العدد 667 - السبت 03 يوليو 2004م الموافق 15 جمادى الأولى 1425هـ

الاستخفاف بالعقل العربي إلى أين؟

«إن الطيور على صدّامها تقع»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يوم الخميس الماضي كنا على موعد لمشاهدة آخر ملوك الطوائف في العراق، إذ وقف حسيرا في المحكمة، لينطق بفلسفة الحاكم العربي الذي اعتاد الحكم باسم السماء العليا، بما يعيد إلى الأذهان كل تلك الصفاقة التي طبعت سياسة «مزرعته» المحلية والإقليمية والدولية على مدار خمسة وعشرين عاما.

ولم يكن من المتوقع من صدام حسين غير الموقف الذي وقفه، فهو يشعر أن الضيعة التي استولى عليها في يومٍ أسود سلبت منه، ولابد للسارق من الدفاع عن غنائمه ومسروقاته... ولن يعدم لغة القانون! وكان من المقدّر للصفاقة أن تصل مع صدام إلى آخر مداها، حين أراد أن يسترد ما سلب منه بالقوة عن طريق العنترة أمام قاضٍ غرٍّ صغير! وما أسرع ما قرعت الطبول القومية والبعثية والعروبية والإسلامية الزائفة إعلانا للنفير العام، وما أسرع تنظيم حفلة «الزيران» للدفاع عن فارس الأمة والسبُع الهصور! ألهذه الدرجة لدى كتابنا النحارير قلوبٌ رقيقة رقة قشرة البصل؟! هذا غير المحامين الأجانب الذين اصطف منهم 700 «مجاهد» من كتائب المتطوعين للدفاع عن صدام قربة إلى الله تعالى وطمعا لما عنده من ثواب الآخرة!

وينبغي القول إن صدام لم يكن قادما فوق طبقٍ طائرٍ من كوكبٍ آخر، وانما كان افرازا طبيعيا لهذا المجتمع العربي المتخلف، وعنوانا بارزا على ما بلغه النظام العربي الرسمي من تفسخ. والمشكلة اليوم في العراق أكبر من صدام، الذي انتهى إلى الأبد واحترقت أوراقه، وانما هي أزمة شعب ودليل ضعة وهوان أمة، تتطلب فتح أبواب المصارحة بيننا نحن العرب، بعد ان شهدنا أحد أبلغ المشاهد التي لا يجود بها التاريخ إلا قليلا. ومن مزايا هذا العصر انه وفّر الوسائل التي تكفلت بنقل هذه اللحظات التاريخية الحاسمة إلى كل بيت وقرية، بالصوت والصورة، لتكون الحجة أبلغ والدرس أقوى للجميع، وخصوصا فلول المتنطعين المدافعين عن الطغاة والمستبدين.

أمم الأرض المتحضّرة والشعوب العاقلة حين تراجع نفسها فلكي تلتمس المخارج من الأزمات والكوارث التي يسببها بعض حمقاها المتسلطين، وتضع آليات لكبح جموح طغاتها ومستهتريها لكي تأمن شرورهم، أما نحن فعندما نراجع أنفسنا فإننا نزداد تشبثا بأذيال الظالمين وتقديسا للطغاة وتمجيدا لكل أفعالهم المشينة التي تخجل منها الكواسر والجوارح. ومن هنا أصبحنا نتفنن في صنع أصنام التمر كما كان يفعل أرباب الجاهلية لكي نتعشى بها في ليالي الهزائم المظلمة.

اننا امام مهزلة عربية نموذجية فعلا، تتجلى فيها قمة الاستخفاف بالعقل العربي، والذي يدل على مدى الانحطاط الذي هبط إليه بعض الدعاة المزيفين في مرحلة الهزائم العربية الكبرى.

وما يهمنا اليوم جميعا فيما يجري في العراق هو أن نستلهم العبر والدروس من هذه التجربة التي كلفت المنطقة الأرواح بالملايين، قتلى وجرحى ومصابين ومعوقين ومشردين، كلهم أصبحوا في منطقة الظل، بينما يعلن الاستنفار العام للدفاع عن صدام وضرورة توفير محاكمة عادلة لـ«سيادته».

العبرة الكبرى التي ينبغي أن نتذكرها هي أن كلفة الاستبداد باهظة ومكلفة جدا على الأوطان، والتي تدفع الشعوب الثمن دائما بالعملة الصعبة من أرواح ودماء وخبز وقوت أبنائها. والاستبداد لا ينتهي بهروب المستبد إلى حفرةٍ في الأرض، وإنما يخلّف وراءه لعنة حتى بعد رحيله، وهذا ما نراه اليوم في العراق الجريح، الذي يزايد عليه المزايدون.

لا يمكن طبعا نفي دور العامل الخارجي في تنصيب صدام ملكا «جمهوريا» في العراق، فالذي جاء به خلعه باختصار، ضمن لعبة أممٍ جديدةٍ يتم إرساء قواعدها الآن. كما لا يمكن ادعاء نزاهة المحكمة التي يتولى تحريكها الاميركان في بلد يحتلونه، ويجدون من هذه الحكومة الضعيفة ألعوبة سهلة الانقياد، ولكن علينا ان نتذكر دور الشعوب المسئولة عن مصائرها، فلم يكن لصدام ان يستولي على الحكم ويستبد بالأمر لو وجد أمامه من يقول له: مكانك. شخصٌ واحدٌ يتحكّم في مصير شعبٍ كامل لمدة خمسة وعشرين عاما، يتلاعب بمصير الملايين، ويشرق معهم في حربٍ ضد إيران باسم العروبة، ويجنّب بهم في غزو دولةٍ شقيقة باع نساؤها حليهم لتمويل مغامرته الأولى، باسم الوحدة العربية، وعلى رغم ذلك وجد من يطبّل له من التماسيح السمان.

فلا ترقبوا أيتها الشعوب العربية إصلاحا من الداخل ولا من الخارج، القيد على معاصمكم سيزداد إحكاما، والجنود الزرق فوق أراضيكم سيبنون لهم المستوطنات، فانتظروا مزيدا من الأصنام التي يتفنن في صناعتها نحاريركم لتأكلوها في ليالي الهزائم المقبلة

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 667 - السبت 03 يوليو 2004م الموافق 15 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً