الفكرة الذهنية البحرينية عن العلاقات مع الولايات المتحدة مازالت مرتبطة بالتسهيلات العسكرية التي قدمتها الحكومة إلى أميركا حتى أصبح المواطن عندما يغضب وتثار مشاعره جرّاء الدعم الأميركي للكيان الصهيوني يطالب بإغلاق القاعدة العسكرية الأميركية في الجفير. وفي الوقت نفسه مازال المواطن يرى أنه هو المتضرر الأكبر من التحالف البحريني - الأميركي مع مجتمعه المحلي.
مثل هذه الأفكار والارتباط الذهني يشير إلى ان حال الكراهية والبغضاء التي يحملها عموم أبناء الوطن تجاه الولايات المتحدة، وهي طبعا لا تختلف البتة عن مثيلتها في البلدان العربية والإسلامية، خلقت ظاهرة جديدة في الثقافة العربية الإسلامية في ضوء ما أصابها من وهن، وما اعتراها من تخلف نتيجة حوادث القرون الماضية. فقد سيطرت على هذه الثقافة ظاهرة العاطفة التي عززت من اتجاهات الجهل وتداعيات التخلف المعرفي، حتى أصبحنا نطلق أحكاما قيمية بالإطلاق على الكثير من الفعاليات والمشكلات والظروف القائمة. وأصبحت هذه الظاهرة أداة جديدة لعدم مواجهة الواقع ومجابهة تحدياته، ما زاد من سلوك الخنوع والقبول بالأمر الواقع.
بإمكاني توجيه المسئولية في هذه الظاهرة إلى ثلاث جهات لا أكثر، هي: المؤسسات الدينية، وسائل الإعلام، وأجهزة التربية والتعليم. فقد ساهمت بشكل غير محدود في خلق الصورة الذهنية للولايات المتحدة لدى المواطنين، وحفزتهم نحو اتجاهات معينة ضمن الصورة العامة. ففي الوقت الذي ركزت وسائل الإعلام على نقل صورة محددة لتفاعلات السياسة الخارجية الأميركية، كانت أجهزة التربية والتعليم مغيبة تماما عن الدور الأميركي في التاريخ البحريني والعربي والإسلامي، وفي المقابل عكف منتسبو المؤسسات الدينية على رسم صورة سلبية قاتمة للولايات المتحدة ومواقفها تجاه قضايا العالم العربي والإسلامي من دون أن يقدموا البدائل العملية الممكنة بالوسائل المتاحة على أرض الواقع للتعامل معها.
والسبب في ذلك كله يعود إلى الجهل بطبيعة الولايات المتحدة الذي انعكس على الناس، وأصبحوا يتعاملون مع أميركا بعواطفهم قبل أن يدركوا إمكان التغيير بعقولهم. ومن أبسط الأمثلة للجهل المعرفي الناجم عن الظاهرة العاطفية أن فئة عظمى من المواطنين لا تعلم مثلا تاريخ الوجود العسكري الأميركي في الخليج والذي يعود إلى قبل مئة عام على احتلال السفارة الأميركية في طهران، وتحديدا في ديسمبر/ كانون الأول 1879. كما ان كثيرين، وخصوصا من جيل ما بعد استقلال البحرين لا يعلمون عن تاريخ القاعدة العسكرية في الجفير، التي أنشأتها بريطانيا العام 1943 خلال الحرب العالمية الثانية، ثم تولتها القوات الأميركية بعد إعلان انسحاب بريطانيا من شرق السويس في العام 1968، وتم توقيع عدة اتفاقات تنظم استخدام القوات الأميركية لقاعدة الجفير.
أيضا من الأمثلة على الظاهرة العاطفية في إبداء المواقف تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة الجهل بأن المغرب كان أول بلد في العالم يعلن اعترافه بقيام الولايات المتحدة الأميركية قبل قرون.
خلاصة القول إن استمرار الجهل بالولايات المتحدة وسياساتها سيبقينا - نحنِ الشعوب العربية والإسلامية - أمام تحد خطير لعقود آتية إذا ظلت الأجيال الحالية والمقبلة غارقة في العاطفة عند تحليل علاقاتها الخارجية، وخصوصا مع أميركا التي انفردت بالنظام الدولي منذ أكثر من عقد كامل
العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ