شاركت في مؤتمر «وسطية الإسلام بين الفكرة والممارسة» المنعقد في العاصمة الأردنية ما بين 26 و28 يونيو/ حزيران بكلمة عن دور الإعلام المحلي في التعامل مع الآخر، على أساس أن الآخر هو «غير الذات». فالذات تنظر إلى أي شيء خارج عنها على أنه «شيء آخر»، وطبيعة التعامل مع هذا الآخر تحدد إنسانية الثقافة التي يتبناها الفرد أو المجموعة. غير أنني وقبل إلقاء كلمتي استمعت إلى أحاديث ومداخلات غزيرة الفكر من أشخاص مثل وزير الأوقاف السوداني عصام البشير ووزير الثقافة الإيراني السابق عطا الله مهاجراني وعضو البرلمان المغربي عن حزب العدالة والتنمية محمد يتيم والسفير اليمني في تونس عبدالملك منصور وعدد غير قليل من المفكرين والناشطين الإسلاميين.
عصام البشير ناقش الاختلالات في الفكر الإسلامي المعاصر وتطرق إلى جذور خمسة تيارات في عالمنا الإسلامي أطلق عليها المسميات الآتية: التيار الانتحاري الذي انتقل أصحابه من التكفير إلى التفجير، والتيار الأمجادي الذي يعتقد أصحابه أن كل شيء عظيم ومجيد للمسلمين انتهى ويرفضون أفكار المعاصرة لأن الأولين أفضل من الحاضرين، والتيار الانعزالي الذي تقوقع أصحابه وأصبحوا خارج الزمان والمكان، والتيار الاجتهادي الناقص الذي انشغل بالجزئيات التي تجاوزها الزمن، والتيار الانبهاري الذي انبهر أصحابه بكل ما يأتي من الغرب من دون تدقيق ومقاربة مع الثوابت الإسلامية. وأنهى مداخلته بالدعوة إلى «تيار وسطي» ملتزم بالثوابت ومرن يتحرك مع الزمن ويقبل بالرأي الآخر ويشارك في عملية الإصلاح والتنمية بصورة إيجابية.
أعضاء حزب التحرير (الممنوع رسميا في الاردن) حضروا المؤتمر ورفعوا أيديهم معترضين على كل شيء واحتكروا طرح التعليقات والأسئلة. ولكن ذلك لم يؤثر على سير المؤتمر الذي طرح الفكر النقيض لما يطرحه حزب التحرير الذي أعلن أفراده أن «لا وسطية في الإسلام، وأن الأمة الوسط لا تعني وسطية الفكر»، وان هناك «دار الإسلام» و«دار الحرب»، وأن دار الإسلام هي التي يحكمها الإسلام، وأن في عصرنا الحاضر «لا توجد ولا دولة واحدة يحكمها الإسلام الصحيح»، وبالتالي فإن الدنيا حاليّا كلها «دار حرب»!
على أي حال، كانت مداخلات حزب التحرير مأسوية وتوضح مدى البؤس الذي وصل إليه بعض المسلمين في فهم الإسلام وطريق التعامل مع الحياة العامة. فالفكر الذي ينظر إلى أن كل العالم حاليّا «دار حرب» يدعو المسلمين إلى إعلان «الجهاد» ضد كل شيء او أي شيء، وهو فكر خطير لا يؤمن بـ «الاخر».
في مقابل هذا الطرح المنغلق واصل المشاركون طرح تجاربهم، وكانت لعضو البرلمان المغربي محمد يتيم مشاركة قيّمة وضح من خلالها أفكار جماعته الإسلامية (حزب العدالة والتنمية)، وكيف أنهم آمنوا بالمشاركة السياسية ويساهمون حاليّا في تطوير الفكر السياسي الإسلامي القائم على التجربة. في مقابل «العدالة والتنمية» المغربي، هناك جماعة «العدل والإحسان» التي يترأسها الشيخ عبدالسلام ياسين والتي قاطعت الحياة السياسية. وعلى رغم أن حديث يتيم لم يتطرق إلى «العدل والإحسان» فإن معرفتي بما يطرحون توضح الفرق بين الجماعتين. فـ «العدل والإحسان» جماعة إسلامية لا يشك أحد في إخلاصها، تطرح مفاهيم صعبة التحقيق وشروطا تعجيزية للمشاركة في الحياة السياسية. فهي تطالب مثلا أن يعلن النظام المغربي «التوبة العمرية»، بمعنى توبة الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي تسلم حكما من عائلته ونظّفه وأقام العدل وأرجع الأموال والحقوق إلى أصحابها. إلا أن «العدل والإحسان» تحولت مع الأيام من جماعة كبيرة إلى حال «الشيخ ومريديه»، واصبحت «العدالة والتنمية» التي شاركت في العملية السياسية أكبر واكثر قوة. حال «الشيخ ومريديه» و «خطبة الجمعة» و«آلاف المصلين» تنتهي بانتهاء حياة الشخص، لأنه عمل لا يعتمد المؤسسية. في المقابل فإن العمل المؤسسي الذي يخوض التجارب تلو التجارب يتعزز دوره في المجتمع ويقوى عوده ويستطيع أن يحقق أهدافا عملية أكثر من غيره.
الاجتماع بمفكري وناشطي الأمة يثري الساحة الإسلامية كثيرا وخصوصا إذا اجتمعت هذه التجارب من عشرات الدول لكل واحدة منها خبرتها، ولكل جماعة إسلامية قصتها في التعامل مع الآخر، وكم كنت اتمنى لو حضر الاسلاميون في البحرين هذه المؤتمرات او دعوا الى عقد مثلها في البحرين لكي يستفيدوا من دروس حيوية تنفعنا جميعا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ