العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ

الخيار الإسرائيلي من «تموز» العراقي إلى «بوشهر» الإيراني

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تماما كما كان ضرب مفاعل «تموز» العراقي خيارا اسرائيليا بالتمام والكمال فإن المطالبة بضرب مفاعل بوشهر النووي الايراني هو خيار اسرائيلي بامتياز.

المغفلون وحدهم يريدون منا أن نقتنع بأن «النية الصادقة والمخلصة» المعقودة لدى مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية الهادفة إلى ابعاد اخطار التسلح النووي عن العالم! هي وراء الضغوط المستمرة والمتزايدة على ايران.

صائب رأي الزميل عبدالوهاب بدرخان تماما عندما يقول إن من السذاجة بمكان إن انكرت طهران أن ملفها النووي فتح ليقفل بمجرد أن تبدي الاخيرة «حسن سلوك» مع المجتمع الدولي! فالملف النووي الايراني فتح ليبقى مفتوحا إلى أن تتمكن اقوى دولة نووية في العالم ومعها الدولة النووية الوحيدة في «الشرق الأوسط» من تغيير «الطبيعة الاسلامية» للجمهورية الايرانية واعادتها ما امكن إلى التاج الاميركي شاهنشاهية كانت أم «جمهورية موز» لا فرق، كما يضيف الزميل بدرخان.

قد يختلف العرب معه أو يتفقون على تفصيلات كثيرة بشأن شكل نظام الحكم الذي يديره في طهران. ومن حقهم ان يبغضوه أو يحبوه، لكنهم لا يملكون الا ان يسجلوا له نجاحه في قهر ارادة المتغطرس الاميركي وتمريغ انفه في التراب اكثر من مرة واكثر من مناسبة وبامتياز. ذلك هو حال الحكم الايراني منذ العام 1979 حتى اللحظة الراهنة.

لقد دفع الكثير ضريبة وقوفه إلى جانب العرب والفلسطينيين ولايزال. وبامكانه أن يوقف استنزاف الدفع الضريبي الذي لايزال يعاني منه فقط من خلال الاذعان لمطلب واحد اساسي عنوانه الاعتراف بالكيان الاسرائيلي الغاصب.

عقلاء العرب وحكماؤهم كما جهالهم والمتحاملون منهم خصوصا يعرفون بالاجماع أن حقيقة ما تريده اميركا من ايران في السر والعلن هو اعلانها الصريح وتعهدها القاطع والحازم بوقف التضامن مع الفلسطينيين «الارهابيين»! والاعتراف بدولة الاغتصاب والذبح والعدوان المستمر.

ما من احد زار طهران وتربطه صلة ما بواشنطن، وما من أحد زار واشنطن وتربطه صلة ما بطهران الا سمع هذا الشرط من الاميركيين ان في الذهاب ام في الاياب، وبات يعرف ان كلمة السر في كل الملفات العالقة مع ايران من النووي إلى حقوق الانسان! انما هي «اسرائيل».

ومع ذلك يكتب احدهم من العرب مزهوا بعقله الراجح والراشد أنه تماما «كما لم يكن حزينا يوم ضرب الاسرائيليون مفاعل «تموز» العراقي... فإنه سيكون اكثر سعادة لو ضرب المفاعلان المتبقيان الايراني والاسرائيلي». وهو يعلم علم اليقين أن المفاعل الاول لم يكتمل بعد اولا وهو للاغراض السلمية بحسب التقارير الدولية المعتبرة كافة فيما الثاني انتج ما لا يقل عن 200 قنبلة نووية باعتراف العالم اجمع بمن فيهم صاحب الانتاج النووي البغيض لانه «لاقط» جيد للتحولات العالمية، واتجاه البوصلة عنده صحيح قرر مبكرا ارسال رسالة واضحة ليس فيها لبس وجازمة لا تقبل التردد إلى دولة العلاقات العامة في حكومة الامبراطورية العالمية، أن اللعب بالنار مع طهران لن يكون نزهة لا في البر الايراني ولا في البحر.

هذا هو مضمون الخطوة التي اقدم عليها مرشد الثورة آية الله علي خامنئي في مواجهة مناورة البحرية البريطانية في مياه بلاده الاقليمية وهو يدشن عهد بلاده الجديد الذي بات يعرف بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة بعهد «الولاء للقيادة والقيم».

قد تختلف معه أو تتفق لكنك لا تملك الا ان تسجل له قدرته الفائقة على الامساك بأطراف مطبخ صناعة القرار الايراني بامتياز.

وحده الذي يملك قرار الحرب والسلام، كما قرار المقاطعة أو الحوار. ولما كان يعرف تماما ان الوقت ليس وقت محاورة الخصم «الاكبر» الغارق في مستنقع العراق واوحال افغانستان فإنه قرر ارسال هذه الرسالة الحازمة القوية والواضحة له عبر دولة علاقاته العامة (بريطانيا العظمى)!

لا ادري كم هي صحيحة التحليلات التي تقول «بدهاء» القيادة الايرانية في التعامل مع الملفين الافغاني والعراقي. لكن الثابت انها اطاحت «بدهائها» هذا بخصم مؤرق عند حدودها الشرقية وآخر عدو لدود عند حدودها الغربية من دون ان تدفع ثمنا معتبرا في الحالين فيما هي «تستعمل» بقايا الخصم والعدو «الاصغرين» في انهاك عدوها «الاكبر» واستنزافه.

العرب بحاجة إلى صديق مثل ايران مهما اختلفوا معها، وايران بحاجة إلى صداقة العرب مهما اختلفت معهم، والاسباب ليست عاطفية ولا تاريخية ولا ثقافية ولا عقائدية فحسب ليمكن القفز عليها جميعا بسبب «العولمة» وتحولات العصر الكبرى كما يظن اصحاب خيار ضرب مفاعل بوشهر النووي الذين يعيشون لحظة انتعاش انتصار خيار القوة بل وبسبب «العولمة» بالذات وخيار القوة المنعش ذاته لا خيار للعرب والايرانيين... الا ان يكونوا معا.

في العراق (الجريح) كما في فلسطين الذبيحة، وفي مقاومة الارهاب كما في مقاومة العدوان والغزو. وفي مقاومة التعصب والجهل والظلامية كما في مواجهة التهميش واستحالة الثقافات المحلية والوطنية واستئصال الارادات التعددية امام احادية الاستعلاء والغطرسة، ليس امام العرب والايرانيون الا ان يكونوا معا وان يقفوا الى جانب بعضهم بعضا.

وحدهم قصيرو النظر وصغار النفوس هم الذين يظنون أن زمن توزيع الغنائم في «الشرق الأوسط الكبير» قد بدأ. لذلك تراهم قرروا قطع جسورهم كافة مع ما باتوا يسمونه بالحرس القديم للدول مرة أو بالملكيات والجمهوريات المتخلفة! مرة اخرى. لهؤلاء نقول مذكرين: صحيح اننا في جمهوريات أو ملكيات التخلف هذه نألم وتسيل دماؤنا يوميا من فلسطين الى العراق مرورا بكل مواقع الالم الموزعة على امتداد هلالنا الدامي الا ان العدو هو الآخر يألم مثلنا ومنذ عقود، لكن الفرق أن ألمه هو الم المحتضر فيما نحن نألم ألم المنتصر

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً