزي، فيلم يريد لنفسه أن يكون عملا فنيا متميزا، وأن يحمل في الوقت نفسه رسالة ما.
من هنا لم يكن صدفة أن يقتبس القليوبي موضوع هذا الفيلم من قصة لمحمد البناطي عنوانها «ابن موت». وفي جانب أساسي من الفيلم عرف المخرج كيف يخدم القصة ويقدمها بمعانيها وعوالمها وبالرسالة القاسية التي تحملها لكننا نقول «في جانب» فقط من الفيلم، ذلك أن «خريف آدم» لم ينج من ذلك التوجه الذي يدفع الكثير من المخرجين العرب إلى تطويل أفلامها ومدّها... ولو على حساب الموضوع... فالحال أن «خريف آدم» على أتم الاعجاب به، وعلى رغم الجوائز الكثيرة - والاستثنائية أحيانا التي نالها - فيلم أضاع موضوعه وسط تشعبات سيناريو ثرثار، ووسط دروب عرف المخرج كيف يخطو فيها خطواتها الأولى، ثم تخلى عنها بسرعة ليعود إلى موضوعه الأصلي والذي هو أصل ما في الفيلم.
والموضوع الأصلي والأساسي في «خريف آدم» موضوع غريب وقوي: رجل ريفي هو آدم، يجد نفسه بعد مقتل ابنه الشاب في ليلة عرسه، مجبرا على الثأر له. انه يعرف أن القتلة هم أفراد عائلة منافسة. وكان يمكنها أن تقتل أي واحد منهم، لكنه آثر التريث والانتظار سنوات طويلة، حتى يولد وينمو ويكبر طفل لواحد من أفراد العائلة المنافسة، لكي يقتله أخيرا في ليلة عرسه. فالقتل ثأرا لا يكفي: يجب أن يكون استعراضيا وذا مغزى.
يقينا أننا هنا أمام موضوع رائع واستثنائي، كتبه روائي كبير. لكن المشكلة كمنت في أن هذا الموضوع الذي كان في حد ذاته يمكن أن يضع فيلما رائعا في ساعة ونصف، تشعب في ما لا يقل عن ساعة سينمائية أخرى، لا معنى لها ولا طعم ولا لون. وهكذا ضاع الفيلم الحقيقي والكبير، والرائع، وسط تشعبات الفيلم الآخر. الطويل والممل. إذ، ومهما افترضنا أن ثمة مكان للعرض هنا، ما دخل تاريخ مصر في الموضوع كله؟ وما دخل حرب فلسطين وفقراء الهند واستقالة عبدالناصر؟ ولماذا الحروب وتدخلات العالم الخارجي... ولماذا القصص الجانبية التي أثقلت الفيلم من دون أن توصله إلى أي مكان، وقطعت على المتفرج روعة وقوة اشتغال البطل (آدم) ببطء على لعبة الثأر؟
واضح أن من يشاهد «خريف آدم» بشكل جيد، سيعثر في داخله على الفيلم الآخر، الفيلم الحقيقي... ثم أمام روعة هذا الفيلم المخبوء، سيسأل عن ذلك الشيطان الذي يوحي إلى معظم السينمائيين العرب (ومنهم للأسف أيضا شاهين نفسه في «اسكندرية / نيويورك») بأن في الاسهاب والتطويل فضيلة خفية؟!
«خريف آدم» الذي لا يمكن للمرء إلا أن يحبه على أية حال، نمو لمخرج فصيح لسينما تضيع عن حدودها وعن مقاييسها لأنها في كل مرة تريد أن تقول أشياء كثيرة... مع أن المطلوب شيء واحد رائع
العدد 667 - السبت 03 يوليو 2004م الموافق 15 جمادى الأولى 1425هـ