العدد 658 - الخميس 24 يونيو 2004م الموافق 06 جمادى الأولى 1425هـ

أبل: المعارضة تمتلك فرص النجاح في المناورة السياسية بعيدة المدى

في ورشة عمل: «التحليل السياسي... مفهومه وأساليبه»

دعا الناشط السياسي والاقتصادي عبدالعزيز أبل أطراف المعارضة إلى تكثيف الدورات التثقيفية لدراسة المعارف السياسية وفلسفتها ودراسة النظم السياسية وشئون الانتخابات والدوائر الانتخابية ومعاييرها الدولية، معتبرا أن لا خصوصية للفلسفة السياسية العامة بين البلدان مقابل رفضه لتبرير «خصوصية البلاد» كعائق إزاء الأخذ بالمبادئ السياسية المعروفة دوليا وتاريخيا، مرجحا وجهة نظره في أن المعارضة في البحرين تفوقت على الحكومة في تحليلها السياسي بعيد المدى في الكثير من المحطات الوطنية.

جاء ذلك في حديثه إلى «الوسط» على هامش ورشة العمل التي أقامتها جمعية العمل الوطني الديمقراطي عن «التحليل السياسي... مفهومه وأساليبه» في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري بقاعة إبراهيم شريف.

مفهوم التحليل

وأكد أبل «أن التحليل السياسي ليس عملية رياضية، بل هي نسبة من الصحيح والخطأ»، وعن مفهوم التحليل، لخص ذلك في ثلاث نقاط:

- عمل ذهني يسعى إلى فهم منطقي للحوادث.

- عملية التفكيك إلى المكونات الجزئية أو العناصر الأساسية.

- عكس الاصطناع الذي هو تكوين مركب من جزئيات.

هدف التحليل

أما هدف التحليل، فيستند - بحسب أبل - إلى:

- معرفة طبيعة الحدث أو القرار.

- تحديد العلاقة بين عناصره الأساسية وبينها ككل.

- التوصل إلى استنتاج عام بشأن الحدث.

- دراسة المفاهيم والفرضيات والمبادئ الأساسية التي ينطوي عليها الحدث.

مضمون التحليل

وقسم أبل مضمون التحليل إلى القياس، والتفسير، والتنبؤ، معرفا القياس بـ «الأبعاد» من حيث أهميتها وأولويتها، وأما التفسير فله جانبا الأسباب والدوافع، فيما أن التنبؤ ينظر إلى النتائج المترتبة على الحدث.

ميزة التحليل

وعن ميزة التحليل، فهو «يركز على العلاقات بين مكونات الحدث أو القرار، يبحث عن المتغيرات المؤدية إلى التطورات بين المكونات، يبحث عن العلاقات السببية أو التبادلية بين المتغيرات، ويسعى إلى توقع الاستحقاقات أو التبعات».

المتغيرات

وأوضح أبل الفرق بين المتغيرات والتغيرات، إذ رأى أن المتغيرات «هي التي تحدث التغيرات، وتتفاوت في القوة والتأثير»، وتنقسم المتغيرات إلى «مستقل يحدث التغير، وتابع يستجيب إلى التغير»، أما التغير نفسه فهو يحدث جراء تبدل طبيعة العلاقات بين المتغيرات.

طبيعة العلاقة بين المتغيرات

هناك علاقة «سببية» وأخرى «تبادلية» بين المتغيرات، كما ذكر أبل، فالعلاقة السببية هي التي توضح تأثير تصرف أو حركة المتغير المستقل على تصرفات المتغير التابع، أما العلاقة التبادلية فهي توضح تـأثير تصرفات أو حركة المتغيرات على بعضها بعضا بالتبادل، فيما تتركز في التأثيرات المتبادلة المصاحبة لتفاعل المتغيرات مع بعضها بعضا.

اتجاهات العلاقات

ويتابع أبل: للعلاقة السببية للبحث عن تفسير سببي نمطي قاعدة: «التأثير - الاستجابة، والسبب - النتيجة»، والعلاقة السببية تعد اتجاها لتحليل الحدث في اتجاه واحد، إذ يكون فيها المتغير المستقل «مؤثر في الحدث»، فيما أن المتغير التابع «مستجيب للحدث».

أما العلاقة التبادلية للبحث عن تفسير للحدث على أساس تبادلي، فتكون على قاعدة «التأثير - الاستجابة متبادلة، والسبب - النتيجة متبادلة»، فالعلاقة التبادلية هي اتجاه لتحليل الحدث من اتجاهات متبادلة، فيكون فيها المتغير المستقل «مؤثر ويتأثر بالتبادل»، وكذلك يكون فيها المتغير التابع «مؤثر ويتأثر بالتبادل أيضا»، وأكد أبل أن «المتغيرات تتبادل المواقع وفقا لحركتها وقدرتها على التأثير».

التصنيف

وأضاف أبل أن «التصنيف» ينبغي أن يسبق التحليل، وذكر على ذلك مثالا في تحليل وضع سلة فواكه، مركزا في ذلك على التفريق بين خصائص كل نوع من الفاكهة على الآخر، مشيرا بذلك إلى تصنيف المكونات والخصائص في الواقع السياسي كلا على حده.

التحليل والتقرير

ونبه أبل إلى التفريق فيما بين التحليل والتقرير، فالتحليل «يفسر العلاقات بين المتغيرات كونها سببية أو تبادلية ويعلل النتيجة»، أما التقرير فـ «يصف الحدث أو تطورات مراحل الحدث، أو حركة المتغيرات ويبين نتيجة تلك الحركة».

التطبيق السياسي

ويضيف: إن التحليل السياسي يركز على الميدان السياسي دون سواه، ويسعى إلى معرفة عوامل نشوء ظاهرة سياسية معينة أو حدث سياسي أو اتخاذ قرار سياسي محدد، ويتطلب تصنيف الظاهرة أو الحدث تحليل مكوناتها ومتغيراتها، سواء كان ذلك في السياسة الداخلية، السياسة الخارجية، الأمن الوطني أو الأمن الخارجي.

وسائل التحليل السياسي

وصنف وسائل التحليل السياسي إلى: وحدات التحليل، مستويات التحليل، تحليل الموقف السائد، وتحليل المضمون.

فعن وحدات التحليل، قال: إن منطلق تركز التحليل والتفسير يرتكز على:

- الفرد كمتخذ القرار، الحاكم ، السياسي ، الناخب.

- النظام السياسي (تعددية)، نظام الحكم (الفردي).

- النخبة السياسية، النخبة الدينية، والنخب الاجتماعية.

- الدولة، الحكومة، الوزارة، الدائرة.

- المؤسسة الدستورية، الحزب، المؤسسات المهنية.

- الطبقة الحاكمة والمحكومة.

- الطائفة، الفئة، القبيلة، العشيرة، والعائلة.

مستويات التحليل

أما المجالات التي يركز عليها التحليل السياسي أو مستوياتها فهي - بحسب المحاضر - محلية، وطنية، إقليمية، قومية، دولية.

وشدد أبل على ضرورة توافق واستمرار الوحدات مع المستويات فلا يمكن استخدام وحدة تحليل أو متغير مستقل أو تابع وطني على مستوى تحليل محلي أو قومي.

تحليل الموقف السائد

يستخدم هذا الأسلوب لتحليل مراكز القوى المختلفة، ويعتمد على:

- تحديد مواضع القوة: مثل استخدام المعارضة في البحرين للنهج السلمي، ونظرة الحكومة إلى غلق الجمعيات في موضوع العريضة كنقطة من نقاط قوتها.

- تحيد مواضع الضعف: مثل الخطاب السياسي الضعيف الذي يعتمد على المغالطات وضعف المنطق، واستشهد عن ذلك بتصريحات رسمية إزاء العريضة الدستورية بحسب وجهة نظره.

- تحيد الفرص المتاحة: مثل الاستغلال الإعلامي للوضع السياسي وغير ذلك.

- تحديد التحديات المتوقعة: كضبط النفس والتهدئة أمام التحديات واستفزازات الطرف الآخر.

ومن فوائد تحليل الموقف الراهن في تعزيز آلية اتخاذ القرار من خلال:

- معرفة مرتكزات القوة والضعف الذاتي.

- معرفة البيئة المحيطة والفرص المتاحة.

- تحديد التهديدات المحتملة.

- اتخاذ القرار المناسب ضمن رؤية واضحة.

أسلوب تحليل المضمون

يضيف أبل في هذا الجانب أن تحليل المضمون «يهدف إلى تحليل الخطاب السياسي وتفسير القرارات والمواقف بموضوعية انطلاقا من التعبيرات المستخدمة ومضامينها السياسية و السعي إلى تحديد النوايا التي قد ينطوي عليها، ويستخدم لتحليل خطب الزعماء والرؤساء والمسئولين بالهدف ذاته، كما يستخدم أيضا لجمع المعلومات من خلال تحديد مستوى المسئول المتحدث إن كان غير معلن (خطابات بن لادن كمثال)».

مضيفا: «التحليل السياسي يفرق فيما بين الأهداف المعلنة والنوايا المضمرة في الخطاب السياسي، فمثلا ذكر كلمة الإصلاح تعبير عام فيما أن عبارة الإصلاح السياسي تعبير محدد، ففي جمهورية مصر الشقيقة هناك اختلاف بشأن مفهوم الإصلاح، فيرى البعض أنه إصلاح متدرج، وآخرون أنه إصلاح بشكل استباقي (قبل استيراد نماذج إصلاحية من الخارج)، فيما يرى قسم آخر ضرورة إصلاح الوضع السياسي بعد مواجهة ضغط الشارع».

أما عن تحليل مضمون الخطاب الرسمي، فذكر ضمن ذلك تحليل خطابات جلالة ملك البلاد، محللا عبارة «عدم العودة إلى الوراء»، إذ يمكن للمحلل السياسي أن يطرح عدة أسئلة بشأن المقصود منها، هل هو عدم العودة إلى دوامة العنف السابقة وعدم التراجع عن الإصلاحات والمكتسبات؟ أم عدم الرجوع إلى «دستور73» وهكذا...

كما أشار إلى أن عدد تكرار الكلمات في الخطاب السياسي أو تجاهل كلمات أخرى له دلالات في التحليل، فالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر كان يكرر كثيرا عبارة «القومية العربية»، كما أن تكرار البعض لعبارات تدل على الطائفية تدفع المحلل السياسي إلى تصنيف خطابه ضمن «الخطاب الطائفي».

خطوات تحليل المضمون

ووضع أبل للتحليل السياسي من حيث المضمون، خطوات عدة، منها:

- اختيار مستوى التحليل، وذكر لذلك أمثلة عن خطابات المناسبات الرسمية للدولة.

- اختيار عدد مناسب من الخطابات المختلفة.

- اختيار وحدة تحليل مناسبة، مثال: رئيس الدولة أو رئيس الوزراء.

- اختيار تعابير محددة لمتابعة مدى تكرارها لدراسة الهدف والنوايا.

- تصنيف المواقف والقرارات التي يراد معرفتها.

- تحديد الاستنتاجات التي يمكن القبول بها أو رفضها.

تحليل التعارضات والتناقضات

وأوضح أن تحليل التعارضات والتناقضات يمكن من إجراء التحليل السياسي بناء على وجود تعارض أو تناقض في المواقف أو المصالح، موضحا الفرق فيما بين التعارض والتناقض، فالتعارض هو «التباين المؤقت في المصالح»، أما التناقض فهو «الاختلاف الدائم في المصالح»، مشيرا إلى أن «التعارض يمكن أن يتحول إلى تناقض وليس العكس».

وذكر أبل ضمن التباين المؤقت في المصالح مثالا عمليا في تباين كل من جمعيتي الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الديمقراطي في بعض المواقف إبان الانتخابات البلدية التي خاضتها القوى السياسية في البلاد.

تصنيف التناقضات والتعارضات

وصنف التناقضات إلى رئيسية وثانوية، فالتناقض الثانوي هو «مؤقت ويمكن التعايش معه إلى حين، وهو لا يشكل تحديا مباشرا للمصالح»، أما التناقض الرئيسي فهو «يشكل تحديا مباشرا للمصالح ويتطلب حسما».

ورأى أبل أن «التعارضات تكون غالبا في المستويات المحلية والوطنية»، فيما أن «التناقضات تكون في الغالب في المستويات الإقليمية أو القومية أو الدولية».

وأكد أبل أن «التعارض» يمكن أن يتغير إلى تناقض وليس العكس، فيما صنف الموقف من المشاركة والمقاطعة للانتخابات النيابية في البحرين بأنه تعارض في المواقف وليس تناقضا، وهو مؤقت وليس دائما.

وفي للحوار الدائر في الورشة انتقد أحد المتداخلين الجمعيات الأربع في تحليلها السياسي إذ لم تأخذ بالحسبان باعتقالات العريضة الدستورية، فيما علق على ذلك أبل قائلا «كنا نتوقع ردود فعل محدودة من قبل الحكومة على العريضة»، أما السيد رضي (أحد ناشطي الوفاق) فقد قال: «لقد وضعنا سقفا عاليا للتنبؤات، وتوقعنا الاعتقالات بشكل محدود، وكانت لدينا صورة للتصادم بين الجمعيات الأربع والحكومة على أنه سيحدث بشكل ما، ولأن المعارضة التزمت بضبط النفس والعمل السلمي فقد كانت الاعتقالات نقطة قوة إليها، ففي العمل السياسي لا يوجد خسارة دائمة فقد استطعنا تحويل الخسارة في الاعتقالات إلى نصر بالإفراج عنهم من دون شروط».

وفي رد على سؤال لـ «الوسط» بشأن ما إذا كانت الحكومة أحسنت التحليل السياسي منذ طرحها لميثاق العمل الوطني، إذ استطاعت أن تأتي بدستور جديد غير ذلك الذي كانت تطالب به المعارضة، فيما أخفقت المعارضة في تحليلها السياسي آنذاك باعتمادها على حسن النوايا، قال أبل: «ربما أحسن النظام في البحرين المناورة في تلك الفترة إلا أن مساحة المناورة ضاقت الآن، فإذا كانت المعارضة ناورت في البداية وخسرتها فإنها مؤهلة لكسبها في النهاية، فالحكومة كان من الأجدى لها أن تترك البرلمان الحالي يقدم الإنجازات لتنجحه لا أن تضع المعوقات أمامه».

ونفى أبل أن تكون الجمعيات والمعارضة «منغلقة على نفسها» في التحليل السياسي وعدم أخذها بالآراء الأخرى، داعيا الصحافة إلى إعطاء المعارضة دورا في نشر آرائها السياسية ليكون هامش الحرية واسعا على حد قوله

العدد 658 - الخميس 24 يونيو 2004م الموافق 06 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً