عندما تصل هذه السطور إلى القارئ، ستكون أعلنت في قاعات معهد العالم العربي في باريس أسماء الأفلام الفائزة بجوائز الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية الذي يقام في تلك القاعات وسط العاصمة الفرنسية... ومن هنا سيبدو القارئ المتابع مميزا عن كاتب هذه السطور، إذ يكون اطلع على النتيجة. علما بأنه حتى هذه اللحظة من الصعب توقع أسماء الفائزين، طالما أن لجنة التحكيم برئاسة الممثلة الفرنسية المخضرمة بول أوجييه، لا تبدو من وحدة الكلمة بحيث يستشف شيء من قراراتها بشكل مسبق.
ومهما يكن من الأمر يبدو واضحا حتى الآن - على الأقل - أن المخرج المصري يسري نصر الله، عضو اللجنة نفسها، هو الأكثر ديناميكية وتحركا، ما سيجعله قادرا على التأثير في اتجاه الأسماء الفائزة، ويسري نصرالله يقطّر اختياراته وتفضيلاته تقطيرا حتى الآن، إذ يمكن لمن يشاء أن يتخذ لنفسه صورة تقريبية عن الجوائز.
ولكن هل يمكن أن يكون لهذا كله معنى؟ هل حقا أن أهم ما في هذا المهرجان الباريسي، هو أسماء الفائزين فيه؟ أبدا... يؤكد كثر أن المهم هو عرض الأفلام وإطلاع الجمهور عليها. والمهم هو تلك الفرصة التي أنتجت للقاء بين السينمائيين وبين الجمهور. أما الجوائز، فمسرحية هزلية تتكرر في كل مرة على الوتيرة نفسها، إلى حد انها لم تعد تثير حتى فضول أعتى الفضوليين.
والحال أن كلمة «اكتشاف» هي الكلمة المفتاح هنا. وعلى هذا النحو شكل المهرجان، في دورته الحالية، فرصة طيبة لبعض الاكتشافات. ومن هذه الاكتشافات جديد السينما المغربية. ففي مجال العروض الروائية الطويلة، حظي المغرب بحصة كبيرة لم يضاهه فيها أحد، عن أفلام هي بعض ما أنتج خلال العامين الأخيرين. صحيح أن أيا من هذه الأفلام الثلاثة لم تكن تحفة استثنائية. غير أن وجودها أصلا، وتنوع لغاتها وموضوعاتها، وردود الفعل الجماهيرية عليها - في المغرب نفسه أو بين أوساط حضور المهرجان الباريسي - أمور تقول إن سينما المغرب تعيش نوعا من الصعود، فيما تعيش السينماءات العربية الرئيسية الأخرى نوعا من الهبوط والجمود.
طموح مشروع
وهذا الصعود ليس جديدا تماما... إذ منذ سنوات عوّدنا المغرب على انتاج ثلاثة أفلام سنويا، لا يفوت بعضها أن يحقق حتى نجاحات تجارية ونقدية جيدة... وذلك انطلاقا من ديناميكية متجددة تعثر على دعم رسمي لها. ومن هنا صارت ثمة أسماء متداولة بوجود فئة في خريطة السينما المغربية، وصار لأصحاب هذه الأفلام تاريخ لا بأس به وحضورر يتجدد، حتى من دون أن يكون المتابع شديد الإعجاب بسينماهم خصوصا. وإذا كان هذا صحيحا ومعروفا منذ سنوات، فإنه بدءا من هذا العام، سيتكثف أكثر وأكثر، إذ جرى تعيين الناقد المعروف نورالدين صايل، منذ فترة رئيسا للمركز الوطني للسينما. وصايل معروف على الصعيدين الفرنسي والعربي، بوصفه واحدا من كبار النقاد والمدافعين عن فن السينما. وهو إذا كان من خلال مناصبه السابقة مديرا في قناة «افق» الفرنسية ثم في قناة «2 إم» المغربية قد ساند انتاج أفلام كثيرة ومهمة، فإنه الآن يخطط لأن يوصل الانتاج في المغرب إلى أكثر من 15 فيلما سنويا، وخصوصا أن إدارته لمهرجان مراكش الدولي، اعتبارا من هذا العام، ستوفر له فرصا إضافية لتحقيق طموحه.
وقبل البدء الحقيقي بتحقيق هذا الطموح، ها هي لمسات نورالدين صايل تظهر حتى في المهرجان الباريسي الحالي، وعلى الأقل من خلال مشاركة فيلم طريف لمحمد عبدالرحمن التازي في المسابقة الرسمية، علما بأن التازي وصايل عملا معا في مناسبات كثيرة، ولا يكف صايل عن دعم التازي، حتى من دون أن يتبنى فيلمه الجديد المعروض تماما. وهذا الفيلم هو «جارات أبوموسى» عن رواية معروفة في المغرب. في فيلمه هذا دنا التازي من موضوعه التاريخي بشكل هزلي عبر موضوع فيه من الثورية السياسية الجريئة ما فيه، إذا عمد المرء إلى لعبة اسقاط الماضي على الحاضر، كاشفا عن العلاقة الكأداء بين المواطن والسلطة. صحيح أن نهاية الفيلم لم تكن موفقة، لكن السياق العام أتى جماليا على الأقل ومقنعا وينخرط في سينما التازي التي سبق أن قدمت لنا أعمالا اجتماعية - هزلية ناجحة مثل «البحث عن زوج امرأتي» و«بلا حبي».
طبعا من الصعب توقع فوز «جارات أبوموسى» بجائزة من جوائز المهرجان... لكن إقبال الجمهور العريض عليه مؤكد، ما يؤكد مرة أخرى رسوخ العلاقة بين هذا النوع من السينما المغربية وجمهورها.
سينمائيون للمستقبل
«الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» الذي سبق أن تحدثنا عنه في هذه الصفحات ينتمي بدوره إلى جديد السينما المغربية... وهو ذو حظوظ جوائزية أفضل، وخصوصا أن عرضه خلال الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» الفرنسي أعطاه وأعطى مخرجه محمد عسلي اندفاعة جيدة، حتى وان كان هذا الفيلم سيلقى منافسة حقيقية من شريط مغربي آخر هو «خيط الروح» الذي حققه حكيم بلعباس، المقيم في أميركا. و«خيط الروح» ينتمي إلى تلك السينما التي تحاول أن تصور العودة إلى الوطن والتناقضات التي يجد فيها العائد نفسه... كما تصور عبر العودة نماذج بشرية تمعن في دراستها... حتى حدود الأنثروبولوجية المضجرة.
بهذه الأفلام الثلاثة حقق المغرب إذا حضورا ملفتا في المهرجان الباريسي... غير أن المؤسف هو أن هذا الحضور الكثيف، لم ينعكس حضورا ملفتا لجمهور مغربي عريض في حالات المعهد، مع أن عدد المغاربة المقيمين في فرنسا، يحصى بمئات الألوف. ما أثار أسئلة مقلقة حقا.
والحقيقة أن الجمهور المغربي العريض، لو حضر، لكان في وسعه - وحتى فيما يتجاوز هذه المشاركة الطيبة في المسابقة الروائية الطويلة الرسمية - أن يطلع على الكثير من سمات الحياة المغربية الداخلية، وسمات حياة المغاربة في الخارج، من خلال عدد لا بأس به من أفلام متوسطة الطول أو قصيرة، روائية أو تسجيلية، حضرت بدورها وعرضت وأتى أصحابها ليخوضوا نقاشات مفيدة مع جمهورهم المفترض. إذ هنا أيضا، في التظاهرات الثانوية بدا الحضور المغربي مكثفا وملفتا؛ 4 أفلام في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، فيلمان في تظاهرة الأفلام التسجيلية الطويلة... بين عروض أخرى.
ما نذكره هنا، هو أن جلّ هذه الأعمال أتى مميزا، ما جعل نورالدين صايل يقول لمن يجب أن يسمع إننا إذا أردنا البحث عن السينما المغربية المقبلة، سيكون علينا حتما أن نبحث بين ما هو مقدم هنا... وأن نتذكر جيدا بعض الأسماء التي قد تبدو غريبة الرأي، لكنها بالتأكيد ستصبح مألوفة خلال المرحلة المقبلة
العدد 667 - السبت 03 يوليو 2004م الموافق 15 جمادى الأولى 1425هـ