العدد 664 - الأربعاء 30 يونيو 2004م الموافق 12 جمادى الأولى 1425هـ

ترتيبات اللحظات الأخيرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تنجح الولايات المتحدة في استدراج دول الحلف الأطلسي إلى السقوط في رمال العراق في ترتيبات اللحظات الأخيرة بعد إعادة الانتشار؟ المؤشرات تدل على أن هناك ممانعة أوروبية من التورط لانقاذ سياسة أميركا من مشروع يبدو أنه أصاب نجاحا في جوانب وفشل في جوانب أخرى. واشنطن ارادت من قمة اسطنبول الأطلسية التعويل على دعم أوروبي وهذا ما نالته جزئيا. فالاتحاد الأوروبي بات في موقع يدعم السياسة الأميركية التي تقول بإعادة الانتشار والانسحاب التدريجي الذي يتوقع أن ينتهي إذا صدق الكذاب في مطلع العام المقبل. فأوروبا تجاري أميركا في لحظات الانسحاب ولا توافق معها على الاستمرار في استراتيجية الهجوم التي أعلنتها سابقا وكررتها مرارا. هذا الجانب التوافقي في مسألة الانسحاب التي بدأت خطوتها الأولى في إعادة الانتشار لا يعني بالضرورة تطابقا في كل الخطوات. فأوروبا وافقت على دور محدود في العراق ورفضت حتى الآن التورط كشريك في الجريمة في بلد يعاني من الفوضى وعدم الاستقرار. وأوروبا التي رفضت المشاركة العسكرية في الحرب أو في ترتيب الانسحاب باتت توافق الآن على دعم خطوات أميركا الأخيرة ولا مانع لدى دولها في تدريب الجيش وأجهزة الأمن لأخذ موقع في "العراق الجديد". هل يمكن اعتبار هذه الليونة الأوروبية بداية لاستدراج دول الحلف الأطلسي للسقوط في الرمال العراقية أم هي خطوة أوروبية لانتشال أميركا من تلك الرمال المتحركة؟ يصعب الآن تقديم الجواب النهائي لأن هناك الكثير من الشكوك في الموقف الأميركي الذي لجأ في الشهور الأخيرة إلى المناورات السياسية وتكتيك تبديل الاقنعة. الجواب النهائي له صلة بالاستراتيجية الأميركية والطموحات "العنترية" التي أطلقها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في نشوة انتصاراته الوهمية على قبيلة البشتون في أفغانستان وأسرة صدام حسين وعشيرته في العراق. فالجواب له صلة بمدى صدقية الولايات المتحدة وهل فعلا أنها اكتشفت الأخطاء التي تذرعت بها للعدوان على المنطقة الإسلامية - العربية. كل الأجوبة ستكون غامضة لأن عناصر الواقع غير واضحة المعالم. فالوقائع تشير إلى أن السياسة الأميركية فشلت على رغم النجاحات العسكرية. والنجاحات لا تعني بالضرورة انتصارات لأن الانتصار يعتمد على شروط سياسية لا قهرية. فواشنطن قهرت أفغانستان والعراق وتهدد بقهر المزيد من الدول العربية والمسلمة ولكن القهر العسكري ليس انتصارا في السياسة. والسياسة لها الكثير من الشروط آخرها الحل العسكري. هذا جانب من الغموض. فهل توصلت أميركا إلى إعادة النظر في استراتيجيتها وبدأت بقراءة نقدية لملفات أفغانستان والعراق أم أنها تريد المناورة وكسب الوقت وترتيب اللحظات الأخيرة بعد إعادة انتشار القوات. حتى هذا الأمر غير واضح. لكن الواضح هو أن الرئيس الأميركي يمر في فترة حرجة قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية. ويرجح أن عوامل الوضع الداخلي هي التي أملت على إدارة البيت الأبيض اتباع أسلوب الليونة مع الحلفاء في الأطلسي وأوروبا والدول الثماني. موعد الانتخابات الرئاسية أهم بالنسبة الى جورج بوش من موعد إعادة الانتشار. فالأخير يغذي الأول ويعطيه بعض القوة في لعبة التوازن مع منافسه الديمقراطي جون كيري. منافسه ليس قويا وتبدو عليه علامات الارتباك وغير واضح في مواقفه باستثناء دعمه المطش التي يميل إليها عادة الناخب الأميركي. إلا أن كيري يملك الكثير من أوراق القوة. فهو مثلا ينال دعم الولايات الشمالية الغنية، وينتمي إلى عائلة كاثوليكية الأمر الذي يكسبه أصوات الاقليات الارلندية واللاتينية، وعليه الآن تسمية نائبه للرئاسة في الشهر المقبل ويرجح أن يختاره من ولايات الوسط "مركز ثقل بوش" أو من ولايات الجنوب الذي تغلب عليها أكثرية من الهاسبنكس "جماعات مهاجرة من المكسيك وكوبا ومختلف دول أميركا اللاتينية". كل هذه المجموعات تشكل نقطة قوة في أوراقه التي لم تكشف بعد. يضاف إلى ذلك هناك ورقة الاقتصاد الأميركي وهذه ناحية تشد انتباه الناخب. فالولايات المتحدة سجلت في عهد بوش أسوأ النتائج بسبب تركيز إدارته على الجوانب الأمنية والعسكرية والتخطيط للحروب وانفاق المليارات على اجتياح الدول وملاحقة "القاعدة" و"الزرقاوي" وغيره من ألوان. فالانفاق على الدفاع والتصنيع الحربي فاق كل المعدلات والتوقعات وبدأ الآن يضغط على مجمل قطاعات الانتاج والتوظيفات. بوش إذا في مأزق داخلي ربما يستغله كيري ويعيد توظيفه لانتقاد سياسة البيت الأبيض الخارجية. فهل تنجح واشنطن في تدوير أزمتها وتوريط أوروبا معها أم يدفع بوش ثمن سياسته لوحده ويخسر معركة التجديد في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؟ نترك الجواب لوقت لاحق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 664 - الأربعاء 30 يونيو 2004م الموافق 12 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً