مع انتهاء مملكة البحرين والولايات المتحدة من المفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة بينهما وبانتظار توقيعه أواخر هذا العام بحسب التوقعات، يتزايد الحديث عن المزايا التي ستعود على البلدين وخصوصا البحرين من هذا الاتفاق.
لقد أشار المسئولون في كلا البلدين الى المزايا العدة التي ستعود على الاقتصاد البحريني مع تطبيق الاتفاق والفرص الواعدة التي يحملها للاقتصاد البحريني والتبادل التجاري عموما بين البحرين والولايات المتحدة.
الا ان هناك الكثير من الأسئلة التي يفرضها اتفاق بهذا الحجم وبكل الآمال التي يحملها، عن مدى استعداد القطاع الخاص في البحرين للدخول في مرحلة تطبيق الاتفاق او بمعنى أصح استعداده للاستفادة من مزايا هذا الاتفاق.
«الوسط» أجرت استطلاعا في أوساط رجال الاعمال البحرينيين والشركات الصناعية الكبرى، نحاول من خلاله تسليط الاضواء على كل الأسئلة التي يثيرها الاتفاق ومحاولة استشراف الآفاق التي يحملها للاقتصاد البحريني عموما.
في هذه الحلقة يتحدث ثلاثة من رجال الاعمال البحرينيين هم: عادل المسقطي، عادل فخرو وسمير ناس ويجيبون على أسئلة «الوسط» عن كل ما يتعلق بهذا الاتفاق وآفاقه المستقبلية بالنسبة إلى القطاع الخاص في البحرين خصوصا والاقتصاد البحريني عموما.
هل تعتقدون أن القطاع الخاص مهيأ للاستفادة من الفرص التي يوفرها اتفاق التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة الأميركية؟
- المسقطي: لا أستطيع القول إن القطاع الخاص البحريني مستعد بشكل كاف، لكن هل نستطيع لوم القطاع الخاص البحريني على ذلك؟ لا أتصور أن اتفاقا بهذه الاهمية يمكن أن نحصل على فوائده للاقتصاد البحريني خلال فترة بسيطة، لذلك يجب على القطاع الخاص البحريني أن يبدأ بفهم الاتفاق وهذا يأتي مع خروج الاتفاق بشكل نهائي ورسمي وبالتالي القطاع الخاص لم يطلع حتى الآن على ماهية الاتفاق والتعرف على جوانبه بشكل واف.
الكثير من التفاصيل الدقيقة يجب أن تؤخذ بأهمية كبيرة. بلاشك هناك ضرورة لبداية الاتصال مع الشركات الاميركية، وهذا الامر لا يمكن أن يتحقق بالشكل الصحيح من دون إنشاء شركات بحرينية في الولايات المتحدة الاميركية تتولى عملية الاتصال والتنسيق والمتابعة مع الشركات الاميركية.
- فخرو: نعم. أرى أن القطاع الخاص مهيأ للاستفادة من هذه الفرص، ولكن قد يمر بعض الوقت لاستكشاف هذه الفرص أو استمرار الاستثمار في القطاعات المختلفة، وذلك متوقع. فالفائدة من الاتفاق ستكون على المدى المتوسط والبعيد وليس على المدى القصير.
- ناس: لا أعتقد أن القطاع الخاص البحريني مهيأ في الوقت الجاري للاستفادة بصورة كبيرة من مزايا هذا الاتفاق. مقومات الشركات والهيكل التنظيمي لشركات القطاع الخاص ليس منظما بحيث يستطيع أن يقوم بعملية التصدير بشكل كبير لسوق ضخمة مثل السوق الاميركية. عملية التصدير لدينا ليست كبيرة الا في قطاعات جدا محدودة مثل الملابس، الألمنيوم.
أيضا، سياسة التسويق لدى شركات البحرين تحتاج إلى إعادة نظر بشكل كبير. موضوع العمالة من المعوقات الكبيرة التي تواجه القطاع الصناعي والتي تحد من عملية الإنتاج بالكميات المطلوبة لدى القطاع الصناع كي يستطيع أن يحتل مكانة متقدمة في القدرة على تزويد أسواق أخرى من منتج معين. وهذا العائق يلقى على عاتق القرارات التي تحكم توظيف العمالة في البحرين. فالحديث عن سوق مفتوحة واستقطاب استثمارات ومنشآت أجنبية، لا يتلاءم مع القرارات التي تصدر بشأن العمالة وفرض البحرنة بالصورة التي يتم التعامل بها الآن. هذه المسألة تشكل عائقا أمام صاحب العمل وبالتالي تحد من الإنتاجية لديه. اليوم لدينا صعوبات في المنافسة في الاسواق الخليجية بسبب العوائق التي ذكرتها فكيف يمكن أن ننافس في سوق ضخمة مثل السوق الاميركية؟ هذا طبعا يعود الى زيادة كلفة المنتج البحريني وبالتالي يقلل من فرصته على المنافسة بشكل كبير.
ما هي برأيكم القطاعات المهيأة أكثر من غيرها للاستفادة من هذا الاتفاق؟
- المسقطي: أعتقد أن الشركات الكبرى ذات الصناعات الثقيلة هي المهيأة اكثر للتعامل مع اتفاق التجارة الحرة بصورة اولية. هذه الشركات مهيأة ولديها قدرة على التسويق ولديها معرفة واتصال بالسوق الاميركية. لا ننسى أن أكبر مستورد للمنتجات البحرينية باستثناء المنتجات النفطية هي الولايات المتحدة الاميركية في الوقت الحاضر. وبالتالي تشكل السوق الاميركية أهم الأسواق المستوردة للمنتجات البحرينية ويتركز التصدير على صناعات الالمنيوم والبتروكيماويات. اما بالنسبة إلى الصناعات المتوسطة فهي تحتاج إلى وقت كاف كي تستطيع الدخول إلى الاسوق الأميركية.
لا ننسى ايضا، أن هناك عاملا مشجعا للمنتج الاميركي للقدوم الى البحرين وانشاء مصانع هنا تتركز في رخص الايدي العاملة مقارنة بالولايات المتحدة والاعفاء الضريبي. كذلك المنتج عندما يصدر من البحرين الى الولايات المتحدة سيوفر ما يصل الى 13 في المئة نتيجة الاعفاء من الضرائب المفروضة على البضائع عادة.
- فخرو: القطاعات المهيأة اكثر من غيرها، ستكون طبعا تلك القطاعات التي وصلت الى مرحلة متقدمة من التطور قبل توقيع الاتفاق. ويشمل ذلك قطاع الخدمات وخصوصا الخدمات المالية والاتصالات والمواصلات وقطاع الصناعات وخصوصا صناعات الالمنيوم والملابس الجاهزة وقطاع العقارات. اتوقع أن تشهد هذه القطاعات تدفقا للاستثمارات بغية التوسع عموديا في القطاعات نفسها ما سيؤدي الى تعدد المشروعات في التصنيع والاتصالات والعقارات والخدمات المالية.
- ناس: أعتقد أن صناعات الألمنيوم والبتروكيماويات هي المهيأة اكثر للاستفادة من مزايا هذا الاتفاق بشكل كبير. اما الصناعات المتوسطة فستكون قدرتها على المنافسة أقل من الصناعات الضخمة.
هل تعتقدون أن البنى التحية مهيأة بشكل واف لاستقبال منشآت صناعية أجنبية على أرض البحرين؟
- المسقطي: هناك منطقة صناعية جديدة يتم تنفيذها الآن بشكل جيد وهي منطقة «الحد الصناعية». بالتالي هذه المنطقة ستوفر مناخا ممتازا لايجاد منشآت صناعية. ايضا لا ننسى أن هناك فائدة للمصنع البحريني تتركز في أن الكثير من الصناعات البحرينية ستخلق، ليس بغرض التصدير للولايات المتحدة بشكل مباشر بل بيع منتجاتها لمصنع بحريني آخر يعتزم تصدير منتجاته للولايات المتحدة.
وبالتالي لا يجب أن نتحدث فقط عن الصناعات الثقيلة باعتبارها الأكثر فرصة للوصول الى السوق الاميركية، بل هناك ايضا صناعات صغيرة ستستفيد بشكل كبير من تزويد المصانع الكبرى سواء كانت بحرينية او اجنبية ببعض احتياجاتها الصناعية.
هل تعتقد أن هناك مخاوف لدى القطاع الخاص من هذا الاتفاق باعتبار أن السوق البحرينية سوق صغيرة في حين أن السوق الاميركية كبيرة وبالتالي يرى البعض أن هذا الاتفاق سيؤدي الى اغراق الاسواق البحرينية بالمنتجات الاميركية؟
- المسقطي: يجب أن نكون واقعيين ونسال أنفسنا: هل المصنعين الاميركيين لديهم اهتمام خاص بالسوق البحرينية؟ السوق البحرينية سوق صغيرة ليس فقط للمصنع الاميركي ولكن حتى للمصنع البحريني نفسه الذي يعتمد على أسواق أخرى بشكل كبير وبالتالي لا أتوقع حدوث إغراق للأسواق البحرينية.
ماذا يتعين على القطاع الخاص في البحرين أن يفعل لكي يكون في وضع مثالي للاستفادة من مزايا هذا الاتفاق؟
- المسقطي: دراسة السوق الأميركية بشكل كبير بالدرجة الاولى. ولا ننسى أن طبيعة السوق البحرينية مستوردة اكثر مما هي مصدرة. بالتالي ستفتح الكثير من المجالات للكثير من المستوردين لدراسة اسواق خليجية والعمل على استيراد منتجات اميركية وإعادة تصديرها الى دول مجاورة. هذه العملية تتطلب السرعة واستغلال مزايا هذا الاتفاق وخصوصا أن هناك نية جادة لدى دول خليجية مجاورة للتفاوض مع الولايات المتحدة والتوصل لاتفاقات مماثلة.
التحرك او الاستعداد خطوة مهمة لا تلقى فقط على القطاع الخاص إنما أيضا على الحكومة البحرينية. فالتعقيدات والبيروقراطية التي اعتمدت في سنوات ماضية لا يمكن التعامل من خلالها في ظل وجود اتفاق اقتصادي بهذا الحجم. هذا الامر لا يتعلق فقط بالاجراءات الاقتصادية وانما تسهيل اقامة الاجانب وانتقال العمالة. بالتأكيد هناك مسعى كبير إلى أستفادة الايدي العاملة البحرينية من فرص العمل التي سيخلقها هذا الاتفاق لكن عملية فرض العمالة المحلية من البداية على المستثمر ليس عملية ايجابية انما يجب أن يثق المستثمر بسهولة اجراءات البلد الذي سيأتي اليها من دون قيود وشروط وبعدها يتم انتقال العمالة البحرينية الى هذه المنشآت بصورة تدريجيبة؟
اعتقد أن قطاع المصارف خير مثال على ذلك فعندما بدأ قطاع المصارف كانت العمالة الأجنبية تشكل الغالبية، الآن غالبية العاملين في قطاع المصارف هم البحرينيون لأن العملية تمت بشكل تدريجي. هذا الى جانب الثقافة التي يتم التعامل بها مع المستثمر لدى المواطن المحلي. هذا الامر تترتب عليه الطريقة التي نتعامل بها مع المستثمر وهي التركيز على فائدة قدوم هذا المستثمر الى البحرين وبالتالي تسهيل معاملته وليس تعقيد الامور أمامه. يجب ألا ننسى أننا بحاجة إلى العالم اكثر مما يحتاج العالم إلينا.
أؤكد ضرورة تغيير الكثير من القوانين والقرارات المعمول بها. لأن المنشأة الأميركية عندما ستأتي الى البحرين للعمل هنا تريد أن تحصل على معاملة مماثلة للمعاملة التي تتلقاها في الولايات المتحدة، لذلك سيترتب علينا الكثير من التغيرات وإلا سنخرج خارج السوق.
- فخرو: من المتوقع حدوث زيادة كبيرة في حجم صادرات البحرين الى الولايات المتحدة الأميركية، وسيؤدي ذلك بدوره الى حدوث زيادة في الاستثمارات في القطاع الصناعي وستأتي هذه الاستثمارات من داخل البحرين وخارجها. على القطاع الخاص دراسة الفرص المتاحة والمضي قدما في الاستثمار فيها كما يجب على رجال الأعمال البحرينيين فتح الأبواب للدخول في شراكات مع المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في الاستثمار في البحرين للاستفادة من مزايا الاتفاق من أجل التصدير إلى الولايات المتحدة الأميركية.
- ناس: يجب التعرف على الاتفاق ومزاياه بشكل كبير. ايضا يتعين التعرف على الفرص المتاحة في السوق الاميركية من خلال خلق قنوات اتصال وتواصل مع المستورد الاميركي. يقابل هذا اتاحة الفرصة للمستثمر الاميركي للتعرف على إمكان وحجم الفرص التي يمكن أن توفرها البحرين له لإقامة مشروعه على أرض البحرين، لكن لابد من التطلع الى مسئولية الحكومة امام تفعيل هذا الاتفاق واستغلال الفرص التي يقدمها. وهذا الجانب يتمثل في إعادة النظر في الإجراءات المتبعة في الدوائر الحكومية وعلى رأسها مسألة العمالة والقيود المفروضة عليها. يجب أن تؤخذ مصلحة القطاع الخاص في الاعتبار عند اصدار أية قوانين متعلقة بالعمالة. وإلا كيف يمكن أن يطلب من هذا القطاع أن يلعب دورا كبير في النهضة الاقتصادية وهو مقيد بعدة قرارات تحد من قدرته وانتاجيته.
ما توقعاتكم لنمو الميزان التجاري بين البلدين بعد تطبيق الاتفاق؟
- المسقطي: أود ان أشير إلى التوقعات بزيادة الصادرات الاميركية الى البحرين ولكن في الوقت نفسه يجب أن نتطلع على المدى البعيد الى أن حجم التجارة بين البلدين سيزيد بصورة كبيرة، لكن المنتجين الذين يصدرون حاليا للولايات المتحدة من دون اتفاق سيستمرون في صادراتهم بشكل أفضل بعد الاتفاق. هذا الى جانب أن هناك منتجين يتولون تزويد المصانع الكبرى باحتياجاتها وبالتالي سيستفيدون بشكل كبير من هذا الاتفاق بشكل تدريجي.
- فخرو: طبعا سينمو حجم التبادل التجاري بين البلدين. بالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن فائدة سوقها الضخمة من انفتاحها على سوق البحرين الصغيرة ستكون كبيرة اذا احتسبت كنسب مئوية ولكن ربما صغيرة بحساب المبالغ النقدية (الحساب المطلق)، لكن لا ننسى ما يسمى بالتعامل الضريبي عبر فتح أسواق أخرى للبضائع الأميركية عن طريق السوق البحرينية او عن طريق توقيع اتفاقات تجارة مشابهة من دول شرق أوسطية اخرى. اما بالنسبة إلى البحرين فسيحدث نمو كبير في حجم التجارة مع اميركا وسيعود هذا النمو بفائدة كبيرة على جميع قطاعات الاقتصاد الوطني.
هذا الاتفاق ثنائي في جميع نواحيه فهو يتيح للجانب البحريني جميع ما سيتاح للجانب الأميركي، وأتمنى لو كانت الاتفاقات الاقتصادية والتجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي (وهي اقرب الدول لنا اقتصاديا واجتماعيا) متكافئة كذلك. فكما ترين، البحرين فتحت الابواب على مصاريعها للإخوة الخليجيين لممارسة أي نشاط عقاري او استثماري او تجاري، بينما نحن البحرينيين ممنوعون من الدخول في عمل تجاري في معظم الاسواق الخليجية إلا بوجود شريك محلي خليجي، وممنوعون من الاسثمارات العقارية التجارية بل تحديدا الاستثمار في أسهم الشركات الخليجية العامة في بعض دول المجلس ومحصور في شركة او شركتين فقط، فأين المعاملة بالمثل؟ وما نوع الاتفاق الذي يتيح لأحد أطرافه ما لا تسمح للطرف الآخر؟
- ناس: طبعا فيما لو تحققت الكثير من المعطيات لانجاح هذا الاتفاق آخذين في الاعتبار كل ما من شأنه إزالة العوائق امام تفعيل هذا الاتفاق، ولكن لا يمكن النظر في تحقيق هذه الفائدة على المدى القصير، بل يجب أن يسير الاتفاق ويلعب القطاع الخاص دوره الرئيسي كي نتمكن من التحدث عن النمو بالميزان التجاري
العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ