العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ

صدقية الصحافي الذي يأكل مع الجندي من الطبق ذاته...؟!

قراءة في الإعلام الأميركي

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

«لو كان بيدي أن اختار بين حكومة من دون صحافة أو صحافة من دون حكومة لن أتردد في اختيار البديل الأخير»

جيفرسون

يرتبط مفهوم حرية الصحافة في الغرب عموما مع مقولة ابراهام لنكولن «دع الناس يعرفون كل الحقيقة وسيعيش المجتمع في أمان» أو بعبارة أخرى يرى لنكولن أن حرية الصحافة هي صمام الأمان. وهذه مقولة صحيحة إلى حد كبير فالرأي العام المستنير اقرب إلى اتخاذ قرارات صائبة واختيارات صحيحة من مجتمع يعيش في ندرة من المعلومات أو أشباه حقائق.

كما أن الرأي العام الملم بحقائق الموقف يصعب التلاعب به وجره إلى صراعات لا طائل من ورائها والمتتبع لتاريخ الصراعات العربية - العربية و العربية الدولية سيجد أن غياب الوعي بحقائق الموقف، وتقدم حرب العراق والكويت 1990 نموذجا لذلك.

هل أستطيع التأكيد على أن المجتمع الأميركي لا يعاني من مشكلة الفهم للحدث، أي أن الصحافة الأميركية تقوم بمهمتها الإخبارية على أحسن وجه، ولكن هناك الكثير من الحوادث التي أعطت مؤشرات معاكسة، الأميركيون لم يستقبلوا تحليلات كاملة عن حالات الانتحار الجماعية التي انتشرت في أميركا وكندا منتصف 1997، فتيان وفتيات في سن الثانية عشرة إلى التاسعة عشرة يذهبون طواعية إلى الموت تحت النجمة السداسية والصليب المعقوف والعظام والجماجم والموسيقى الصاخبة، لم يكن الإعلام الأميركي وصحافته ناقلين حقيقيين للحدث، على رغم أن بعض «حفلات الموت» كان يزيد حضورها عن أربعين جثة فإن الصحافة الأميركية لم تعترف بها إلا بعد مضي أسبوعين من الحادث الرئيسي. حينما تقرأ الحادثة لابد أن تربط بينها وبين الإحداثيات الإعلامية التي كانت فاعلة آنذاك، فالحديث عن العولمة والتقارب بين الحضارات والثقافة الواحدة وكانت الآلة الإعلامية الأميركية تدعم هذه الروئ، فكيف لها أن تسوق الثقافة الأميركية كثقافة عالمية واعدة ومعولمة، وهي تعلن عن شرخ كبير يبدأ منها، إذ أفضت الثقافة الأميركية بشبابها لحفلات موت وشرب دماء.

الأميركيون وافقوا على الحرب على العراق 2003 ذلك أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل كما بينت حكومتهم وكما أكد إعلامهم، ولكن أين هذه الأسلحة؟ أم أن الإعلام الأميركي خدع الشعب؟ طبعا لابد أن تكون الصحافة الأميركية مميزة في تغطية الحوادث، إلا أن عنصر التوقيت كان يلعب دورا مهما ومؤثرا في الكثير من الحوادث المحلية (عبدة الشيطان) والحوادث الدولية (حروب أميركا في منطقة الخليج). بمعنى أوضح لابد من ربط الإعلام الأميركي بالصورة الأميركية الخارجية في تماس مهم وفاعل ، أي أن الحدث الخارجي والصورة الخارجية لأميركا عامل مهم في تحديد سياسات الإعلام والصحافة في الولايات المتحدة ولو على مستوى التوقيت في الطرح على الأقل.

الإعلام الأميركي والقضية العراقية

الولايات المتحدة خاضت منذ البداية حربا دعائية بالتوسع في استخدام كل ما له صلة بما يعرف بـ «القوة الناعمة» أي «القدرة على الحصول على كل ما تريده عن طريق إقناع الآخرين بأهدافها» ، وذلك جنبا إلى جنب مع استخدام «القوة الصلبة» بكل أنواعها العسكرية والاقتصادية.

وقد حرصت الولايات المتحدة منذ البداية على استخدام منهج مزدوج في إدارتها لترسانتها من القوة الناعمة بما أتاحه التفوق الأميركي في ثورة الإعلام والمعلومات والقدرة على توظيفها؛ فمن ناحية سعت الولايات المتحدة إلى احتكار الإعلام والسيطرة عليه سيطرة كاملة ومتفوقة، ومن ناحية أخرى عملت على محاصرة أجهزة الإعلام المناهضة للحرب والحيلولة بينها وبين الوصول إلى الحقائق كما هي على الأرض خشية تقويض الدور الذي تقوم به الأسلحة الأميركية المتفوقة. وفي كتاب صدر أخيرا بعنوان «أسطورة حرية الصحافة» الذي كتب مقدمته الكاتب والروائي الأميركي الشهير «جور فيدال» استعرض عدد من أبرع الصحافيين الأميركان تجاربهم خلف الكواليس في الصحف وشبكات التلفزيون وبالذات خبرة الحرب الأميركية ضد أفغانستان بعد حوادث 11 سبتمبر 2001، إذ أغرقت وسائل الإعلام الأميركية رجل الشارع بشعارات متعددة والتي وظفت في خدمة السياسة التي رسمها المسئولون في البيت الأبيض «أمة خيرة، ديمقراطية، محبة للسلام، تتعرض لهجوم مجموعة من الإرهابيين المجانين الأشرار، الذين يكرهون أميركا لما تتمتع به من حرية ورخاء»! وإزاء ذلك فلابد من أن تستخدم أميركا قدراتها العسكرية، وأن تتعقب المذنبين وتقضي عليهم وتهيئ نفسها لحرب تستأصل سرطان الإرهاب من جذوره وتقضي عليه. أما هؤلاء الذين لا يقفون إلى جانب أميركا في حربها العادلة في الداخل أو الخارج؛ فلابد من اعتبارهم متواطئين يسري عليهم ما يسري على مرتكبي الجريمة. صور المغالطة الإعلامية الأميركية تأكدت في حرب تحرير العراق؛ فقد مارست الإدارة الأميركية ضغوطا واسعة على وسائل الإعلام وسعت للتأثير عليها؛ إذ فرضت على الصحافيين المشاركة في الصفوف الأمامية للمعركة، وخضعوا للتدريب على استخدام الأسلحة بحيث تصبح قدرتهم أقل على نقل الحقيقة بموضوعية، وكان عدد من الصحافيين التابعين لبعض الفضائيات قد غطّى أخبار الحرب عبر تنقله بالمدرعات الأميركية في الوقت الذي نصبت فيه بعض الفضائيات كاميراتها على مقدمة الدبابات التي كانت تتحرك تجاه بغداد والمدن العراقية الكبرى، كما كشف «كلايف مايري» مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في العراق أثناء الحرب أن قوات الغزو الأميركية فرضت لبس الزي العسكري على الصحافيين المرافقين لها، وأن الصحافيين كانوا يعيشون مع الجنود ويأكلون معهم؛ إذ نشأت بعض الصداقات بينهم، ما أدى إلى تراجع موضوعية هؤلاء الصحافيين. كان الهدف هو طمس الحقائق ونشر معلومات محددة تخدم أهداف الغزو، ولم يكن التورط الأميركي في قصف مكتبي (الجزيرة) و(ابو ظبي) في بغداد إلا إصرارا على احتكار الصوت والصورة معا، وجاء هذا القصف بعد أن قامت (الجزيرة) بنقل صور الدمار الذي أحدثه الغزو الأميركي على عكس صورة «الحرب النظيفة» التي كانت تريدها الإدارة الأميركية، وبعد أن عرضت المحطة صورا لأسرى القوات الأميركية - البريطانية في العراق.

وأكد مراقبون أن القوات الغازية سعت بقوة للسيطرة على الصوت والصورة في الحرب على العراق، ولم يكن المركز الإعلامي الأميركي في قاعدة «السيلية» بقَطَر إلا رمزا لهذه السيطرة، ولم تكن الانتقادات بتجاوز المواثيق الدولية والإساءة لأسرى الحرب بعرض صورهم عندما عرضت (الجزيرة) صورا لهؤلاء إلا حرصا على منع أي تلفزيون آخر من التورط في بث مثل هذه الصور. وجاء قصف الطائرات الأميركية لمكتبي (الجزيرة) و(ابو ظبي) في بغداد ليؤكد إصرار الولايات المتحدة على كتم أصوات الشهود عن أي شيء يرتكب خلاف ما خطط له الأميركان وما أرادوا ان تكون الصورة والصوت عليه. نعود نتساءل مرة أخرى: لماذا لعب الإعلام الأميركي على تشجيع الإدارة الأميركية على خوض الحرب الأخيرة في العراق؟ ولماذا هو بذاته من فضح التجاوزات الأخيرة التي وقع فيها الجنود الأميركيون تجاه الأسرى العراقيين؟ لمصلحة من تدور رحى الإعلام الأميركي؟ هنا بالتحديد تكمن الدمية الروسية. المؤسسات الإعلامية التي حركها العسكريون أثناء الحرب انتهت فترة إدارتهم لها وعاد الأمر طبيعيا، المؤسسات الإعلامية الأميركية والتي يتحكم برؤوس أموالها اليهود كما يذهب الكثير من المحللين هنا وهناك ليس من المعقول أن تكون الإطاحة ببوش الابن من مصلحتهم عبر التركيز على محور الأسلحة التي لم تكتشف في العراق أو عبر إسقاط شعبية حكومة بوش عبر نشر الصور المروعة التي نشرت كدلالة لانتهاكات الجنود الأميركيين لحرمة الإنسان العراقي. لعل الإعلام الأميركي إستطاع الرجوع لبعض صدقيته حين فضح تلك الممارسات وأرجع لنفسه بعض البريق واللمعان الذي فقده إبان التغطية لحرب تحرير العراق والتي علقنا على محتوياتها ومنهجها أعلاه.

اللوبي اليهودي الأميركي هو منطقيا يدعم المسيحيين المحافظين الجدد والذي تنتمي له زوجة بوش الابن، والتي ساقت زوجها ليكون أول رئيس أميركي لا ينام قبل قراءة صفحات من الكتاب المقدس! وهم فعلا (الجمهوريون) من خدموا القضية الإسرائيلية بقوة في الولايتين الماضيتين لهم. لذلك كيف يمكننا حل المعادلة؟ هنا الدمية الروسية وهنا غرابة الإعلام الأميركي.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً