العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ

الطالب بين زخم الحياة الاجتماعية والمؤثرات الوافدة

علي شرف comments [at] alwasatnews.com

مجتمع البحرين واحد من مجتمعات الخليج العربي، ويشكل معها منظومة مشتركة يحمل الآمال والطموحات نفسها، وهو جزء من الأمة العربية والإسلامية له القيم والمبادئ والتطلعات نفسها، ويقف معها ويشاركها في تحقيق مقاصدها وغاياتها، كما يجابه معها التحديات كافة التي تستهدف استقلالها وعزتها وأمنها، ويعمل من خلال ذلك على مجابهة ما يعوق تنميته واستثمار موارده البشرية والطبيعية.

«ان حجم التمزق الاجتماعي، أو الصدمة الناتجة عن السرعة المفاجئة للتطور، كان كبيرا، إذ الارتباط بالعادات والقيم الإسلامية الأصيلة وأساليب الحياة التقليدية، الى الانطلاق السريع في طوفان التغيرات المتعاقبة الناتجة عن الانفتاح على الغرب، واقتباس كثير من انماط السلوك والعلاقات الاجتماعية السائدة فيه» نتج عنه عدد من التغيرات.

التغيرات في محيط الأسرة

حدثت تغيرات في بناء الاسرة البحرينية وفي وظائفها وادوارها، وتحولات في انماط القيم والعادات وانماط السلوك، وانتشرت المجاملات والوساطات والمحسوبيات، كما اضطربت العلاقات الاسرية بسبب شيوع النظرة المظهرية والاستهلاكية والمباهاة بامتلاك عدد من الخدم والمربيات، واحدثت هذه التغيرات تخلخل الالتزامات القبلية التقليدية، وترتب على الانتقال الى مناطق الاسكان الحديثة تلاشي ما بين الناس من عوامل التضامن والتكافل الاقتصادي والاجتماعي التي كانت تربط الاهالي في مناطق الاسكان القديمة... وتحول نمط الاسرة الممتدة الى الاسرة النووية التي يقوم بناؤها على اعتبارات اقتصادية.

وكان لخروج المرأة الى ميادين العمل المختلفة، وتسلم المربيات اطفالها، واهتمامها بالتعليم العالي، وارتفاع كلف المعيشة، واتجاه الشباب الى الزواج من اجنبيات، واحجام بعض الاسر عن تزويج بنتها لاعتبارات قبلية أو طائفية، ان ارتفعت نسب غير المتزوجات، وارتفعت حالات الطلاق.

صراع الأجيال والثقافات

إن صراع الأجيال والحضارات وما احدثاه من توتر وقلق بسبب سرعة التغير، اسهما في خلخلة العلاقة بين أبناء الاسرة الواحدة وأولياء أمورهم واخذ كل منهم ينظر الى الآخر من منظور مختلف. وتبين من احدى الدراسات ان النظرة المتبادلة بين الأجيال يراها البعض كارثة، على حين يراها آخرون ظاهرة حتمية، ومؤشرا طبيعيا على حركة المجتمع وتقدمه، وأبناء الجيل الأصغر يرونها شيئا من الجمود والتعصب والسلطة.

وتواجه منطقة الخليج غزوا ثقافيا يهدف الى تشويه قيم المجتمع الاخلاقية، كما نرى وسائل اعلامية وقنوات فضائية تحاول تحويل القيم أو توجيهها في مسار خاطئ. ولهذا نجد ثقافة المشاهد الخليجي ومعلوماته عن الحياة الغربية يفوق ما يعرفه عن جيرانه العرب.

الصراع العربي الإسرائيلي

يقول الصحافي باسم الجسر: «من الصعب على الإنسان والضمير العربي تكريس تفكيره وجهوده للدفاع عن الحريات وتجهيز مجتمعاته بالكمبيوتر، وتحرير المرأة، في الوقت الذي تدمر الدبابات الاسرائيلية المدن الفلسطينية وتغتال قياداتها وتمزق الضمير العربي وهناك من البرامج والقنوات الاعلامية التي تحاول نقل العيوب الى خارج ما يحدث في فلسطين وتلهي الشعوب العربية والخليجية بالذات عما يعتمل في قلوب المسلمين من جروح مدمية.

هذه التغيرات الاجتماعية لها اثر على الطالب في جميع المراحل التعليمية، وفترة المراهقة من أدق مراحل النمو، فهي فترة انتقال من مستوى الى مستوى آخر واختلاف نظرة الآباء عن الابناء والمدرسين عن الطلاب، والمجتمع، حين يفرض على الشاب قيودا لا يرتضونها».

الصراعات النفسية

هناك صراع بين السعي الى تهذيب الذات والحاجة الى التحرر والاستقلال، وهناك صراع بين الحاجة الى الاشباع الجنسي، والتقاليد الدينية، وهناك صراع تحديد المستقبل والتخطيط له سواء المهنة أو الزواج أو الاعداد للحياة، وكذلك صراع القيم، بين ما تعلمه المراهق وآمن به، وما يمارسه الكبار من حوله في الحياة اليومية.

كما ان الطفل في مجتمع كهذا لا يملك القدرة على فهم التغيرات التي يراها ويسمعها، وهو أول من يعاني من مشكلات التكيف، واذا غاب دور المدرسة عن التفاعل مع المؤثرات الوافدة والتحولات الحادثة فإن لذلك آثارا تربوية ونفسية نجملها فيما يأتي:

1- فقدان بعض الاسر لتوازنها واهمالها تربية الاطفال وتفككها.

2- تفويت الفرصة على الابناء ليتعلموا الاعتماد على النفس داخل المنزل.

3- تضييع أو تشويه لغة الابناء في بعض الاسر بسبب المربيات الاجنبيات.

4- غرس قيم ومبادئ ثقافية دخيلة تتعارض مع القيم الإسلامية والعادات المحلية.

5- عدم احكام الرقابة التربوية على المؤثرات الاعلامية وخصوصا ما يتعلق بالأفلام السينمائية واشرطة التسجيل ونحوها.

6- تقاعس كثير من الاسر عن دورها في التربية والتنشئة الدينية للابناء.

7- ان كثيرا من الأعمال الاعلامية لا تخدم المسيرة التنموية التي تطمح إليها هذه المنطقة، بل انها تخلق بنشرها كثيرا من المعوقات والاحباطات تجاه تحسين ظروف المنطقة، فاتجه كثير من الناس الى استخدام أجهزة الفيديو والدوائر التلفزيونية والاطباق الالكترونية استخداما خاطئا ما ينبئ بآثار تربوية سيحتاج المجتمع الى سنوات لكي يمحوها أو يستبدل بها احسن منها.

8- التحدي العقدي وذلك بتقديم بعض الافكار المخالفة للإسلام بدعوى انها من الإسلام... أو مفاهيم متضاربة لا تعطي اهتماما واضحا بالربط بين العقيدة والعلم.

9- المتغيرات المتسارعة أدت الى جعل مسألة الخيارات المتعلقة بالهوية امام الشباب، ذات تناقض وتعارض وتجاذب، والشاب في حيرة بين تحدي الاختيار والاختيار... لذلك فهم بحاجة الى التوافق مع الذات والتعرف على هويتهم.

اما على الصعيد الإسلامي والعربي، فان ما تنقله وسائل الاعلام من صور حية عن حروب الابادة للمسلمين وهتك أعراض نسائهم، في البوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان، وفي الهند وميانمار والفلبين وفلسطين، وأطراف العالم الإسلامي، واسترخاء المسلمين وعدم الحزم في نصرتهم، ومجاملة بعض المسلمين للمعتدين من اليهود والنصارى والوثنيين على حساب اخوانهم في العقيدة، وما جرى من احتلال للعراق وافغانستان واعتداء على الحرمات وهتك للأعراض ومعاملات غير إنسانية ووحشية في سجون أبوغريب وغوانتنامو وأفغانستان، والصمت المطبق في العالم الإسلامي امام هذه الفضائح، وخنق الحريات في فلسطين وابادة شعبها وبناء جدار عازل يفصل معالمها وقراها، أحدث انكسارا نفسيا واضعف انتماء الشباب للعالم الإسلامي في الوقت الذي ارتبطوا وجدانيا باخوانهم المعذبين في انحاء العالم.

كذلك فقد إنسان الخليج بحروب الجوار الأمن القومي العربي من الاخوة الاشقاء، وصار ينظر الى قدرتهم العسكرية باعتبارها المصدر الرئيسي للتهديد.

ومن هنا وجبت الاحاطة بقضايا المجتمع البحريني، وقضايا العالمين العربي والإسلامي والتخطيط لمواجهتها، وايجاد حلول مناسبة لعمر الطالب ومراحل نموه حتى لا يلتمس لها حلولا من مصادر غير موثوق بها.

واذا ادركنا النسبة ما دون الخامسة عشرة سنة 40,9 في المئة من السكان، علمنا مدى العبء الملقى على عاتق المدرسة والأسرة والمجتمع في التنشئة الاجتماعية.

لذلك فإن على المدرسة والاسرة ومؤسسات المجتمع ذات الصلة بالعملية التربوية ان تهتم بتزويد الطالب بقيم العمل التطوعي والتماسك الاجتماعي والتسامح والتفاهم وتحمل المسئولية، واستغلال وقت الفراغ، وجعلها سلوكا ممارسا. وكذلك تنمية وعيه بأهمية العلم في الحياة والانتفاع بمنجزات العصر، ومحاربة الجهل والخرافات والعقائد المنحرفة، والظواهر الاجتماعية السيئة، والتشدد والغلو والانغلاق، في كل صورها واشكالها. اضافة الى تزويد الطالب بالميول والاتجاهات الصالحة التي تعلو به عن الدونية، وتسمو به الى القيم الإسلامية الرفيعة، ومراعاة الموضوعات التي يبنى عليها المنهج ان تكون قوية الصلة بالحياة وبالقضايا الإسلامية المعاصرة، والمستجدات الاجتماعية المتغيرة.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "علي شرف"

العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً