أكثر ما يشعرني بالاشمئزاز هو ما يقوله الرئيس الأميركي جورج بوش، وفي كثير من الأحيان فإن خطابه دعائي لا يختلف كثيرا عن خطاب حكامنا العرب الذين اشبعونا كلاما في الصحافة واشبعونا ضربا في السجون.
الرئيس الأميركي يتحدث عن الحلم الأميركي، وكيف أن أميركا محكومة من قبل مواطنيها، وكيف أن الإدارة الأميركية تقود العالم الحر وكيف أن المهمة الأميركية في بلداننا إنسانية، تحررية، تستهدف تعليم الجهلة مفاهيم الديمقراطية وكيفية إدارة أنفسهم.
من يستمع إلى خطابات الرئيس الأميركي يتخيل بلدا من دون طبقية، ومن دون مجتمع متفاوت الفرص، ومن دون شركات اقتصادية كبرى توجه المصالح العليا للدولة، ومن دون مجموعات ضغط متخصصة (لاسيما مجموعات الضغط اليهودية) التي تستطيع - على رغم قلة عددها - أن تطيح بأي شخص يترشح للكونغرس أو للرئاسة، إذا لم يردد هذا المترشح الجمل المقدسة التي تؤمن بها هذه المجموعات الضاغطة.
المواطن الأميركي من المفترض أنه أكثر مواطن في العالم لديه قدرات من خلالها يتحكم ببلاده وبالعالم، ولكن هذا المواطن يحتاج إلى معلومات تخبره ماذا يجري في العالم، وبحاجة إلى منظمات توجه العملية السياسية. المعلومات المتوافرة للمواطن الأميركي تمر عبر قنوات إعلامية وصحافية وعبر السينما، وجميع هذه الوسائل لديها أجندتها الخاصة بها. فلو كان المواطن الأميركي على اطلاع دقيق بما يجري في فلسطين لما استمرت «إسرائيل» ساعة واحدة في وجودها، ولو أن المواطن الأميركي يعلم أن الإدارة التي ينتخبها تمارس ما مارسته في سجن أبوغريب، في أماكن وأزمان شتى لما استطاع هؤلاء الاستمرار في عملهم، ولو أن المواطن الأميركي لديه معلومات كافية عن العالم وأين تقع هذه الدولة أو تلك ولماذا تقوم إدارته بهذا العمل أو ذاك لما استطاع جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد البقاء في المنصب يوما واحدا.
وهذا يؤكد ما يردده بعض الأوروبيين من أن أحد أسباب فشل انتشار الديمقراطية في العالم هو تصدر الولايات المتحدة نظريا لهذا الدور. فالإدارة الأميركية لا تلتزم بمواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان ولا تعترف باتفاق محكمة الجنايات الدولية ولا تلتزم باتفاق حماية البيئة ولا تعترف بأي من هذه الطروحات الاستراتيجية، ولذلك فهي غير مؤهلة للحديث عن نشر الديمقراطية. لأن حديث رئيسها يعتبر إهانة للعقل الإنساني وإهانة لكل شخص يملك ذرة من القدرة على التمييز بين القول والعمل.
الشعب الأميركي من أطيب الشعوب، وهذه حقيقة يؤكدها كل من تعامل معهم، ولكن هذا الشعب ترسم له صورة وخيال يوحيان له بأنه يسيطر على الإدارة الأميركية وأن الإدارة تمارس دورا إنسانيا في العالم نيابة عنه. والواقع هو أن المواطن الأميركي ضحية تضليل إعلامي وضحية جمعيات الضغط التي توجه الإدارة لكي تبذر ثروات الشعب الأميركي فيما لا يخدم أميركا أو الإنسانية.
أميركا حاليا تعاني من بعض ما كان يعاني منه الاتحاد السوفياتي. فالاتحاد السوفياتي كان يتحدث عن عمال العالم وعن الفقراء، ولكن واقعه - عموما - كان يختلف عن شعاراته، ولذلك فإن أي شيء كانت له علاقة بموسكو، أو بالاتحاد السوفياتي، فإن الرد المتوقع هو السلبية وعدم التصديق من قبل الأكثرية. بل إن الاتحاد السوفياتي ربط نفسه بفكرة معاداة الدين وهذا ما شوّه عددا من طروحاته الإنسانية. الأمر مماثل الآن - ولو بدرجة أقل - مع أميركا، فالكثير من الناس يشككون في أي شيء صادر عن واشنطن ولا يصدقون هذه الإذاعة أو تلك الفضائية لأن مقرهما واشنطن، وهذا يشبه ما كان يعاني منه الاتحاد السوفياتي سابقا.
إن على الإدارة الأميركية أن تتواضع قليلا وأن توجه ولو جزءا يسيرا من إمكاناتها لنشر الخير بدلا من ترديد جمل الأحلام والخيال التي لا يصدقها أحد. لقد ساعدت أميركا كلا من اليابان وأوروبا وحديثا كوريا على إصلاح أوضاعها ووجهت جزءا من إمكاناتها المادية لذلك، ولكننا في الشرق الأوسط «الفخم» ليس لنا سوى الجمل الغبية التي يرددها الرئيس الأميركي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ