العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ

الحيوانات: طرائق ذبحها بين الحلال والحرام والذبح الرحيم

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

في بريطانيا وفي بلاد أخرى غربية يدور جدال عنيف بشأن طرائق ذبح الماشية لاستخدام لحومها من قبل الآدميين، إذ يصرح نشطاء في مجال «حقوق الحيوان» بأن الوسائل التي «يصر» على استخدامها «اليهود» و«المسلمون» قاسية وغير رحيمة»؛ وتصر الجاليتان على القول إن «شرائع الأديان غير قابلة للتغيير»، وإن «شريعة القرآن والتوراة» تشترط «أن يكون الحيوان حيا وصحيحا قبل الذبح»، غير أن «مجلس رعاية الحيوان» أصر على موقفه و«لم يتزحزح» منذ إثارة اقتراح فرض الحظر على الذبح أول مرة العام 1985. في الوقت ذاته رفضت الحكومة البريطانية الدعوة إلى «حظر وسائل ذبح الماشية لإعداد اللحم الحلال الإسلامي والكوشِر اليهودي»، وهي قد عجزت فيما سبق في نشر «أدلة تثبت أن الحيوانات تتعذب». هكذا نقلت «البي بي سي» صورة الحدث.

في السنة الماضية صرح «مجلس رعاية حيوانات المزارع» أن «قتل الماشية من دون صعقها أولا يتسبب في ألم جم للحيوان». كما صرحت رئيسة المجلس جودي ماكارثي - كلارك» قائلة: «إن جهود المجلس أحدثت على الأقل بعض التغيير في الطريقة التي يتم بها التعامل مع الحيوانات قبل الذبح وأثنائه». وأضافت: «ليس من البساطة قتل الحيوان من دون صعقه، فالحيوان لا يتقبل الأمر بسهولة». وهناك هيئة في بريطانيا مهمتها الإشراف على الذبح الحلال، كما ان هناك ثلاثة أنواع من الصعق تجرى للحيوان قبل قتله، الاول: بالصعق الكهربائي في المخ أو في القلب، والثاني: بإبرة يحقن مصلها في المخ، والاخرى بالتخدير عن طريق الغاز. هدفها جميعا قتل الاحساس لدى الحيوان بالألم حين تسحب السكين على رقبته لفصلها عن الجسد.

القوانين الألمانية تذكر «ان الحيوانات يجب أن تذبح أولا بتعريضها للصدمة القاتلة، لكنها تستثني الذبح لاعتبارات دينية». وقضت المحكمة العليا في ألمانيا بالسماح للقصّابين المسلمين بالاستمرار في ذبح الخراف والأبقار والدواجن وغيرها على الطريقة الإسلامية»، من دون الحاجة إلى توظيف «الصدمة القاتلة». أما في أميركا فليس هناك قانون ينظم ذبح الحيوانات، فلك الخيار بذبحها كيفما شئت وبالطريقة التي تشاء. وقد أثارت الممثلة الفرنسية المشهورة «باردو» زوابع كان آخرها العام الماضي حين أصدرت كتابا بعنوان «لوكاري دي بلوتون» تنتقد فيه ذبح أضاحي عيد الأضحى، وخصصت لهذا الموضوع فصلا كاملا تحت عنوان: «رسالة إلى فرنسا الضائعة»، تقول في أحد مقاطع هذا الفصل: «تتعرض بلادي فرنسا لغزو جديد من طرف جحافل من الأجانب، وخصوصا منهم المسلمين» وتوجّه فيه انتقادات لعمليات ذبح أضاحي عيد الأضحى، وللكيفية المتبعة في الذبح وهذه الزوبعة لا تزال مستمرة.

وإذا كان تناول اللحم البقري أمرا عاديا في كل أنحاء العالم فإنه في الهند مسألة حساسة للغاية إذ يجري إعداد مشروع «لحظر ذبح الابقار» وهنا نجد تمييزا ضد الثيران الذين لم يذكروا في هذا القانون، لذلك عليهم الثورة ضد هذا القانون. وجديرٌ بنا هنا أن نذكر بقصة رئيس الوزراء الهندي بيهاري فاجبايي الذي انتهج سبيل الدفاع لدى ظهور لافتة في مسقط رأسه ماديا براديش مكتوب عليها: «إن البقرة أمنا واتال يأكل لحمها»! حينئذٍ لم يجد من بد للدفاع عن هذا الاتهام الخطير سوى القول: «أفضل الموت على أكل اللحم البقري». وقد «زعمت جماعات حقوق الحيوان أن الابقار تساء معاملتها في الكثير من أنحاء الهند». وذكرت جماعة مدافعة عن حقوق الحيوانات: «أن أصحاب متاجر الألبان يحلبون الابقار حتى آخر قطرة وبعد ذلك يتركونها تموت في الشوارع». ويوقر الكثير من الهنود الابقار باعتبار أنها منتجة لمواد تشفي من الأمراض. ويقول العلماء في مركز طبي بلوكنو إن بول البقرة يزيد فعالية أي عقار، كما أنه استخدم في العلاج الهندي القديم. وقد بدأت بعض شركات الأدوية هناك في بيع بول البقرة مقابل 100 روبية للقنينة الواحدة! وكان المصريون القدماء أشهر من عبد الحيوانات، وكان لكل مدينة حيوانها الخاص يعبده أهلها، وكان لديهم أسلوب غريب في التعامل مع الثور في حال وفاته، فهو يُدفن وقَرْناه بارزان من القبر، ويدفن في «توابيت جميلة داخل الاهرام ويصنع له نصب رائع يجسد من خلاله «آبيس» كما ذكر «هيغل». وكان عندهم قانون يجيز إعدام من يقتل حيوانا متعمدا. ويحكى «أن رومانيا قتل في الاسكندرية، ذات مرة، قطة، فقام المصريون بثورة أعدموا فيها الجاني الروماني». وكان للأبقار حظ وافر من التقدير والاحترام، وأشهرها البقرة «حتحور».

وكان هيغل انتقد هذه الظاهرة في الهند انتقادا حادا، وقال: إن صفة «الانسانية عند الرجل الهندي تتلخص في أنه لا يقتل الحيوان الأعجم ويؤسس ويدعم المستشفيات الفخمة للدواب ولا سيما للمسن من البقر والقردة، لكنك لو جُبت البلاد طولا وعرضا لما وجدت مؤسسة واحدة للموجودات البشرية المريضة أو العاجزة بسبب الشيخوخة. والهنود لا يدوسون فوق النمل لكنهم لا يكترثون بتاتا عندما يموت الفقراء المتجولون جوعا أو عطشا. (أعجب بأن أرى هنديا يموت عطشا مع كثرة الأمطار في فصل المنسون).

وسمع كثير منا في الفترة الاخيرة اتهام الأجهزة الأمنية الجزائرية خمسة جزارين وأربعة أطباء بيطريين في الجزائر العاصمة ببيع لحوم الحمير على المستهلكين باعتبارها لحوما صالحة للاستهلاك الآدمي! وأفاد «التقرير الذي بثه التلفزيون الجزائري أن عصابة من الأشخاص استغلت المذبح العمومي للمدينة في توزيع لحوم الحمير على عدة متاجر في أحياء متفرقة من العاصمة». وأشار «إلى قيام الجزارين الذين ألقي القبض عليهم بخلط لحوم الحمير باللحوم البقرية بهدف تضليل المستهلكين!» وقالت أجهزة الأمن إن مدير المذبح تورط مع المتهمين الآخرين في التغطية على هذه القضية. وطبقا للمعلومات التي أوردتها الإذاعة الجزائرية فإن «بيع لحوم الحمير مستمر منذ أغسطس/آب الماضي، وان الكمية التي بيعت منه تقدر بما يزيد على 57 طنا، وإن عدد الحمير التي ذبحت لهذا الغرض بلغ 1514 حمارا». ولم يذكر التقرير ما إذا اشترط في الذبح الطريقة الإسلامية أم لا!

هنا طبعا يلزمنا أن نذكر أكلة لحوم الكلاب في كوريا، فهم يقولون: «إن العالم لا يعرف متعة أكل لحوم الكلاب»، إذ يوجد في كوريا ما يزيد على ستة آلاف مطعم تعد لحم الكلاب للأكل بطريقة يقال عنها «إنها لذيذة جدا»، وهناك ما يزيد على ثلاثة ملايين نسمة من بين ستة وأربعين مليون نسمة في كوريا يتناولون لحوم الكلاب ويعتبرونه طبقهم المفضل. وقال بروفيسور الأغذية والتغذية في «جامعة تشانجتشونج» أهن يونج كيون إنه يعتزم تقديم عشرات الأنواع من وصفات الاطباق الغذائية الجديدة من لحوم الكلاب. وأضاف البروفيسور الذي يشتهر باسم «دكتور دوج ميت» أو (لحوم الكلاب): «أنا واثق من أن الغربيين سيحبون لحوم الكلاب إذا تذوقوها. إنها لذيذة المذاق وصحية».

جميعنا نعلم أن الدم حرام في الإسلام كما جاء في (سورة البقرة ،الآية 173): «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم» وكما جاء في (سورة المائدة، الآية 3): «حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب»، وهو كذلك في قول اليهود: «ينبغي عليك ألاّ تأكل دم الحيوان، لأن في هذا الدم حياة الحيوان». ويشار إلى أن المملكة العربية السعودية افتتحت أكبر مذبح في العالم في «منى»، لاستيعاب الكثير من المواشي ومن المتوقع أن يتم ذبح أكثر من أربعمئة ألف رأس من الماشية خلال موسم الحج. ويبلغ عدد العاملين فيه عشرة آلاف عامل، وبلغت كلفته مئة وخمسة وعشرين مليون دولار ويستوعب مئتي ألف ضحية يوميا.

بعد الذي أوردنا نقول: إن الإنسان يذبح في مواقع عدة أولا بصعقه عدة صعقات كهربائية وغيرها من تلك الصعقات التي تقتل الأخضر واليابس ثم ينحر بدم بارد. لا يعني هذا اننا نوافق على قتل الحيوانات، حاشا لله، بالطرق المتبعة أو غير المتبعة، بل نرفض قتل الحيوانات وإن هي ارتضت لنفسها أن تقتل شر قتلة. في صغري كنت أذهب إلى المسالخ لمشاهدة ذبح الثيران والبقر والتيوس، وكنت ألاحظ أن قتلها يسير عبر طقس لم يتبدل أبدا، فهو يبدأ بجر الثيران إلى المسلخ بطرق فيها كثير من السياسة، وفي أوقات كثيرة «يحرن» الحيوان ويمتنع عن التحرك من موقعه لكثرة ما هو معجب به، غير أن السياسة لعنها الله في النهاية تنتصر وتحرك تلك الجثث إلى حتفها كما تتحرك الفراشة إلى حتفها رامية نفسها داخل شعلة النار. وعندما تصل تلك الحيوانات إلى المسلخ تعطى شربة من الماء، وفي أحيان كثيرة تجبر على شرب كأسها الأخيرة التي تسبق كأس الموت. بعدها أظن - و«إن بعض الظن إثم» - ترتاح أجزاء جسمها وترتخي ثم تستسلم للقدر، وعليه يقوم القصاب بربط أطرافها ويطرحها أرضا، ثم يسن سكينه سنا يجعلها أداة قاطعة جدا، وتأخذ السكين الحادة جدا بعد قراءة البسملة مجراها في نحر الثيران والبقر والتيوس بشكل سريع فيه شيء من المباغتة وترتعش أجسادها رعشات عدة وينتهي كل شيء في سكون ليس مثله سكون. ثم يأتي دور «ماضر» الثيران والبقر والتيوس «سلخها بعد ذبحها». تبقى بعد ذلك على أرضية المسلخ الرؤوس بألسنتها المتدلاة وتبقى «الكروش» بأحجامها المختلفة تتقاطر عليها جيوش الذباب، كما تبقى «المصارين» ملقاة على الأرض، لا يلتفت إليها أحد سوى الذباب.

تنقل بعد ذلك جثث الحيوان إلى سوق اللحم، وهناك تعلق وتقطع بحسب رغبة الزبون الذي يأخذها إلى بيته ويطبخها كما تشتهي نفسه من «صالونة»، أي مرق بامية باللحم إلى «مجبوس» أو «تحت الجدر» أو «محروق صبعه»، وغيره من طبخات أهل الخليج اللحمية اللذيذة. نأكل بشهية لحما حلالا طريا طازجا ليس به جنون ثيران أو بقر، لم نكن نسأل إذا ما كان هذا اللحم حلالا أم لا.

في الولايات المتحدة كنت ابحث مع الباحثين عن اللحم الحلال، وإذا بأهل ليبيا وبعض الدول العربية قد اكتشفوا الفائدة الاقتصادية من اللحم الحلال، وإذا بهم يشترون مزارع فيها من الثيران والبقر والتيوس ما شاء الله، ويذبحون لك ما تريد حلالا ويرسلونه لك بالبريد السريع، أو تأتي لتأخذه بنفسك مع جميع أجزائه لتعمل منها مشوي كروش أو مغانق المصارين و«باجة» رأس ثور الذي يسميه الاخوة في الجزائر «بوزلوف»، ويسمون «الكرش» بـ «الدوارة»، ولهم طرائق عجيبة في طبخها، حمدا لله لم تعرف الإدارة الاميركية بها آنذاك لتتهمهم بعملاء للقاعدة. هذه المسالخ الاسلامية توجد جنبا إلى جنب مع مسالخ يهودية في بروكلين وديترويت ودي سي ولوس أنجليس. في الوقت الذي نصر فيه على البحث عن اللحم الحلال كنا نأكل في الجامعة والمدن والمسارح والمطاعم «الهمبورغر» و«البيتزا» و«التركي» و«الكنتاكي» و«الستيك» وخصوصا «ستيك فيليه مينون». في بوسطن هناك مطعم لا يذبح إلا البقر والثيران ويذبحها في المطعم ويقطع لك القطعة التي تريد، وكنا كلنا يأكل مسلما وغير مسلم، وترى اليهود وما أكثرهم على رؤوسهم «اليمكة» يأكلون لحوم تلك الثيران بنهم شديد من دون أن تكون «كوشر» أو «السيخيتا»، وكنت ترى الإخوة السعوديين والمصريين والاماراتيين والمغاربة والجزائريين وغيرهم من بني يعرب يستلذ بأكل تلك اللحوم الطازجة من دون أن يسأل عما اذا كانت ذبحت حلالا أم لا.

في بريطانيا ابان الدراسة كنت مع من يبحث دائما عن «اللحم الحلال» (من دون أن أُفهم غلط) وكنت أجد مبتغاي فقط في المدن الكبيرة التي يوجد فيها المسلمون، وخصوصا لندن عندما غزتها المطاعم العربية والتركية والباكستانية والايرانية. الحل لمثل هذه المشكلة، مشكلة «الذبح الحلال»، يكمن في أن نقوم نحن بذبح ثيراننا وأبقارنا وتيوسنا بطريقتنا في بلداننا ونصدر لحومها ليأكلها متبعو طريقتنا بالذبح بسلام وأمان ومن دون خوف أو وجل، من أن تكون ثيراننا وأبقارنا وتيوسنا مصعوقة لا سمح الله. وتقوم تلك الدول التي ترى في طريقة ذبحنا طريقة وحشية بذبح ثيرانها وأبقارها وتيوسها بالطريقة الرحيمة التي تراها مناسبة وتصدر لحومها حتى وإن أصيبت لاسمح الله بالجنون قبل أو بعد الصعق إلى متبعي طريقتهم ليأكلوها وهم في أمان بأن تلك اللحوم مضمونة بأشد المواثيق أنها لم تحسّ بآلام الذبح والسلخ والصعق. صدقوني سنريح ونستريح!

يقول الفيلسوف «هيغل» في محاضراته عن التاريخ: «إن الحيوانات لا يمكن فهمها أو الإحاطة بها، فليس في استطاعة الانسان بالخيال أو بالتصور أن يدخل في طبيعة الكلب بالغا ما بلغت درجة التشابه بينهما»... ولكم أترك مسألة الفهم.

كاتب بحريني

العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً