العدد 661 - الأحد 27 يونيو 2004م الموافق 09 جمادى الأولى 1425هـ

اللاتوازن العربي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الدول العربية تمر في فترة من اللاتوازن. واللاتوازن هو منطقة وسطى بين الاحباط والاوهام. فالدول العربية تعيش حالات محبطة ولكنها تكابر حتى تطول فترة الاوهام أو الأحلام غير الواقعية. فالدول العربية ترغب في دعم القضية الفلسطينية وتؤيد القرارات الدولية ولكنها لا تتحرك للتعبير عن تلك الرغبة ولا تنشط لتأكيد جدية التزامها بدعم السياسة الدولية التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.

هذا مثال. والمثال الثاني يطاول الملف العراقي. فالدول العربية أيضا ترفض الاحتلال وتطالب القوات الأجنبية بالانسحاب وتؤكد حرية العراق واستقلاله وسيادته، ولكنها أيضا لا تفعل إلا القليل (هذا إذا فعلت) من أجل تحويل المطالب إلى وقائع جارية على الأرض.

المثالان الفلسطيني والعراقي يمكن عطفهما على أمثلة أخرى من نوع عودة الأراضي العربية المحتلة، وضمان أمن الأنظمة، وتطور التجارة البينية بين الدول العربية. ويمكن عطف الأمثلة الأخيرة على أمثلة أخرى أقل تواضعا من نوع الاستقرار السياسي أو الاستقرار الأمني أو تحسين العلاقات العربية ضمن حدها الأدنى في إطار جامعة الدول العربية.

حتى الطموحات الصغيرة أصبحت من المطالب المستحيلة في ظل أنظمة تميل في معظمها إلى القعود وترك المسائل تسير على هديها من دون رقابة أو أشراف أو قيادة أو حتى انتباه للأسوأ الذي ينتظر على مفارق الطرقات.

سياسة القعود هذه ستؤدي في النهاية إلى اللاتوازن وضياع بوصلة الاتجاهات بين الاحباط والاوهام. فالانتظار في ظل ظروف بالغة الدقة يعني في أفضل الحالات اعطاء فرصة للدول الكبرى لزيادة تدخلها في شئون الأنظمة، واللعب على استقرارها السياسي من خلال تشجيع الاضطراب الأمني والضغط عليها لتحصل على تنازلات تريدها من أجل تبرير استراتيجيتها الهجومية، ومن ثم البناء على تلك التنازلات لتطوير هجومها العام.

سياسة القعود (الانتظار) خاطئة لأنها تشجع من جهة الدول الكبرى على تطوير شروطها وفرضها بالقوة، وهي خاطئة أيضا، لأنها ترفع من نسبة الاوهام العربية في وقت بات الوضع العربي يعيش درجات عالية من الاحباط. فالسياسة العربية الآن هي وهمية لأنها انتظارية، وهي انتظارية لأنها تقوم على سلسلة أوهام تحتاج إلى إعادة نظر بها ليس لأنها غير صحيحة بل لأنها صحيحة. ولأنها صحيحة تحتاج إلى مراجعة واقعية وبناء قوة حقيقية لتطبيقها أو على الأقل للمحافظة عليها كمبادئ عامة.

السياسة الواقعية أفضل بكثير من سياسات القعود والانتظار، فهي على الأقل لا تبني مستقبل الأمة على مجموعة اوهام وفي الآن تنطلق من الحد الأدنى لتطويره ورفع درجاته خطوة خطوة نحو الأعلى. فالدول العربية الآن مطالبة بالادنى حتى تحافظ على الحد الأعلى. فهي مثلا مطالبة بضمان أمنها وهذا لا يتم من دون استقرار سياسي، ومدخل الاستقرار السياسي هي مصالحة الأنظمة لشعوبها وإعادة الثقة لتلك العلاقات المقطوعة بين الدول والمجتمعات. فالقوة هي في الانفتاح وليس في الانغلاق، ومصدر قوة الدولة مجتمعها وليس الوعود الأميركية. فواشنطن تغدق الوعود اليوم وتتراجع عنها غدا. فالتجربة أكدت أن السياسة الأميركية لا صديق لها، بل هي أحيانا تكون أكثر قسوة وطمعا مع من هم معها وأكثر ليونة واحتراما مع من هم ضدها.

انفتاح الدول العربية على شعوبها هي أضمن بكثير من كل سياسات الانفتاح على الدول الكبرى. فالأخيرة صداقتها مؤقتة ومصلحية بينما الناس فإن صدقيتهم أكبر ثروة عربية لم تستثمر حتى الآن. والانفتاح على الشعوب العربية ليس مكلفا بل هو في كل المقاييس والمعايير أقل كلفة من كل مطلب أميركي أو غير أميركي.

الدول العربية تأخرت كثيرا في مصالحة شعوبها، ولكن هناك بعض الوقت يمكن الاستفادة منه لتحصين الجبهة الداخلية قبل أن يحين موعد العاصفة. تحصين الجبهة الداخلية يبدأ بالانفتاح وإعطاء المجتمع ما انتزع منه وهذا يضمن الأمن ويعزز الاستقرار ويحد من احتمالات التدهور. بعد الانفتاح لابد من المكاشفة والمصارحة حتى لا يعيش الناس أحلام اليقظة وتظهر الوقائع أقل من التوقعات. فالمكاشفة تقضي بالتقليل من الاوهام ووضع تصورات واقعية تتطلب التعاون الطويل بين الدولة والمجتمع حتى يمكن التوصل إلى تحقيق بعضها.

الشعوب العربية بحاجة إلى فرصة جديدة، والواقعية في التفكير والسياسة ربما تكون وسيلة معقولة لخروج الدول العربية من المنطقة الوسطى بين الاحباط والاوهام. ولعل الواقعية تكون من أدوات الانتقال من حالات اللاتوازن إلى أفضل مما هو عليه الوضع الآن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 661 - الأحد 27 يونيو 2004م الموافق 09 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً