لا أعرف مسلما على وجه الأرض لا تشغله قضية وحدة الأمة أكثر من غيرها من سائر القضايا التي تحتاجها كل أمة... المسلم الحق يعرف بداهة أن سر قوة كل أمة هي وحدتها وأن سر ضعفها هو تفرقها وتمزقها، هذا الفهم استوحاه المسلمون من فعل الرسول (ص) ومن اقواله كذلك، فهو يؤكد أن على المسلمين أن يكونوا كأسنان المشط، كما ينبههم إلى أن الذئب لا يأكل من الغنم الا القاصية، ويطلب من كل مسلم على وجه الأرض أن يشعر بآلام اخوانه المسلمين في أي مكان كانوا... هذه الإشارات وسواها وكذلك واقع الأمة الإسلامية اليوم استقرأها الشيخ خليفة وشعر بها وهو في أطهر مكان على وجه الأرض - مكة المكرمة - وفي موسم روحاني لا يعادله موسم - موسم الحج - فنظر حوله والتفت هنا وهناك وانطلقت روحه تبحث عمن يخلص هذه الأمة المنهكة ومن ينقذها من مآسيها المتلاحقة فلم ير الا الحسين (ع) ولم ير الا سيرته المباركة رمزا حيا يتمثله الناس اليوم ان ارادوا تحقيق عزتهم ووحدتهم ليكونوا أمة حية بين الأمم الأخرى... أمسك الشيخ قلمه وكتب رسالة نادرة المثال إلى الإمام الحسين (ع)... وعندما يجتمع لهذه الرسالة عظمة الشخصية التي سترسل إليها وعظمة المكان الذي ستنطلق منه وبلاغة المرسل الرائعة فإن هذه الرسالة ستصبح تحفة رائعة بكل المقاييس... نقرأ في مستهل هذه الرسالة كيف ان وحدة الأمة وسعادتها لن تتحقق الا بالتضحيات الكبرى وكيف أن أبا الشهداء كان يتمثل هذه التضحية «سنين طويلة يطوي بعضها بعضا والإنسانية حائرة تبحث عن كل سبيل يوصلها إلى وحدتها. ولن تتحقق هذه المطالب العالية دون ان يوجد لها شهداء. فأنعم بمقدم ابي الشهداء من جديد إلى ضمير كل حي من بني الإنسان ممن حداهم الشوق إلى عالم الخير والتفاؤل».
الأمة المسلمة اليوم تعيش حياة الضياع والضعف وأعداؤها يتلاعبون بها ويفرضون عليها آراءهم ومناهجهم وكثيرا من معتقداتهم. وليس من الصعب رؤية الأمثلة الكثيرة على هذه الحقائق... انظر إليها في فلسطين وفي العراق وانظر إليها في الكثير من البلاد الإسلامية ترى كيف ان اعداءنا بسطوا نفوذهم علينا واذلّونا في عقر دارنا... ويتساءل المسلم المخلص عن سر تحوّل هذه الأمة العملاقة إلى أمة مستضعفة يتلاعب بها الصهاينة واشباههم فلا يكاد يرى غير التفرق والاهواء وانشغال المسلمين بعضهم بالبعض الآخر، ولعل هذا الوضع ومحاولة ايجاد مخرج منه هو الذي دفع الشيخ خليفة إلى كتابه «اجتماع الادلة على وجوب وحدة الأمة» إذ أكد أن هذا الكتاب يترجم عما يدور في نفسه من هموم وآلام على حال هذه الأمة المتمثل في التشرذم والتفرق والضعف... وعندما اطلعت على هذ الكتاب تمنيت أن كل مسلم يستشعر هذا الخطر المحدق به في أي مكان كان وعلى أي مذهب هو... تمنيت من قلبي ان يدرك كل مسلم ان احتلال فلسطين والعراق لن يكونا نهاية الاحتلال الأجنبي لبلادنا.
وان ما يقوم به الصهاينة والأميركان من اذلال المسلمين بكل الطرق في العراق وفي فلسطين لن يكون نهاية الذل لكل فرد منا... وان ما يخطط له المتطرفون الأميركان من تغيير المناهج الإسلامية في مدارسنا ومن كتم أنفاس المخلصين من الاساتذة والمفكرين والخطباء لن يكون نهاية مآربهم... لن يقبل هؤلاء إلا أن نكون عبيدا لهم وان تكون بلادنا مستباحة لاطماعهم والا فلن نهنأ بالعيش مادمنا نملك بقايا كرامة وعزة... المخرج من هذا كله لن يكون الا بشعور كل مسلم بأهمية الوحدة بينه وبين كل مسلم آخر وان القضاء على كل عوامل الاختلاف يجب أن يكون الخطوة الأولى لهذا الشعور... اعداؤنا يعملون بكل الطرق على تفريق صفوفنا وبعضنا للأسف يستجيب لهم ولولا هذا ما وصلنا إلى مثل هذه الحال المتردية... أمامنا قمم شامخة نستنير بهم، والإمام الحسين من ابرز هذه القمم... وعندما يوجد بيننا مثل الشيخ خليفة نشعر بشيء من الاطمئنان على أن هذه الأمة مازالت بخير... ويشعر أن طموحنا بالوحدة والقوة قد يتحقق.
أكاديمي وكاتب سعودي
العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ