بمشاركة عربية واسلامية وعالمية واسعة بدأت أمس الأول اعمال المؤتمر الاردني الدولي الاول بشأن «وسطية الاسلام بين الفكر والممارسة» الذي دعا اليه منتدى الوسطية للفكر والثقافة. وضمت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر 1700 مشارك منهم ما يزيد على 70 شخصية اكاديمية ودينية وفكرية. ومن بينهم رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري. قدم الجمري في الجلسة المسائية للمؤتمر آراء ومشاهدات وتجارب عن «الوسطية في الاعلام» وتحدث عن تجربة صحيفة «الوسط» في مملكة البحرين وعلى المستوى الخليجي والعربي والدولي.
وشهد المؤتمر تساؤلات بشأن توقيت عقده وهل يأتي في سياق الدعوة الاميركية للاصلاح الا ان رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر فايز الربيع قال لـ «الوسط» ان لا دخل للاميركيين في المؤتمر او التخطيط او تبني افكاره والدعوة اليه.
من جانبه انتدب عاهل الاردن الملك عبدالله الثاني وزير الاوقاف والشئون الاسلامية احمد هليل لرعاية المؤتمر الذي قال: «ان مفهوم الوسطية الذي يحتاجه العالم الاسلامي في الوقت الحاضر هو ذاك المفهوم الذي لا يكره الناس على العقيدة الاسلامية ويراعي حقوق وكرامة الناس رجالا ونساء بغض النظر عن لونهم واصلهم وعقيدتهم حتى ولو كانوا غير مسلمين».
واضاف «ان الوسطية من اهم القضايا التي هي احوج للبحث في الوقت الراهن». مشيرا الى ان الوسطية منهج الاعتدال والتوازن والافضلية والخيرية بلطف دون هوان او ضعف وقوة من غير ظلم او عنف ولا افراط او تفريط».
وبيّن «ان العالم الاسلامي يعاني هجمة شرسة من قبل اعدائه حقدا وكيدا او بسبب بعض الممارسات الخاطئة من بعض اتباعه جهلا فيلتبس الامر بين الممارسة والسلوك وعدم معرفة حقيقة الاسلام فتكون الهوة بين العبادة والسلوك وبين القول والعمل وبين الجوهر والمظهر واتهام الاسلام بالتطرف والتعصب والارهاب».
وقال «ان على العلماء دورا كبيرا في ارساء خطاب واقعي قابل للتطبيق والالتزام يستصحب مقاصد التشريع اخذا بالادلة الشرعية والاحاطة بواقع الامة وحياة الناس». معتبرا «ان وسطية الاسلام تراعي تطور الحياة واحوال الانسان مع المحافظة على الثوابت والضوابط جمعا بين المنهج والفكر وروح الحياة والعصر».
وقال وزير الارشاد والاوقاف السوداني عصام البشير في كلمة الوفود العربية «ان اهمية الوسطية كمصطلح والحوار حولها الذي ينكب العلماء من خلال هذا المؤتمر لمناقشتها تأتي من خلال الحوار لمعالجة مجموعة من الاختلالات في فكرنا المعاصر»، مستعرضا ان هناك مجموعة من خمسة تيارات سائدة هذه الايام وعلى علماء المسلمين معالجتها وهي: التيار الانتحاري (التفجير) وهو من اهم التيارات السائدة التي انتقل اصحابه من فكر التكفير الى فكر (التفجير) وان على تيار الوسطية تجفيف منابع الغلو لهذا التيار، مؤكدا «ان المعالجة الامنية وحدها غير قادرة على تصحيح الافكار المتعلقة بهذا التيار وان المعالجة الفكرية هي الاقدر على تصحيح الافكار الخاطئة التي يحملها اصحاب هذا التيار».
وثاني تلك التيارات هو التيار او الفكر (الامجادي) ويعتقد اصحاب هذا التيار ان الصواب انتهى الى حيث انتهى الاقدمين من المسلمين ويرفضون فكرة المعاصرة والتطور بالفكر واستشراف المستقبل. وعن التيار الثالث قال انه الفكر (الانعزالي او الانكفائي) واصحابه الذين تقوقعوا وانعزلوا ولا يرون ان الحواجز ازيلت وتجاوزت حدود الزمان والمكان في ظل ثورة المعلومات والاتصال التي لم تترك من سبيل للعزلة والانكفاء.
وعن التيار الرابع بيّن انه (التيار الاجتهادي)الذي يلتفت للجزئيات، وانشغل بقضايا تجاوزها الزمان ويستدعي مشكلات التاريخ ويبدد مقدرات الامة بما يجعلها تغيب عن القضايا المهمة والمعاصرة ويشتغل بالنوافل ويهمل الفرائض والفروع وليس الاصول. وآخر تلك التيارات هو التيار(الانبهاري) الذي انبهر بكل ما اتى به الغرب دون التدقيق بالثوابت والخصوصية الحضارية والذين يريدون من الجميع سلوك طريق الغرب دون التدقيق بتلك الثوابت بحجة التجديد والمعاصرة.
وقال «ان تيار الوسطية مدعو اليوم وضمن ثبات على الاهداف ومرونة في الوسائل المعاصرة والاصالة ودون ترهل او تعجل الى معالجة اختلالات الفكر هذه واحياء المصالحة الشاملة كشرط لتحقيق النهضة التنموية بالجانبين الروحي والمادي والايمان بالتعددية التشريعية والثقافية كنوع من الاثراء لا التشرذم». وقال: ان دعوتنا في الشرق الاوسط للاصلاح يجب ان تكون نابعة من ارادتنا وعقيدتنا وثوابتنا وفق اطار الوسطية لضمان الكرامة وصيانة لمبدأ الشورى والعدالة.
ويسعى المؤتمرون وهم النخب الفكرية الاسلامية الى إبراز الطابع الاسلامي الصحيح لمفهوم الوسطية الاسلامية في مجالات الحياة المختلفة من خلال العرض الفكري والتاريخي الشرعي، يهدف الى توضيح صورة الاسلام والمسلمين في الغرب وتصحيح صورة الغرب لدى المسلمين ومحاولة الفهم الصحيح في ظل الحوار الحضاري.
وتركز جلسات المؤتمر على مدى ثلاثة ايام على 14 محورا تتناول الوسطية في الفكر السياسي للاسلام والتطرف والارهاب والغلو والعرقة مع الآخر والوسطية في الحوار الحضاري والوسطية واثرها في نهوض الامة حضاريا وغيرها.
وقال رئيس منتدى الوسطية المهندس مروان الفاعوري ان التئام هذا المؤتمر خطوة على الطريق للذود عن الاسلام امام افتراءات هو منها براء وما لحق باتباع من ظلم وجور سببه ضبابية الرؤية لهذا الدين وعدم فهم لروحه السامية من قبل الاخرين الامر الذي استدعى مثقفي هذه الامة الغيورين على حضارتهم باستخدام كل الوسائل الحضارية التي استقوها من دينهم الحنيف ابرازا للصورة الرائعة لهذا الدين الذي استوعب حضارات وثقافات شتى وتفاعل مع مخرجاتها ولم يضق ذرعا بها.
وقال اننا نبحث عن وسطية الاسلام في مورثنا الفكري الحضاري والثقافي فنجدها فكرا وممارسة عند المصطفى عليه الصلاة والسلام ومن بعده الخلفاء والائمة وثيقة كوثيقة المدينة وعهدة كعهدة عمر ورؤية وسعت ميادين الحياة المختلفة الامر الذي ساعدنا على تقسيم محاور المؤتمر وفق تلك الرؤية الشمولية لديننا الحنيف.
واعتبر مقرر المؤتمر فايز الربيع ان اكثر اخطاء المفكرين والعاملين في الحقل الاسلامي تأتي من «النظرات الناقصات» التي تنظر الى اجزاء الحقيقة المركبة فتجعل افكارهم تزحف بغير وعي حتى تنزلق فلا تتوسع حدود الجزء الذي نظر اليه ليصبح هو الجزء كله ويكون ذلك عدوانا على الحق او جزءا من الحقيقية ومن هنا تتوسع دائرة التطرف والغلو. وقال: اننا ملزمون على ان ندخل في حوار مع الآخر وحضارته وان الهروب من المواجهة سيقودنا الى العزلة والضمور وقبول مفردات الآخر كلها الذي سيقودنا الى فقدان هويتنا.
وفي كلمة الوفود الاجنبية ألقى رئيس الوفد البريطاني جون ريشتارد كلمة اعرب فيها عن امله في ان يتوصل المشاركون الى ايجاد ارضيات مشتركة حيال مختلف القضايا والآراء والافكار التي سيتناولها المؤتمر.
وقال: اننا ندرك حرص الاسلام على معالجة قضايا حقوق الانسان بطريقة اخوية بغض النظر عن الخلفية الثقافية او الجنس او الدين وعلينا ان نعمل سويا وفق هذا المضمون الذي نص عليه القرآن الكريم والانجيل. واضاف: اننا جميعا لدينا رغبة مشتركة تتمثل في عدم جواز سوء معاملة الانسان بسبب جنسه او لونه او دينه، فالاختلاف سر طبيعة هذا الكون، مؤكدا ان مفهوم التواصل مع الطرف الآخر يمثل جزءا اساسيا من عقيدة المسلمين كما هو بالنسبة إلينا في الغرب.
وتناول رئيس تحرير «الوسط» في مداخلته «الوسطية في الاعلام»، معبرا «الوسطية» كمصطلح تعتبر من اسهل ما ينطق به الانسان ويدعمه، ولكن في الواقع فإن تأسيس نهج وسطي من اصعب الامور. فمن السهل في عالم يتشكل على اساس لونين، إما ابيض وإما اسود ان يتبع المرء واحدا من اللونين المبسطين، غير ان المشكلة تبدأ في التطبيق عندما يشرع اصحاب اللون المبسط عندما يخلطون الحق بالباطل ويدمرون الهدف الذي من اجله تحركوا وبذلوا الغالي والنفيس.
في البحرين، كانت لدينا فرصة لطرح مفهوم وسطي في الصحافة، فالبحرين - الصغيرة في جغرافيتها - تحتوي على جميع ما يحتويه عالمنا المعقد والمتنوع في ألوانه. وكان بداية اختيارنا لاسم الصحيفة «الوسط»، وقصدنا بذلك ايصال رسالة الى الجميع...
فنحن وسطا من الناحية الفكرية الاسلامية، تنشر الاصالة الاسلامية المتمسكة بالاركان الثابتة، ولكننا ننظر الى العصر بروح منفتحة على التجارب الانسانية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان والتعددية والتكامل والتنمية.
اعتبرنا انفسنا وسطا داخل الجسد الاسلامي، ففي البحرين لدينا توازن مذهبي بين السنة والشيعة، ولقد عانينا كثيرا من صبغ الحياة العامة بواحد من اللونين. اما «الوسط» فهي المنطقة المشتركة فيما يخص المناسبات والقضايا الرمزية المختلفة. نطرح انفسنا على اساس اننا «انسانيون مسلمون» قبل أي شيء آخر، وأي تعارض مع هذا الطرح نبتعد عنه.
على المستوى السياسي المحلي، اعتبرنا انفسنا وسطا، لسنا بوقا للجهات المعارضة، كما اننا لسنا بوقا للجهات الرسمية.
ان ما يوجهنا في السياسة المحلية هو خدمة الناس «لأن الخلق عيال الله احبهم لله انفعهم لعياله». هذا المحور الوسطي يعتبر الناس اساسا للسياسة، وحقوق الناس حدود ما نتوجه اليه في ما نطرحه على صفحات الصحيفة اليومية.
على المستوى السياسي العربي والدولي، فإننا نتمسك بالثوابت المشروعة، لان الوسطية لا تعني التخلي عن الحق الثابت والمشروع، فقضية فلسطين وتحريرها من الاحتلال قضية جوهرية لا يمكن ان تذوب تحت أي عنوان. وعلى هذا الاساس فإننا نراعي حتى المصطلحات التي نستخدمها في التغطيات.
كذلك الحال بالنسبة إلى العراق قبل وبعد الاحتلال، فنحن ضد الدكتاتورية واضطهاد الشعب العراقي وايضا ضد الاحتلال، فالديمقراطية والعدالة لا تأتي بوسائل مغلوطة، والخطأ لا يعالج بالخطأ. على اننا نتخذ من الواقعية نهجا ايضا. فنحن نواجه واقعا معاشا تسيره القوى المسيطرة، على عالم اليوم، والتمسك بالشعارات المجردة معناه تضييع كل الحقوق.
فالوسطية لا تعني الابتعاد عن الواقعية، بل انها توازن بين الهدف المنشود وبين ما نعيشه في حياتنا الحالية.
الموقف الوسطي من المبادرات المطروحة عالميا واقليميا ومحليا من اجل اصلاح شرقنا الاوسط وبلداننا يحتاج الى دقة واتزان لكي لا نخسر مبادئنا امام الهجوم المكثف للافكار النابعة من الآخر. ولكن هذا يتطلب منا ايضا ان نحسن التعامل مع الآخر، فالحكمة ضالة المؤمن وهو احق بها أنّى وجدها.
ان المخاطر التي تواجه نهج الوسطية في الاعلام كثيرة، ولكن الحذر هو من الانزلاق نحو الذوبان في التفاصيل بحيث لا يكون هناك طعم خاص وتوجه محدد. فالوسطية لا تعني انعدام التوجه، ولا تعني الامساك بالعصا من الوسط دائما، وانما يتطلب الفهم الوسطي ان نقف ضد انعدام التوازن في الطروحات، وهذا بحد ذاته يحد والتوجه المنحاز في اتجاه الناس وما ينفعهم، والتوجه المنحاز الى الانسانية والى الاسلام بمفهومه الحضاري الذي يكمل الطرح الانساني ويرفع شأن المسلمين.
الاعلام الوسطي اعلام مسئول في زمان تتعدد فيه الوسائط الاعلامية، لا سيما في الفضائيات التي تدخل كل المنازل في كل مكان، وفي شبكة الانترنت التي تنقل جميع انواع المعلومات والاتجاهات.
الصحافة المكتوبة تطرح نفسها في اجواء مختلفة عن السابق. ففي السابق كانت المعلومات قليلة وأي شيء يتم تقديمه يعتبر انجازا، اما اليوم فنحن نسج في محيطات من المعلومات المتضاربة ذات الامواج المتلاطمة، والمسئولية الملقاة على الصحافة المسئولة كبيرة جدا، وعسيرة اذا لم تكن لديها ثوابت ومبادئ تعتمد عليها. ولذلك فإن الوسطية هي اعتماد الشواهد التي توجه الاعلام نحو عالم اكثر عدلا واكثر انسانية
العدد 661 - الأحد 27 يونيو 2004م الموافق 09 جمادى الأولى 1425هـ