العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ

لا معنى للانتظار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تنتظر الدول العربية لحظة بدء الولايات المتحدة إعادة نشر قواتها في العراق. ولاشك أن تلك اللحظات ستكون تاريخية لأنها ستعطي فكرة مختصرة عن سياسة الدمار الشامل التي اتبعتها واشنطن ضد دولة كانت تعتبر قبل عقد من الزمن محورية.

النتائج المتوقعة لإعادة الانتشار الأميركي يرجح أن تكون سلبية بسبب ضعف الحكومة المعينة وعدم وجود دولة قادرة على ضبط الانفلات الأمني وتأمين حد أدنى من الحياة المستقرة. وبعيدا عن ساحة العراق تبدو الأوضاع العربية برمتها مرشحة لمزيد من التوتر الأمني وعدم الاستقرار السياسي. فالمؤشرات الدولية والإقليمية لا تدعو إلى الاطمئنان ومعظم الاتجاهات تصب في النهاية في زاوية حادة تحشر العواصم العربية في حلقة ضيقة تمنعها من «أخذ نفس» للتفكير أو وقت قصير للبحث عن مخارج تضمن عدم تدهور الوضع إلى أسوأ مما هو عليه الآن.

هذه النتائج السيئة (المتوقعة) إذا حصلت تتحمل مسئوليتها الدول العربية إلى حد كبير. فالولايات المتحدة واضحة في مشروعها التقويضي ولم تكن في تاريخ علاقاتها مع العالم العربي أوضح مما هي عليه الآن. والإدارة الأميركية لم تتردد منذ ضربة 11 سبتمبر/ أيلول في قول ما تريده من الدول العربية وكررت مرارا سياستها من خلال تصريحات المسئولين أو تقارير المخابرات أو اللقاءات المباشرة أو الرسائل الموجهة من خلال أجهزة الإعلام أو المؤتمرات والقمم.

البيت الأبيض قال كل ما عنده وحدد ما يريده، وطرح تصوره في مختلف الملفات من العراق إلى فلسطين، ومن الملف الأمني إلى السياسي. ولم يتخلف البيت الأبيض مرة في البوح عن كشف مراميه من ملفات، تتعلق بالطاقة والوجود العسكري وانتشار قواته وانحيازه لـ «إسرائيل» وصولا إلى إعادة النظر في جغرافية المنطقة وخريطة «الشرق الأوسط» وما يسمى بمشروع الإصلاح.

البيت الأبيض خلال السنوات الثلاث الأخيرة لم يناور على الدول العربية ولم يخدع عواصمها بل ذكر مرارا ماذا يريد وما هي أهدافه؟ حتى أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد حدد استراتيجية أميركا الأمنية وقال إنها استراتيجية ممتدة جغرافيا ومستمرة زمنيا وقد تستغرق قرابة عشرين سنة من الملاحقات لفروع «القاعدة».

هذا الوضوح قابلته الدول العربية بغموض مريب وصمت وحيرة وعدم وضوح، الأمر الذي زاد من ارتباك بعض الأنظمة وجعلها عرضة للاهتزاز الأمني وعدم الاستقرار السياسي.

الدول العربية تتحمل لاشك مسئولية كبيرة عن إيصال الوضع العربي إلى هذا المستوى من الارتباك. فالسكوت أعطى إشارة خاطئة للقوى الكبرى وأسهم في تهميش الدور العربي سواء على مستوى القضية الفلسطينية أو الساحة العراقية. وافسح هذا الصمت (التجاهل) المجال للقوى الكبرى بالتحرك باستقلال عن الدول العربية وعدم الاستماع إلى رأيها في الكثير من الملفات الساخنة. ومن ينظر عن بعد إلى خريطة العراق اليوم يظن أنه دولة أوروبية تتخاصم الدول مع الولايات المتحدة في تقرير مصيره في وقت لم تتحرك فيه الدول العربية لتحديد وجهة نظرها من الموضوع. فالعواصم ترفض الاحتلال الأميركي وهذه نقطة جيدة، ولكن الرفض ليس سياسة كافية فهو يتطلب تقديم البدائل الواقعية والموضوعية. فهل تريد الدول العربية تعريب الأزمة من خلال وضع الملف في دائرة جامعة الدول وإرسال قوات عربية لضبط الوضع ومنع تدهوره ومساعدة الشعب على النهوض لتجديد دولته وانتزاع سيادته واستقلاله. طبعا الدول العربية تريد ذلك ولكنها عاجزة وغير قادرة على تلبية هذا المطلب. وهل مثلا تريد الدول العربية تدويل أزمة العراق ونقل الملف إلى الأمم المتحدة لتتولى حله بالنيابة عن جامعة الدول وترسل قواتها (القبعات الزرق) لتحل مكان قوات الاحتلال الأميركية؟ الدول العربية كما يبدو ليست موافقة أو على الأقل غير مرتاحة لمشروع التدويل. إذا ماذا تريد؟ الانسحاب، التدويل، التعريب أو نصف انسحاب، نصف تدويل ونصف تعريب أم ماذا؟ لا جواب عربيا. فالغموض سيد الموقف والحيرة هي الاستراتيجية المتبعة. والحيرة تعني ترك الأمور على حالها تتدهور وتتداعى إلى أن تدب الفوضى الشاملة في العراق... وهذا أسوأ الحلول لأنه يستدعي الاحتلال للتدخل مجددا أو على الأقل ستظهر على الأرض مراكز قوى محلية يحتمل أن تشكل قواعد انطلاق لنشوء دويلات طوائف ومناطق.

الدول العربية مرتبكة وتنتظر الفرج... والانتظار لا معنى له وليس دائما فضيلة فأحيانا يدل على حكمة وأحيانا أخرى يكشف عن عجز. ويرجح أن العجز هو جوهر الانتظار العربي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً