في يومي 24 - 25 من شهر فبراير/ شباط 2009، احتضنت المنامة «منتدى ومعرض الأمن». عكست التغطية الإعلامية الأجواء التي سادت جلسات المنتدى، والتي تمحورت معظمها حول أهمية «دقة جمع المعلومات» وضرورة «تبادل المعلومات»، ومتطلبات بناء «أنظمة أمنية قوية» من أجل «السيطرة على الحدود ومنع تسلسل العناصر الهدامة»... إلخ. ومع التطورات التي شهدتها العلاقات الدولية، وفي ظل الواقع الدولي الراهن بكل ما يحمله من متغيراته، تحول الأمن القومي من قضية تشغل بال الحكومات والدول، إلى مسألة يومية تمس حياة المواطن العادي، بكل ما يعني ذلك من أمن ذاتي يشمل الأمن الغذائي بل وحتى الثقافي.
مما لا شك فيه أن «الأمن الوطني» من المسائل التي لا يمكن أن توضع على بساط البحث من أجل المناقشة، فهي في جوهرها قضية تمس جميع فئات المجتمع، ومؤسساته وأفراده، بغض النظر عن مكانة - أي من تلك الفئات - السياسية أو الاجتماعية. لكن الحوارات التي غالبا ما تثير النزاعات أو الخلافات تدور حول: تعريف الأمن الوطني أو مفهومه، إذ غالبا ما تتسم المفاهيم والتعريفات ببعض الغموض، ولعل ذلك يعود في بعض أسبابه إلى حداثة مصطلح «الأمن الوطني».
فالبعض، مثل أستاذ الدراسات الاستراتيجية المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية بمصر زكريا حسين، يرجعه إلى «نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأميركي العام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم (الأمن) بمستوياته المختلفة طبقا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية».
لكن هناك آخرون من نمط الباحث الاستراتيجي عادل زقاغ الذي ينقل عن الباحث الاستراتيجي الياباني، تاكايوكي يامامورا، تحديده لظهور هذا المفهوم بالرجوع إلى «نهاية الحرب الباردة، ونشوء نظام عالمي جديد، وبروز القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وأثرتا في مسار العلاقات الدولية واضطرارهما إلى إدخال تغييرات في تصوراتهما الأمنية والاستراتيجية».
أما عبدالنور بن عنتر فهو يستعين، في مقالته المعنونة «تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية» بتعريف «الأمن» بما يعتبره «أحدث تعريفات الأمن والأكثر تداولا في الأدبيات الأمنية المتخصصة»، والذي جاء على لسان أحد أبرز المختصين في الدراسات الأمنية، باري بوزان، الذي يعرف الأمن بأنه «العمل على التحرر من التهديد، من خلال قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية».
آخرون (حسب آراء تابعت المنتدى)، «يميزون بين مفهومين للأمن القومي: أولهما تقليدي، والآخر معاصر»، الأول و»يقصد به حماية مصالح الدولة الوطنية والقومية من التهديدات الخارجية والتي تحول دون تحقيقها باستخدام القوة العسكرية كوسيلة نهائية لاستئصال مصادر التهديد واستمرارية تحقيق وحماية تلك المصالح ولذلك كان يفهم أمن الدولة على أنه أمنه العسكري». أما المعاصر، فهو «حصيلة التغير الذي طرأ على الرؤية التقليدية لمفهوم الأمن القومي والذي جاء نتيجة للتغير الذي حصل في خصائص النظام الدولي وانتقال مفهوم الاستراتيجية (السوق) تبعا لذلك من معناه العسكري الضيق إلى معنى أكثر اتساعا وشمولية أدّى بدوره إلى اتساع مدلول الأمن القومي واتخاذه معاني وإبعاد إضافية».
هناك بعد آخر تناوله تقرير التنمية البشرية لعام الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1994، والذي ركزت وثيقته الرئيسية على المفهوم الأمني من زاويته الإنسانية، في نطاق تفاعلها مع أسس ونظريات التنمية، وهي مسألة يتناولها بالتفصيل الكاتب السعودي عبدالرحمن بن عبدالله الصبيحي، حين يربط بين الأمن الوطني و»مفهوم الأمن الإنساني بإبراز قوة العلاقة بين الأمن الإنساني والتنمية، (معتبرا) أن نموذج التنمية البشرية يربط بين كل من الأمن الإنساني والتكافؤ والاستدامة والنمو والمشاركة، بما أن التنمية تتيح إجراء تقويم لمستوى الأمن الحياتي الذي يحرزه الناس في المجتمع».
هذه التعريفات والمفاهيم، تبيح لكل جهة أن تختار ما يناسبها، لكننا، وإذا ما نزلنا علياء المفاهيم والتعريفات إلى واقع المواطن العادي واحتياجاته، فمن الطبيعي أن نكتشف أن الأمن في جوهره هو شعور أفراد مجتمع منا، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو السياسية بالاستقرار والسكينة من خلال شعورهم بالمسئولية الأمنية تجاه المجتمع الذي يقيمون فيه. يتحول كل فرد في هذا المجتمع إلى صمام أمان «أمني» يضمن سلامة المجتمع واستقراره، من خلال التقيد بكل ما جاء في التشريعات والأنظمة المعمول بها في ذلك المجتمع، والامتناع، وبرادع ذاتي عن القيام بأي شيء من شأنه الحيلولة دون تطبيقها أو انتهاكها.
قد يبدو هذا الاصطلاح أو المفهوم للأمن واسعا مطاطا بعض الشيء، لكنه في حقيقة الأمر يمس جوهر المسألة الأمنية. فالمواطن، لا يمكنه أن يكون «أمينا» أو مدافعا عن رقعة جغرافية لا يشعر - لأي سبب من الأسباب - بأنه لا ينتمي لها أو لا تلبي الحد الأدنى من احتياجاته المعيشية. والولاء للوطن، هو الآخر ليس مسألة عاطفية مجردة، بقدر ما هو حماية مصالح مشتركة، تولدت عبر مرحلة زمنية معينة، تنبري للدفاع عنها الفئات المستفيدة من تلك المصالح.
لذا فمن الطبيعي، كلما ازداد حضور تلك الفئات اتساعا في الجتمع، كلما ازداد نطاق الفئات التي لها مصلحة مباشرة في حماية «أمن ذلك المجتمع»، والعكس صحيح تماما. ولكي نصل إلى مجتمع أمن، علينا أن نحقق الشعور بالأمان لأوسع رقعة سكانية ممكنة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2368 - السبت 28 فبراير 2009م الموافق 03 ربيع الاول 1430هـ