من حق أية حركة جماهيرية، مثل جمعية الوفاق، أن تسعى إلى زيادة فاعلية آلياتها المؤسسية بما يعزز قدراتها على اتخاذ القرارات مع الأخذ في الاعتبار مختلف وجهات النظر المختلفة. والواقع هو أن «الوفاق» تعاني منذ بدايتها من ضعف هيكليتها، والمسار العام كان يتم تحديده في الخطب الحماسية والتصريحات الصحافية والبيانات التي تصدر على الجنب او في المواقع الالكترونية.
هذا الوضع لم يكن مؤهلا للاستمرار، وأخيرا بدأت اللجنة التنفيذية الإمساك بأطراف القرار، وحتى التصريحات التي كانت تجر الجمعية يمنة ويسرة تم الاتفاق على ان الرسمي منها هو ما يصدر عن رئيس الجمعية فقط. وهذا بحد ذاته وفر على الجمعية الكثير من المتاعب التي كانت تعاني منها سابقا.
آلية القرار داخل جمعية الوفاق مازالت غير كافية للقيام بمهماتها، لأن عدد الأعضاء كبير جدا والبرنامج السياسي لم يطرح بعد، والأهداف بعيدة المدى وقريبة المدى تختلف بين الأشخاص وهي غير واضحة المعالم، وكل ذلك كان سببا في «شلل» القرار وغلبة أصحاب الصوت العالي.
الأمور تبدو أنها تسير الى الأحسن، ولكن يجب الرجوع الى الماضي قليلا لكي تستفيد «الوفاق» وتستفيد الجماهير التي علقت آمالها عليها من الأخطاء. فعندما طرح موضوع المقاطعة أو المشاركة في العام 2002 لم يكن هناك حوار جاد أو صريح عن الموضوع، بسبب الظروف من ناحية وبسبب عدم اكتمال الآليات من ناحية أخرى. حينها لم تستطع اللجنة التنفيذية اتخاذ القرار، فكان خمسة منهم مع المقاطعة وخمسة مع المشاركة والرئيس لم يصوت. وكان القرار آنذاك، أنْ ترجع الجمعية الى نتائج جلسة نخبوية اجتمعت قبل اجتماع اللجنة التنفيذية، وكانت تلك الجلسة - التي ليست لها صفة شرعية في دستور الجمعية - رأت أن المقاطعة هي الأفضل، فتم اسقاط نتائج حوارها على اجتماع لاحق لها.
وهذا إجراء غير معهود في أية مؤسسة، ولو أن الحكومة قامت به لانهالت عليها الانتقادات من كل جانب. فالقرار يجب أنْ يتطور زمنيا واللاحق ملزم للسابق في عملية اتخاذ القرار وليس العكس، وخصوصا إذا كان السابق ليست له أية صفة شرعية.
الهيئة الاستشارية هذه المرة أفضل من ذلك الاجتماع اليتيم الذي حدد مصير «الوفاق»، ولكن هناك اعتراض على شرعيتها أيضا. فلماذا تكون بالتعيين؟ ومن الذي يحدد التعيين؟ ما الفرق بينها وبين تلك الجلسة اليتيمة التي تم تعيينها بطريقة أدت الى نتيجة واحدة لأن من اشتركوا فيها كان أكثرهم من لون واحد؟!
مهما كانت الأجوبة، وحتى لو لم تكن مكتملة، فإن «الوفاق» بحاجة الى رئة أكبر لتتنفس من خلالها، و«الوفاق» بحاجة الى ان تتحرك على أساس واضح لكي يمكن للاطراف الأخرى ان تتعامل معها على أساس ما تستحقه من حجم وتاريخ نضالي لأفرادها وجماهيرها.
«الوفاق» تستطيع ان تستفيد كثيرا وتنفع جماهيرها عندما تتحرك على أساس تعددي، وليس على اساس آحادي كما كان الحال. ومهما كان قرار «الوفاق» - سواء بالاستمرار في المقاطعة أو المشاركة - فإنه ينبغي عليها أنْ تقدم انموذجا للتعامل مع بعضهم بعضا ومع الرأي الآخر. فإذا كانت المطالب الوفاقية اساسا هي «الديمقراطية»، فينبغي أنْ تكون في أوساط «الوفاق» ديمقراطية حقيقية بصورة أفضل مما يطالبون به، وإلاّ فإن الجهود والتضحيات قد تضيع أو يصادرها البعض لصالحه الخاص بأساليب لا يمكن أنْ تتفق مع المبادئ السامية. أملنا في ان ترتفع راية «الوفاق» على اسس اكثر ثباتا واكثر وضوحا وأبعد ما تكون عن بعض اساليب الماضي، فهي تستحق دورا أفضل من الوضع الحالي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ