عندما تقرأ تقرير الاعتمادات الاضافية الضرورية للمصروفات المتكررة للسنة المالية 2004 فانها تقرّبك لقراءة الموازنة التي خصصت لكل وزارة وعلى اثرها تقيس حجم الاهتمام، وبامكانك أيضا ان تقيّم واقع مؤسساتنا. فحصة وزارة الدفاع من الكعكة 171 مليون دينار، أما حصة وزارة التربية فهي 126 مليون دينار. وأرجو الا تفاجأوا عندما تقرأون حصة وزارة الصحة فحصتها 78 مليون دينار فقط... هل تعلمون الآن لماذا تعيش وزارة الصحة حالا من الضعف؟ ولماذا يطير المواطن الى الأردن حاملا معه أمل العلاج؟ المسئولون في الوزارة يخشون ان يقولوا إنهم يعانون من نقص موازنة... ومن يدفع الضريبة؟ يدفعها المواطن من صحته. (مصدر أرقام الاعتمادات «تقرير وزارة المالية للاعتمادات الاضافية لسنة 2004»).
قبل أيام وصلتني شكاوى من مواطنين من جدحفص يعانون من مشكلات مركز جدحفص الصحي... وتحديدا من كثرة المرضى وقلة الموظفين... وهذه احدى الشكاوى: ابن جاء يحكي قصة ابيه الكبير، قال لي: هل تصدق يا سيد ان «الصندقة» الصغيرة التي يسحب منها الدم لا يوجد فيها سرير؟ ماذا لو اصيب هذا المريض باغماء؟ قلت له: معقولة! غرفة لسحب الدم لا يوجد فيها سرير؟ انت تبالغ. قال لي: سيد أقول لك «صندقة» وليست غرفة... فعلا لا يوجد سرير. ثم عاد قائلا: اتمنى ان تذهب بنفسك لترى الطوابير الممتدة امام الصيدلية، ثلاث نساء يغطين مركزا يضخ لأكثر من 49 ألف انسان حتى تاريخ 2002. الطابور تستطيع ان تراه في بداية الصباح.
بدوري اخذت أجمع المعلومات وأسأل بعضا من أهل مدينة جدحفص والمعلومات في معظمها ليست غريبة عليّ فأنا من أهل جدحفص وعشت طفولتي في هذه المدينة الحبيبة ومنذ صغرنا كنا نرى ونسمع كيف يعاني مركز جدحفص من اهمال وزارة الصحة ومن الاهمال الرسمي.
ذهبت بنفسي مع بعض مسئولي الوزارة وفعلا تفاجأنا بحجم الاهمال. واستمعنا للموظفين وما يعانونه من ضغوط يومية بسبب النواقص، فهم يدفعون الفاتورة من أعمارهم ومن صحتهم، وبعض المرضى لا يقدرون حجم ما يعانيه موظفو المركز من ضغوط، فوراء أي تأخير سيل عارم من الغضب يقع كالمطرقة على رؤوس الموظفين... المهم دخلت المختبر مع المسئول لأجد فيه كمبيوترا واحدا بينما بعض المراكز يوجد فيها ثلاثة «كمبيوترات»، أما في جدحفص الحلقة الاضعف فلا يوجد فيها الا واحد.
الموظفة تشتكي للمسئول قائلة: أحيانا نعاني من نقص في علب ضرورية نتسولها عبر الهاتف من المراكز الأخرى... تقول وهي متألمة: رأيت هذه المرة صورة «صندقة سحب الدم» متر في مترين ولا يوجد فيها سرير بخلاف بقية المراكز. بعض الموظفين سألوا المسئول: ماذا نفعل لو قمنا بسحب دم من مريض فأغمي عليه... أين نضعه؟ هل تعلمون أين يضعه هؤلاء المساكين؟ إنهم «يتحاملونه» ليضعوه على مكان مناسب... ليس مناسبا ولكنه افضل الخيارات، يزيلون كتبا تم صفها في مكان ثم يسندونه عليه... بالله عليك ماذا يفعلون اذا كانت وزارة الصحة عاجزة عن تقديم مكان مناسب مع سرير لمرضى جدحفص؟
وليتك تذهب للصيدلية لترى مهازل الصحة وكيف يقذف بالموظفين من دون رحمة لتغطية «رشتات» مرضى يقدرون رسميا بـ 49 ألف نسمة، ويريدون منهم ألا يخطئوا في تعليم المريض، وان يكونوا دقيقين في تفهيم المريض نوعية المرض.
هذه اطلالة بسيطة من المعاناة وإلى الآن لم ادخل في التفاصيل... طبعا لم أتكلم عن الدرجات والكادر الوظيفي وعن ورشات العمل وعن الدورات التعليمية... الخ فالموظف الذي يوظف في مركز جدحفص مفقود والذي ينتقل منه الى مراكز أخرى - وخصوصا اذا كانت ذهبية - مولود، لأن الموظفين يغطون 49 الف شخص وهم فقط مركز واحد. ما هذا الذي يجري يا وزارة الصحة، انها والله «قسمة ضيزى»، انها مأساة فليس أهل جدحفص أو البديع جرادا بلا احساس... لا أتكلم انتشاء تعالوا نقرأ تقارير وزارة الصحة، واحكموا انتم بأنفسكم. ففي المحرق يوجد 4 مراكز: مركز المحرق الصحي، مركز الشيخ سلمان الصحي، مركز الدير الصحي، مركز بنك البحرين الوطني الصحي. مركز المحرق وحده يغطي 28 الف شخص، مركز الشيخ سلمان يغطي 32 الف شخص، مركز بنك البحرين الوطني يغطي 30 الف شخص ومركز الدير يغطي 16 الف شخص. أما مركز جدحفص - وهنا تقع المأساة - فيغطي 49 ألف شخص حتى العام 2002، والبديع يغطي 45 الفا يعني لو جمعنا جدحفص مع البديع فهما يغطيان 94 الف شخص. (المصدر: «تقديرات السكان حسب المركز الصحي للعام 2002»).
هذا الاهمال هو الذي يكرس الطائفية في البلد... هذا التمييز يضرب الناس في الصميم فدعونا نحل قضايانا بكل واقعية وانصاف، بعيدا عن المجاملات... ارفعوا الاهمال عن القرى كي نصل إلى المواطنة الحقيقية. وللحديث بقية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ