العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ

وسطية الإعلام تعني الانحياز إلى الناس

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

أثناء مشاركتي الأسبوع الماضي في الأردن في مؤتمر «وسطية الفكر الإسلامي» سألني أحد المشاركين عن مفهوم اسم «الوسط» الذي اخترناه لصحيفتنا، وهل يعني ذلك أن الصحيفة ليس لها ميل إلى اتجاه معين.

السؤال مهم جدا، وحتى في كثير من البلدان عندما يخرج إلى السطح حزب باسم الوسطية تثار الأسئلة في أي اتجاه يتحرك هذا الحزب إذا كان دائما في الوسط، فلربما أصابه الشلل لأنه يمسك العصا من الوسط دائما، وفي حال تعقد الظروف فإن هذه الجهة أو تلك يجب عليها أن تميل ناحية معينة لكي تتحرك المياه الراكدة.

جوابي كان ان «الوسط» تعني أساسا الانحياز للناس، بمعنى أن ما ننشره ونطرحه يجب أن يستجيب لمطالب ومصالح الناس، وأنه في حال تضارب مصلحة الناس مع مصالح أخرى، تغلب كفة الناس. فكثير من وسائل الإعلام لا تغطي أخبارا مهمة تهم الناس لأن تغطيتها تعني قطع الإعلانات عنها من الجهة التي قد تمسها التغطية، أو أن التغطية قد تثير من له نفوذ خاص. هذا االانحياز للناس يجب أن يكون حاضرا دائما لدى كل من يعمل بضمير وعليه أن يحاول التخلص من القيود مهما استطاع. هذا الميل والانحياز للناس هو عنوان الوسطية في العمل الإعلامي والسياسي.

ثم أن الوسطية لا تعني أن يتنازل المرء عن قول الحقيقة، فالحقيقة - بالمعنى الصحافي - هي وجود الوثائق والادلة على ما يتم نشره. فقبل أن ينشر خبر ضد جهة معينة أو شخص معين، فإن الصحافي الملتزم عليه أن يحافظ على سمعته، والصحيفة عليها أن تحافظ على سمعتها، والسمعة تكمن في اقتناع القارئ بأن الصحافي والصحيفة لديهما أدلة على ما طرحاه من حديث، أو إن لديهما مصدرا معتمدا فيما طرحاه. ومن الناحية العملية، فإن الصحافة الملتزمة أمامها كم هائل من الأخبار ولكن لا يمكن نشر أكثرها لعدم وجود الدليل. كما أن بعضها لا يمكن نشره لاعتبارات قد تضر أكثر مما تنفع. ولذلك فإن الصحافة قد تطرح آراء مزعجة لبعض الجهات، وقد تكون مزعجة لكثير من الناس، ولكن إذا كان هناك مبرر عقلاني فإنه يكون مقبولا.

الوسطية تعني الاستقلالية أيضا، والاستقلالية تعني ألا تتحول الصحيفة إلى «علاقات عامة» لبعض الشركات والجهات. فبعض وسائل الإعلام تحول صفحاتها إلى مساحات لعلاقات عامة ويتم التضحية بالخبر، وهذا أمر قد ينفع الصحيفة على المستوى المادي، ولكنه يضر بسمعتها. فالمساحة المحددة للعلاقات العامة يجب أن تكون واضحة على أنها علاقات عامة، فلا يجوز مثلا نشر أخبار «علاقات عامة» وكأنها الخبر الأساسي على الصفحة الأولى.

الوسطية تعني التوازن في مراقبة من لديهم سلطة ونفوذ. فالمواطن يتوقع أن يقرأ الصحيفة ليعرف ماذا يقول ويعمل من بيده صلاحيات القرار السياسي والاقتصادي. فهؤلاء يصدرون قرارات ويجب على المواطنين تنفيذها، وفي الدولة الديمقراطية فإن أي شخص يتسنم منصبا عاما عليه أن يتوقع «التشريح» من قبل الصحافة لكي يعلم الناس أن القرار اتخذ لمصلحتهم وليس لمصلحة خاصة.

الوسطية تعني أن تكون الصحيفة منبرا للحوار لكي تتوسط بين مختلف الاتجاهات الفاعلة في الساحة ضمن حدود. فلا توجد صحيفة في أي مكان في العالم من دون حدود، ولكن ينبغي أن تكون الحدود مفهومة ومقبولة لكي ينتعش الحوار الوطني.

الوسطية تعني احترام المواطن وعدم الاستهانة به ومحاولة الضحك عليه. فالمواطن هو سر نجاح السياسة والصحافة، ومحاولة استهجانه هي بداية الموت للسياسة والصحافة. وإذا أخذنا كل هذه المفاهيم مجتمعة، فإننا نطرح أنفسنا وسطا بين الناس والى الناس

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 666 - الجمعة 02 يوليو 2004م الموافق 14 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً