العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ

مناورة تؤشر إلى خطورة التحدي

استباق موعد 30 يونيو:

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

تقديم موعد 30 يونيو/ حزيران بيومين ونقل «السلطة» - أية سلطة؟ - إلى الحكومة العراقية، في إطار من التكتم وبالسرعة الخاطفة التي غابت عنها المراسم الاحتفالية التي رافقت المناسبات الرسمية السابقة، ليس سوى مناورة غايتها: 1- إحباط أية عمليات عسكرية كبيرة يمكن أن تكون قوى المقاومة خططت لتنفيذها يوم 30 يونيو بالذات. 2- انتزاع المبادرة من يد هذه القوى ومفاجأتها لحرمانها من تسجيل خبطة مدوّية في ذلك اليوم تحرج الحكومة في يومها الأول من ممارسة الحكم المستقل - ولو بالاسم - وبالتالي تنسف صدقيتها وتكشف عجزها من البداية.

وإذا كانت هذه المناورة تشي بشيء فهو أنها تنطوي على اعتراف ضمني بخطورة التحدي الذي ينتظرها، على الصعيد الأمني، واضطرارها إلى القيام بحركة استباقية من أجل تفويت الفرصة على الخصم ومنعه بالتالي من تدشين المرحلة الجديدة بما يخدم أجندته، وكأن حكومة علاوي تعترف بطريقة غير مباشرة بأن المبادرة، أمنيا، هي بيد هذه القوى واقتضى إرباكها وتعطيلها ولو ليوم واحد.

غير أن هذه الحركة الالتفافية، لا تؤثر أو تبدّل في حقيقة أن ما يسمى بنقل السلطة، بصرف النظر عن تاريخ حصوله، هو في الواقع امتحان صعب وفاصل، ليس لحكومة علاوي ومدى قدرتها على ضبط الوضع وعلى كسب المقبولية لدى العراقيين فقط، بل كذلك لإدارة الرئيس بوش وحساباتها العراقية، مع ما يستتبع نجاحها أو رسوبها في هذا الامتحان من تداعيات على حملة انتخابات الرئاسة الأميركية. وهذا أكثر ما يشغل واشنطن ويقلقها في هذه اللحظات. فالإدارة باتت مكشوفة، ووضعها بات سريع العطب. ذريعة أسلحة الدمار سقطت وانكشف زيفها. وكذلك ذريعة العلاقة المزعومة بين عراق صدام و«القاعدة». وقد دفع بوش ثمن هذا الانكشاف من رصيده المتآكل الذي بات يهدده بهزيمة انتخابية. والآن جاء وقت الاختبار لوعده، أو بالأحرى لزعمه الآخر بأنه ذهب إلى الحرب من أجل إقامة عراق حرّ ديمقراطي!

سقوط هذا الوعد، إذا فشل الانتقال وتحوّل إلى فوضى وفلتان، قد يقضي على ما تبقى للرئيس بوش من رصيد ليفضي بالتالي إلى الإطاحة بمحاولة تجديد ولايته. فهو يقف الآن على عتبة الخسارة ووضعه المهزوز لا يحتمل المزيد من النكسات في الملف العراقي. والاعتقاد الراجح في واشنطن أن هذا الملف لا يحمل بشائر خير للرئيس، على الأقل خلال الفترة المتبقية من حملة انتخابات الرئاسة.

عندما حدّد البيت الأبيض - أساسا - موعد 30 يونيو كانت حساباته أن معركة الرئيس الانتخابية بحاجة إلى فترة الأشهر الأربعة الأخيرة من الحملة للتفرغ لها، بعيدا عن متاعب العراق واحتلاله. ولتحقيق ذلك، لابدّ من وقف النزف، من خلال وضع العراقيين في الواجهة، عندئذ تبتعد القوات الأميركية عن ميدان المواجهات اليومية، فتنحسر خسائرها ويتم حجب الاحتلال وبالتالي يسترجع الرئيس بعض الصدقية. أو على الأقل يتوقف التآكل في وضعه الانتخابي، بحيث تتوافر الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة بناء الثقة بقيادته.

لهذا الغرض تمّ تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة. كما تمّ استصدار القرار 1546 من مجلس الأمن الذي منحها شرعية دولية، تعزز عملية تسويقها في الداخل. لكن الأمور على الأرض لا تسير في الاتجاه المطلوب والمرغوب. فالوضع الأمني تفاقم وبقي خارج السيطرة. لا، بل إنه ينذر بالمزيد من التدهور المفتوح على الاحتمالات كافة. تصاعد الكلفة ووتيرة المواجهات اليومية الدامية، فضلا عن سلسلة التفجيرات الأخيرة التي حصدت عشرات الضحايا في يوم واحد، حملت الكثير من المراقبين في واشنطن على إبداء الشكوك والتخوفات مما قد يحمله المقبل من الأيام والأسابيع، في أعقاب «نقل السلطة». وقد توقف هؤلاء عند درجة «التنسيق العالي» الذي رافق العمليات الأخيرة ورأوا فيه مؤشرا إلى وجود إمكانات قادرة على تهديد الأمن وحكومة علاوي معا.

ويأتي هذا التصعيد على خلفية تراجعات اضطرارية للإدارة وخسائر تكبدتها، نتيجة المطاردة المكثفة، في الآونة الأخيرة، لقرار حربها على العراق وما استند إليه من تلفيق وتضخيم. فالرئيس بوش، منذ فترة، في خندق الدفاع. ودفاعاته تتهاوى أمام تزايد الهجوم عليه من عدة بوابات. في الكونغرس توالت جلسات الاستجواب لمسئولي الإدارة، في ظل أجواء مثيرة أدت إلى التراشق والملاسنة وبعبارات نابية وبذيئة بين نائب الرئيس تشيني والسناتور الديمقراطي باتريك لاهي.

كذلك يتواصل الحديث في الكثير من وسائل الإعلام عن «الكذب» الذي مارسته الإدارة والذي أدّى إلى الورطة العراقية. وزاد من ضغط المطاردة نزول فيلم «فهرنهايت 11/9» إلى صالات العرض في المدن الأميركية والذي ينشر غسيل قرار الحرب ومسوغاته المفبركة. وكان سبقه كتاب مفتوح رفعه عدد من كبار الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين السابقين، وتضمّن إدانة لقرار الحرب ودعوة إلى إسقاط الرئيس بوش في الانتخابات. كما سبق أن استبعد القرار الأوّلي للجنة التحقيق في حوادث 11 سبتمبر/ أيلول (المتوقع أن يصدر قرارها النهائي يوم 26 يوليو/ تموز) وجود أية علاقة بين عراق صدام و«القاعدة»، خلافا لما زعمته الإدارة وتذرعت به كمبرر للحرب. وقد أتى ذلك بمثابة صفعة قوية - لأنها صادرة عن هيئة أميركية - للإدارة وزاد من إحراجها وإرباكها.

ولم يقتصر التأفف والتعبير عن الضيق من ممارسات الإدارة على خصومها فقط، بل شمل قوى وجهات محسوبة على خندقها. حتى صحيفة «واشنطن تايمز» الناطقة تقريبا باسم الإدارة حصل خلاف في صفوف القيّمين عليها، بشأن سياسة البيت الأبيض وتوجهاته. ناهيك عن بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، حزب الرئيس، مثل السناتور هايغل وغيره. كل ذلك أدّى إلى هبوط رصيد بوش بمقدار 13 في المئة منذ أبريل/ نيسان حتى الآن، بعد أن كان يتقدم على منافسه كاري بفارق 21 نقطة. آخر الاستطلاعات تفيد بأن 48 في المئة مع كاري و47 في المئة مع بوش. وفي ضوء ذلك دبّ نوع من الذعر في صفوف الجمهوريين، وكله بسبب الملف العراقي. ومن هنا كان الاستعجال في نقل الحكم، علّ الخطوة تساهم في وقف النزف في رصيد بوش، لكن مناورة الاستباق لا تتعدى، بحد ذاتها، «الحركة البهلوانية»، على حد تعبير الجنرال الأميركي المتقاعد باري ماكغفري. والإدارة التي لا أولوية لديها الآن غير الانتخابات، قادمة على صيف عراقي ساخن، قد يكون العامل الحاسم في انتخابات الرئاسة. وإذا كان بوش مازال حتى اللحظة في موقع المنافسة التي لا يُستهان بها، على رغم انكشاف كل لطخات حرب العراق، فذلك لأن منافسه الديمقراطي لم يقوَ حتى الآن على الإقلاع، لأنه لم يأتِ بجديد، ولا على التخلص من الصورة الباهتة لحملته الانتخابية. وقد يكون عجزه هذا حبل النجاح لبوش إذا ما استمرت الحال على هذا المنوال. فالمفارقة أن بوش يغرق لكن كاري لا يعوم

العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً