العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ

تحديات عراقية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل 48 ساعة من موعد إعادة انتشار جيوش الاحتلال في العراق، سلم «الحاكم المدني» بول بريمر مقاليد السلطة للحكومة المعينة. الاحتفال هزيل ومشهد التسلم والتسليم خيّم عليه الحزن. بريمر يكابر ويؤكد في تصريحه الأخير على «الإنجازات» التي حققها. والحكومة العراقية مطرقة الرأس تحاول التصديق. فالاحتلال يسلم أوراقه والحكومة العراقية تعلم قبل غيرها أن السلطة ليست مجموعة أوراق. فهناك تحديات كبيرة، وأوراق السلطة أشبه بصواعق لمتفجرات يتوقع أن تواجهها في الأيام المقبلة. هناك تحديات كبيرة تقع على عاتق الحكومة المعينة. إنه الامتحان ولابد من مراقبة النتائج التي يتوقع أن تكون سلبية.

هناك مخاوف كثيرة تواجه العراق في المستقبل القريب ولاشك في أن الاحتلال يتحمل المسئولية القانونية والسياسية فهو قرر أن تكون الحال على ما هي عليه الآن حتى تبقى الحكومة المعينة بحاجة إلى خدماته الدائمة وهي خدمات تلبي في النهاية حاجات إدارة الاحتلال أكثر بكثير من حاجات الشعب العراقي إلى الأمن والاستقرار والسيادة والاستقلال.

بعد مرور 14 شهرا على الحرب والاحتلال. هناك أوهام زرعت في دفاتر الوعود وحصدت حتى الآن الشوك الذي يدمي الأيادي والوجوه. فهناك عشرة أوهام قيل إنها ستتحقق وتبيّن فعلا أنها مجرد مجموعة خيبات أو تحديات.

التحدي الأول: أكذوبة الانسحاب. فالانسحاب لن يحصل وإنما إعادة انتشار لقوات الاحتلال لضمان استمراره إلى أطول فترة ممكنة وهذا ما قاله صراحة بول وولفوفيتز في شهادته أمام الكونغرس.

التحدي الثاني: تسليم السيادة. فالسيادة عادة لا تسلم بل تنتزع وهذا ما لا تريده الحكومة المعينة أو على الأقل هذا لا تقوى عليه واعترفت بذلك. وحين يكون الحال هكذا فمعنى الأمر أن السيادة ناقصة أو مراقبة أو أن الاحتلال أوكل بها إلى وقت لاحق.

الثالث: الانتخابات النزيهة. فحين تكون نتائج الانتخابات غير مضمونة للاحتلال فإن مصلحته تقتضي تأجيل الموعد والاكتفاء بإجراءات (اقتراعات) تحتوي ردود الفعل ولا تعكس فعلا موازين القوى السياسية على الأرض. الانتخابات ستحصل ولكنها لن تكون نزيهة وستستثنى منها الكثير من القوى الفاعلة وستهمش من خلالها مراجع تقليدية لها حضورها وتأثيرها الميداني.

التحدي الرابع: الإنفاق المالي. القرار المالي حتى الآن وإلى أجل غير مسمى سيبقى تحت رقابة الاحتلال للإشراف على الموازنة وطرق توزيعها، بهدف منع الحكومة المعينة من السيطرة عليها. فمن يسيطر على الموازنة كما هو معروف يسيطر على المال ومن يسيطر على المال يسيطر على مصادر الثروة ومن يسيطر على مصادر الثروة يسيطر أخيرا على القرار السياسي. وحتى لا يحصل مثل هذا الاحتمال قرر الاحتلال الإمساك بالورقة المالية وتحويل الوزراء إلى موظفين على المعاش (الرواتب) بمعونة أميركية.

الخامس: إدارة النفط. إدارة النفط ستكون بإشراف شركات أميركية وهي ستكون المرجع في تحديد الانتاج والتسويق والأسعار والأرباح. وحتى الآن لا جديد في هذه المسألة، فالعراق أنتج بعد احتلاله ما قيمته 11 مليارا من الدولارات، أنفقت على آلة الحرب وابتلعت في مشروعات وهمية أو ذهبت إلى جهات مجهولة استخدمت كل أساليب الرشوة والابتزاز.

التحدي السادس: عودة الأمن. وهذه مصيبة كبرى يعاني منها كل العراق. وكما تظهر الأمور يتجه الوضع الأمني إلى مزيد من التدهور من قصف عشوائي على أحياء المدن إلى قطع رؤوس تنظمها هيئات مجهولة الأسماء والعناوين وتدعي الانتساب إلى الإسلام والجهاد لتبرير عدوان الاحتلال.

السابع: الاستقرار السياسي. هذا المطلب أبعد من المنال في ظروف توتر وقلق وخوف تسيطر على الأفق. فكل المؤشرات تدل على وجود فراغ سياسي يرجح أن تتسع فجوته لإثارة المزيد من الفتن والاضطرابات.

التحدي الثامن: بناء دولة حديثة. فالدولة الحديثة تحتاج إلى أدوات ومعدات وأجهزة وغيرها من وسائل لتحقيقها وكل ما حصل حتى الآن لا يخرج عن دائرة إعادة انتاج السابق في سياق عام تتحكم بإدارته واشنطن.

التاسع: استعادة العراق موقعه ومكانته ودوره الإقليمي. وهذه كلها تبدو من المهمات المستحيلة في ظل وضع مفكك طموحه الأساسي الآن المحافظة على حدوده ووجوده.

التحدي العاشر: تحسين العلاقات مع دول الجوار. حتى هذه المسألة غير واضحة في ظل وجود احتلال يملك أسلحة دمار شامل ويهدد الجيران ويستفزهم أو يبتزهم بأسماء تنظيمات لا يعرف من هي ومن أين جاءت. فدول الجوار خائفة ليس من نظام العراق هذه المرة وإنما من الاحتلال الرابض على أرضه الذي يفتح الأبواب لكل من يريد الاصطياد في الماء العكر وتعكير أجواء العلاقات بين العراق وجيرانه.

الأحلام كثيرة ولكنها بقدرة الاحتلال وتخطيطه تحولت إلى تحديات. والآن يحتمل أن تتحول إلى كوابيس... لا سمح الله

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً